رد: مقامات أهل الإيمان"الخائفون الراجون"
... بالخوف والخشية تحترق الشهوات وتتأدب الجوارح ويحصل في القلب الذبول والخشوع والذلة والاستكانـة والتواضع والخضوع، ويفارق الكبر والحسد ولا يكون له شغل إلا المراقبة والمحاسبة والمجاهدة والمحافظة على الأوقات واللحظات ومؤاخذة النفس بالخطرات والخطوات والكلمات، ومن كان الخوف منه بهذه المنزلة سوف يحجزه خوفه عن المعاصي والمحرمات فلا يأكل مالا حراما ولا يشهد زورا، ولا يحلف كاذبا، ولا يخلف وعدا ولا يخون عهدا ولا يغش في المعاملة ولا يخون شريكه ولا يمشي بالنميمة، ولا يغتاب الناس ولا يترك النصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا يزني ولا يتعاطى محرما ولا يهجر مساجد الله ولا يترك الصلاة في الجماعة ولا يضيع وقته في اللهو والغفلة, بل تجده يشمر عن ساعد الجد ويستغل وقته في الطاعات لهذا قال (ص) ((من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل ألا وإن سلعة الله غالية ألا وإن سلعة الله هي الجنة)) رواه الترمذي .نعم الجنة غالية تحتاج إلى ثمن باهظ وثمن الجنة هو الخوف ,فمن خاف نال بغيته. الخائف دائما يهرب مما يخافه إلا من يخاف من الله فإنه يهرب إليه. قال أبو حفص: الخوف سراج في القلب به يبصر الخير والشر وكل ما خفته هربت منه إلا الله عز وجل، فإنك إذا خفته هربت إليه. فالخائف هارب من ربه إلى ربه مصداقا لقوله تعالى:"ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين"قال أبو سليمان الداراني: ما فارق الخوف قلبا إلا خرب. وقال إبراهيم بن سفيان: إذا سكن الخوف قلبا أحرق مواضع الشهوات منه وطرد الدنيا عنه.والناس في خوفهم من الله متفاوتون ولهذا كان خوف العلماء في أعلى الدرجات,ذلك لأن خوفهم مرتبط بمعرفة الله مما جعل هذا الخوف مقرونا بالخشية كما قال تعالى:(إنما يخشى الله من عباده العلماء) الخشية إذن درجة أعلى وهي أخص من الخوف،وإن شئت فالخوف لعامة المؤمنين والخشية للعلماء العارفين وعلى قدر العلم والمعرفة تكون الخشية، لذلك يقول خير خلق الله النبي محمد:"إني لأعلمكم بالله وأشدكم خشية له"وقال (ص):"لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا ولما تلذذتم بالنساء على الفرش ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله"مما يدل على أن كل من كان بالله أعرف كان منه أخوف,فالخوف هو صفة القلب المتحرك وليس الجامد,قال الله تعالى :"وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى" ويقول عزوجل في وصف الأبرار:"إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورا".لكن الخوف الحقيقي هو الخوف المقرون بالرجاء في رحمة الله,فالمؤمن يخاف ويرجو ولا عبرة بخوف لا يقرنه رجاء,ولا عبرة برجاء لا يقرنه خوف وبما أنهما متقارنان فقد وجب أن تكون لهما منزلة مشتركة من منازل الإيمان هي "منزلة الخوف والرجاء"...
للحديث بقية
|