رد: همسات دمشقية
[align=justify]الهمسة (15)
تَأّبَّطتُ ذراعَ وحدتي، وقررتُ أن أُمضيَ إجازتي معها على شاطئ بحر الملل، لأشاركَ مَن سبقوني إليه في مراقبة أمواجه الكسولة وهي تتدافع ببطءٍ شديد يُوهِمُ من يُتابعها أنها لن تبلغ الشاطئ أبداً..
وصلنا ضحىً، ففُوجئنا باكتظاظ ذلك الشاطئ الممتد من اللامبالاة إلى اللامبالاة، بأجساد المُستَرخِين على رمله الرمادي الكئيب، يستمتعون بتذوُّقِ البلادة المطلقة، وهم يتثاءبُون بتكاسل، مُقلِّدين كلَّ ما يُحيط بهم من رمال وأشجار وطيور وأسماك وأصداف...؛ بل حتى دقائق زمنهم وثوانيه كانت تتثاءب أيضاً وهي تزحف كدودة عجوز على أطراف ساعاتهم اللزجة..
وعلى الرغم من غرابة كلِّ ما رأيتُ على ذلك الشاطئ الذي أطلقوا عليه اسم (شاطئ مخيمات اللجوء)، لم يُحيّرني سوى امتلاك أولئك المُتثائبين على رماله نفس الوجه والملامح، وأنهم جميعاً عربٌ مُتَّهَمون بالإرهاب، مع أنَّ بلادتَهم ولامبالاتهم والدهشة المُطلَّة من عيونهم تصرخُ أنَّهم ضحايا من زرعوا الإرهاب في بلدانهم ليُخرجوهم منها ثم يحتلوها بحجة تحريرها من الإرهابيين..!!
في اليوم التالي، حَذّرتني حبيبتي دمشق التي أنقذتني من الغرق في بحر الملل الذي حاولتُ الانتحار فيه، من العودة ثانيةً إليه، خشيةَ أن يظنَّني المشرفُ على الذين رأيتهم مُمَدَّدين على شاطئه إرهابياً مثلهم، فيعتقلني بتهمة ممارسة الحلم بوطن حرٍّ أعيش فيه بكرامة وأستمتع في ربوعه بالأمن والأمان، حتى وإن كنت أكره إسرائيل وداعميها وأذنابها...[/align]
|