البطل والقصة القصيرة جدا
[align=justify]
حين تقرأ القصة القصيرة ، تبحث عن الكثير من الأشياء التي تشغل حيز العمل المكتوب .. من هذه الأشياء تبرز صورة البطل لتكون ملامحها بارزة بادية للعيان ، ولتسجل ملمحا هاما من ملامح القصة .. وحين يغيب البعض صورة البطل هوية وملامح وشخصية مرسومة ، يكون هناك بطل يتحرك في الخلفية وكأنه ينوس بين الحضور والغياب ، لكنه في كل الحالات يبقى بطلا حقيقيا يرى ويلمس ونكاد نستشعر أنفاسه .. فالبطل على ما يبدو قد يكون حاضرا باسمه وملامحه وهيئته وصفاته الجسدية والنفسية وطريقة كلامه وما إلى ذلك ، وقد يكون غائبا منزويا حاضرا في خلفية العمل أو لنقل في شاشة تتحرك خلف اللوحة المنقولة على ارض الحدث .. ولكل نوع من النوعين أهميته ووظيفته وفائدته في بناء القص .. لكن ماذا نقول حين تغيب صورة البطل تماما ؟؟..
قليلة هي القصص القصيرة التي تشطب البطولة أو صورتها تماما دون أي ظل من ظلال الحضور .. وحين يحدث ذلك نلاحظ أن عيبا ما قد اعتور القصة وجعلها في حالة ضعف من هذه الناحية أو تلك .. فغياب البطل غيابا تاما يقرب القصة من جو الخاطرة .. إذ يعرف أن البطل حامل للحدث والفعل والكثير من الأوصاف في القصة .. وغيابه يعني تقليلا من قيمة القصة كفن.. ويخطئ من يحاول الابتكار من خلال إلغاء البطولة والتحرك في جو من تراكم الوصف دون التقدم إلى الأمام .. ويهمنا أن نشير هنا إلى أن البطل قد يكون إنسانا في الغالب الأعم ، وقد يكون غير ذلك من حيوان أو مكان أو زمان وما إلى ذلك .. وأحب أن أسأل هنا عن نموذج القصة القصيرة جدا التي تغيب البطل في اكثر نصوصها أهي موفقة في العمل على هذا ، أم أنها لا تختلف عن القصة القصيرة العادية بما يوجب وجود البطل وكل ما يتعلق به .. ؟؟..
نعرف أن القصة القصيرة جدا تحتاج إلى التكثيف ، اللقطة الموحية ، الفعل ، الشخصية ، والحكاية .. والظن بتجاوز البطل في هذه القصة هو ظن خاطئ لأنه يسقط الكثير من أهمية هذه القصة .. ومشكلة النماذج الجديدة أنها تغزل كثيرا على التكثيف حد الوقوع في إشكالية اللعب وتجاوز القص إلى الافتعال .. يأتي هذا من باب ابتداع الإيجاز كغاية لا كوسيلة .. مما ذهب بالبعض إلى جعل القصة القصيرة جدا كلمة واحدة أو كلمتين ، وكأن الهدف لم يعد غير التسابق في الاختصار أو لنقل بصورة أصح مسخ القص وتشويهه ليكون مجرد تسلية عابرة ليس إلا .. وفي هذا الاتجاه ، وهو للسخرية ليس إلا ، فقد ألفت نصا في القصة القصيرة جدا عنوانه " " وكلماته تقول " " .. فإذا كان الأمر أمر سباق في الاختصار فلا أظن أن هناك من يستطيع الاختصار أكثر من ذلك .. ومن يجد في نفسه القدرة على الاختصار أكثر فليحاول .. وليس هناك داع لحذف الأقواس بدعوى الاختصار فقد أوردت الأقواس هنا لإيراد ما أريد إيراده!!.. هذه الأقواس لا دخل لها بقصتي العتيدة !!..
أعود إلى البطل في القصة القصيرة جدا فأجد انه من لوازم هذه القصة ومن أسسها التي لا يمكن الاستغناء عنها .. وحين يعمل القاصون في جنس القصة القصيرة جدا ، على الاجتزاء وحذف البطل ، فهم يسقطون الكثير من جودة هذا القص ، ولا يوجدون بديلا يقدر على حمل العمل .. صحيح أن التكثيف ضروري ، لكن لا يفترض أن يكون على حساب البطل .. فالذكاء أن تكتب قصة قصيرة جدا وأن توجد الجو المطلوب كله دون حذف أو استثناء .. هو عمل يحتاج إلى براعة وحنكة وذكاء وبصيرة ، وهذا لا يكون في استبعاد الضروري .. فالبطل يحمل العمل في كثير من الأحيان ، فما الجدوى من الاستغناء عن الحامل الضروري للقصة .. وأعود فأورد أن البطولة لا تكون للشخصية الإنسانية فحسب ، بل تطال غيرها ، لكن دون حاجة إلى اللعب والافتعال ..
[/align]
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|