رد: همسات دمشقية
[align=justify]الهمسة (11)
ما إن دخلتُ مَخْدَعَ وحدتي، لِأَختلي بدموعي التي أُحبُّ أنْ أذرفَها بعيداً عن فضولِ الناس، حتى فاجَأَني اشتياقي إليهم يمتدُّ مسافةً بطولِ عدد دموع أمهاتٍ سورياتٍ ثَكِلْنَ أولادهنَّ، وبطول آهاتِ آباءٍ كَسَرَتْ الفجيعة كبرياءَهم فبكوا..
أمسكتُ شوقي للأُلَى رحلُوا، بِكَفَّيْ تَجَلُّدِي، محاولاً ألَّا أَنْهَارَ ضَعْفاً أمام رجولتي، فإذا بتَجَلُّدِي يفشلُ حين انعقدَت ذكرياتي معهم سحابةَ عطر فاحتْ، في سماء وحدتي، عشقاً برائحة قلب مكسور..
وبطبيعتها اللطيفة التي تُمَكِّنُها من عبورِ الجدران السميكة لمخادع الوحدة التي يَخْتَلِي فيها الأُباةُ من أبنائها المكسورين، أحالَ دخولُها وحشةَ وحدتي أُنساً..
مَسَحَتْ على رأسي مُواسيَّةً؛ وبصوتِها الودود هَمَسَتْ مُعاتِبَة:
- إِلامَ تُخفي عشقكَ بعدما صار إدماناً؟ إلامَ، ودقاتُ قلبكَ الملهوف ما فَتِئَتْ تنسابُ دمعَ اشتياقٍ للأُلى رحلوا؟
فأَجَبْتُها:
إلى أنْ أَكُفَّ عن غَمْسِ يابسِ لقيماتي بدموع تَذّكُّرِي لما كانوا يُحبُّون من أطعمةٍ وأَشرِبَة..
إلى أنْ يَكُفَّ أنفي عن بَعْثِ روائحِهم ذكرياتٍ، في البالِ تَلَظَّى، كلَّما دخلتُ مكاناً جَمَعَني بهم، ذاتَ ماضٍ عَبَر..
إلى أنْ تَكُفَّ خطواتي عن الجري لاهثةً وراء صورهم، في كلِّ الشوارع والأزقة التي سرناها معاً ذات عُمُرٍ وَلَّى..
إلى أنْ تَكُفَّ شيخوختي عن خوفها من التَّجمُّدِ انتظاراً في جليد وحدتها، ثم ينتهي العمر، فيُدرِجوا عظامي الواهنة، في كَفَني، حسرةً على أنْ رحلتُ ولم أرَهُم..
قلتُ لها ذلك، ففاجأنا قلبي بالسجود آهاً ترجو اللهَ أنْ يكونَ اللقاءُ قريباً..[/align]
|