رئيس القسم الشعري
|
رد: حوارنا المفتوح مع الشاعر الفلسطيني والباحث العروضي الأستاذ غالب أحمد الغول
الأخت المناضلة والأديبة المفوهة والدكتورة الغالية هدى الخطيب , لك التحية وباقات ورد تزين تاجك على هامتك , وأشكرك على نقل ما كتبته ( وكيبيديا الموسوعة الحرة ) عن الكفرين , وتوثيق الفيديو حول أراضي الكفرين , وهذا شيء قليل لما كتبه أبناء بلدتي الغالية عن الكفرين وعائلاتها وما كتبوه أيضاً عن أسماء أراضيها , وحتى خارطة الكفرين كما تصورها رجالها بيتاً بيتاً وشارعاً شارعاً والذي نظمها بعد أكثر من ثلاثين محاولة ,وهو العبد الفقير لله ( غالب أحمد الغول ) وأثبتها في كتابه ( الكفرين حيفا وأحفاد إبراهيم الغول ), وهو رسم تقريبي ليس حقيقي تماماً , ليعرف الجيل القادم كل شيء عن بلدته المهجرة , وما أجمل مسيرة العودة عندما ينظمها أهالي الكفرين في أم الفحم ومعهم أبناء القرى المجاورة , ليتذكروا قراهم وأماكن بيوتهم المهدمة , لتكن الكفرين النموذج بين مئات القرى التي تهدمت , ليس لها ذنب سوى أن أهاليها الثوار قد لاحقوا فلول الصهاينة في كل أنحاء قراهم مدافعين عن ترابهم وأعراضهم بدمائهم وأرواحهم , لا يهابون رصاص العدو ولا دباباته ولا قنابله , وما أجمل رؤية مسيرة خيول العودة والتي تتكاثر سنة بعد أخرى تحدياً لبني صهيون علناً قائلين ( ليرحلوا عنا , وهذه أرضنا ونحن ههنا واقفون على ترابها , قائلون : هنا باقون ما بقي الزعتر والزيتون .) ومؤكدين أنهم سينظمون مسيرة على الأقدام من أهالي القرى المهجرة وأهالي الكفرين معهم , من أم الفحم إلى المسجد الأقصى , قائلين للصهاينة ( ومن لا يعجبه أمرنا فليرحل عنا مع ستين صُرماي ( حذاء) ولن يرهبهم ما قيل عنهم بأنهم أي الصهاينة القوة الضاربة الكبرى في الشرق الأوسط , علماً أن أطفال الحجارة قد سجلوا تاريخهم بأيديهم وعرفوا جبن الغاصب المحتل , والحديث يطول يا بنت حيفا وبنت الكفرين وما يحيط بهما من مدن لتصل إلى عكا والنقب .
والآن أعود للرد على أسئلتك بشكل مقتضب , إن اسطعت .
س1 : هل تحفظ ذاكرتك الطفولية بأي مشهد يعود لبلدتك الكفرين ؟
ج1 : لم أتذكر شيئاً في سن الخامسة , ولكن وبعد أن سكنا بلدة أم الفحم لمدة سنتين , وهي تبعد حوالي 10 كيلو متر , ذهبت إلى الكفرين مشياً على الأقدم , بطريق ضيق يحف الشوك بساقيّ , برفقة أخي الأكبر الذي كان يكبرني بثلاث سنوات , ومعنا ابن جارنا , وقبل أن نصل الكفرين , وجدنا قنبلة ومسكها أخي وبدأ يعبث بها , فصرخت وقلت له .. لا يا أخي , لعلها تنفجر بنا ... فتركها ومضينا لنصل أولاً إلى بئر الصفصاف , وهو الحد الفاصل بين الكفرين وأم الفحم , ونظرت إلى الماء الصافي , وأعجبني منظرها , ثم مشينا لنصل إلى عين البلد , ثم تسلقنا الأشجار في بستاننا لنأكل من ثمار قريتنا , وسرنا إلى أن وصلنا دارنا وهي على شكل ركام . ,
كان منظر بيتنا , يبعث الحزن في أحشاء القلب , ونحن نرى فراشنا ووسائدنا وبعض أدوات الطبخ بين الركام , شيء ينفجر له القلب حزناً وألماً , وبعد قليل , إذ بصوت رشاشات العدو نسمعها عن قريب , ولم نعرف أهي مصوبه في اتجاهنا أم في اتجاه غيرنا , لكننا هربنا متجهين إلى أهالينا في أم الفحم , ووصلنا قبل مغيب الشمس بدقائق , وكان الوالد والوالدة يبحثون عنا بيأس وحيرة , ولما شاهدنا والدي عاقبنا على تصرفنا الطفولي , وهذا كل الذي أتذكره عن قريتنا أيام طفولتي .
س2 : برأيك هل يستطيع الأدب الفلسطيني بشكل عام والشعر بشكل خاص , الحفاظ على الذاكرة الوطنية لقضيتنا حيّة عصية على العبث والعمل الدؤوب لمسخها في سبيل تصفية القضية ؟
ج2 : نعم , إن الوسائل التي تحتفظ بالذاكرة الوطنية لقضيتنا كثيرة جداً ولا حصر لها , القصة والرواية والمسرحية وحكايات الآباء والأجداد , والأمثال الشعبية والحكم , بالإضافة إلى كافة أنواع الأدب شعراً ونثراً كلها موضوعة في ميدان الكفاح , لتذكر أجيالنا القادمة بأن فلسطين , لم تكن أرضاً بغير شعب حتى تكون لشعب بلا أرض , وعودتنا إلى الكفرين وحيفا وكل أرجاء فلسطين من عكا إلى النقب عائدة بحول الله , لأن الله لا يخلف وعده , ولأن الله اختار أقوى شعوب العالم عقلاً وذكاء وفطنة وقوة بأس وهم أهل فلسطين خاصة وبلاد الشام أرض الرباط عامة , إلا ليكون اليهود في يوم ما بقبضة الثوار والمجاهدين من الصهاينة . ولم يكن تجمعهم في فلسطين إلا لأجل أن لا يكون لهم منفذاً بالهرب سوي البحر الذي أغرق فرعون .
نعم إن الشعر هو أقوى أنواع الأدب العربي المؤثر في النفوس , فهو كالبندقة التي تخترق الأجساد لتوقظها في اتجاه الحمية والثورة والتحرير , ولكن الكلمة وحدها وإن أثرت في النفوس , ألا يمكن إيجاد وسائل أخرى للتحرير , كمحبة بعضنا البعض , والإخلاص للوطن , والعمل الجاد على وحدة صفنا , لقوله تعالى ( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم ... ) بالكلمة ورباط الجأش والصمود والعدة والعتاد , كل ذلك يجب أن يوظف في خدمة الميدان القادم والمعركة الحاسمة , والتي سينتصر بها أهل الحق على الضغمة الفاشية الحاقدة , الذين قتلو أبناءنا وشردونا كما كانوا مشردين في بقاع الدنيا .
س3 : يُقال أن الشاعر ,طفل كبير , وإنسان لا يستطيع الطفل فيه أن يغادر روحه الشعرية , الشفافة ,
ما رأيك بهذا القول , وإلى أي مدى تحتفظ أستاذ غالب بالطفل في أعماق ذاتك .؟
ج3 : إن لم يكن الشاعر طفلاً , فهو إنسان مدمن , لا ينام ليلته قبل أن ينهي قصيدته , وهذه حقيقة كل شاعر شاعر بالألم الذي يلحق أهله ووطنه , والإنسان المدمن على شيء لا ينام إلا إذا تناول الشي الذي يدمن عليه , والذي يدمن عليه الشعب الفلسطيني هو الألم , والتشرد , والظلم الذي لحقه منذ سبعين سنة ولا يزال ينتظر العودة , وهو لا يزال يحمل مفاتيح بيته لعله يعود , وبالرغم من أن الصدمة العظمى أمامه هي الإمبريالية والصهيونية وقوى الشر في أنحاء البلاد الأخرى , إلا أن شعبنا بإرادته سيقول دائماً كما قال أبو عمار ( يا جبل ما يهزك ريح ).
س4 : هل يمكن أن تحدثنا قليلاً عن أهم ما تعرضت له ووثقته في كتابك , وما تعرف عن عائلات بلدة الكفرين ؟
ج 4 : نعم لقد ألفت كتاباً بواقع 225 صفحة عن قريتنا المهجرة الكفرين تحت عنوان ( الكفرين حيفا وأحفاد إبراهيم الغول ) الطبعة الأولى عام 1997 والطبعة الثانية عام ( 2005 ) وتمت طباعته عام 2009 . ويتضمن الكتاب أهم المواضيع مثل :
المقدمة ولمحة تاريخية عن الكفرين , وموقع الكفرين وخريطتها , ومعنى كلمة الكفرين , وأسماء أراضي الكفرين , ونشاط الأهالي والمساجد والمدارس والعائلات ’ والضبط الاجتماعي والحياة الفكرية وشراء وبيع الاراضي ومسيرة العودة أل ( 12) وروايات ومقابلات شفهية وخطية عن الكفرين ... والغول وسبب التسمية , وسلوان القدس وآل الغول فيها وروابط القرابه , بين أهالي الكفرين وأهالي سلوان وأهالي هربيا في غزة وصفد وغيرها من بلدات فلسطين .
وقد راجع الكتاب بعد تاليفه جملة من الدكاترة في الكفرين ووافق على نشره كل المسنين من أهالي الكفرين بتوقيعاتهم المحفوظة في دائرة المطبوعات والنشر, وتم إيداع نسختين منه في قسم العشائر بالديوان الملكي الاردني كوثيقة هامة .
والحديث عن كل هذه الأقسام يطول , ولكن سنتحدث عن القسم الأخير من السؤال وهو :
ما تعرفه عن عائلات الكفرين . والجواب تجده على صفحة 40 من الكتاب.
كان الأهالي في بلدة الكفرين يَعرفون أسماء عشائرهم , إلا أنهم ينادون على بعضهم إما بالأسماء أو بالألقاب , أو يقرنون الاسم بالبيت فيقولون :
دار أسعد الخضر , ودار يوسف عبدالجواد ( ومنهم مؤلف هذا الكتاب ) ودار سرحان , ودار أبو العماش , ودار خليفة , ودار شحادة , ودار فياض , ودار النعجة , ودار صبيحات , ودار أحمد الجبر , ودار قاسم , ودار النهيا , ودار الحاج يوسف , ودار أبو السبع , ودار أبو مراد , ودار أبو ذيب , ودار أبو زهران , ودار أبو سريس , ودار النجمي , ودار الجمال , ودار سمارة , ودار العسس , ودار صالح , ودار بديوي , ودار أبو لبادة , ودار حسين علي الموسى , ودار أبو تمام , ودار شوباش العلي , ودار إبراهيم البابا , ودار محمد المصطفى , ودار أبو رجب , ودار عبدالرحمن خليفة , ودار حسين الجمال , ودار عيسى الموسى العبدالجواد , ودار عيسى الخالد , ودار سعيد الصالح , ودار جبر الزلط , ودار صالح البرانسي , ودار سليمان الخالد , وغيرها من فروع هذه العائلات , لم أتمكن من متابعتها .
ويشكل آل الغول أكثر من ثلثي البلدة , بصفتهم هم أول من سكن الكفرين على يد كبيرهم ( خصر عبدالجواد صالح إبراهيم الغول ) رحمه الله تعالى .وأصبحت هذه العائلات بعد الهجرة تمثل عشائر وحمايل , وجميع هذه العائلات يجمع بينها التعارف والتآلف والمصاهرة , وكأنهم جميعاً أسرة واحدة , سواء أكانوا من الكفرين أم خارجها ,
إن أهالي البلدة يذكرون لنا أن مختارها كان من عائلة النجمي , وهي من عائلات حيفا , والكفرين تقع على خاصرة جبل الكرمل , أعادها الله لأهلها , إن شاء الله .
شكراً للدكتورة هدى نور الخطيب على أسئلتها , أرجو أن أكون قد راقها هذا الموضوع , مع أسمى التحايا والاحترام .
|