رد: حوارنا المفتوح مع الشاعر الفلسطيني والباحث العروضي الأستاذ غالب أحمد الغول
[align=justify]أخي الحبيب الأستاذ غالب الغول..
اسمح لي أولاً أن أُعبِّر عن عظيم فخري بمعرفتك أخاً وشاعراً مبدعاً وعالم عروض متميز..
واسمح لي أيضاً أن أعتذر عن تأخري بالمشاركة في مهرجان ثقافي أنتَ نجمه، فقد شاء الله أن تشغلني شواغل عديدة مفاجئة عن المشاركة في هذه المهرجان الذي افتتحته مشكورةً الأستاذة هدى الخطيب في صالونها العامر.. والآن، حين أُتيحت لي المشاركة، إذا بي أُفاجأ بأنَّ جُلَّ ما كنتُ أودُّ طرحَه عليك من أسئلة، قد سبقني إليها السادة المشاركون والسيدات المشاركات، وأنك قد أجبتني بما أجبت به على أسئلتهم..
لكن ومع أن إجاباتك على أسئلتهم قد رَوَتْ ظمئي لما كنتُ متعطشاً إلى معرفته منك، فقد بقيت في النفس حاجات أودُّ صياغتها أسئلةً بسيطة أطرحها عليك.. بعض هذه الأسئلة يتعلق بكونك شاعراً ومختصاً بعلم العروض في آن معاً، وبعضها يتعلق بكونك عربيا فلسطينياً..
أسئلة الشعر والعروض:
في الواقع، أجد اللقاء مع حضرتك فرصة ذهبية لحوارِ رمزٍ معاصر من رموز القصيدة الخليلية العريقة، ومن منطلق نظرتي هذه إليك اسمح لي بطرح الأسئلة التالية:
1) إذا كنتَ تعدُّ الإيقاع شرطاً للشعر، سواء كان قصيدة خليلية أو قصيدة تفعيلة، فماذا تقترح أن تُسمَّى قصيدة النثر وأين تضعها بين فنون الأدب؟ وهل يمكن إعادة تصنيف إبداعات الكثير من أدبائنا القدامى والمحدثين التي نصفها بالنثر الفني، ثم نضعها في خانة الشعر؟ وأكتفي بمثال واحد على هذا وهو تراث المبدع الرائع جبران خليل جبران من النثر الفني الذي لم يخلطه بالشعر، على الرغم من الصور الكثيرة الرائعة التي ضمَّنها في نثره، بل كتب شعره وفق نموذج القصيدة الخليلية التي استطاع بموهبته الفذة أن يحافظ على بقائها زاخرة بالصور الرائعة، دون أن تعيقه أوزان الخليل عن صياغة تلك الصور شعراً إيقاعياً مموسقاً، كما يبدو جلياً في معظم شعره، ومنها قصيدته الرائعة (أعطني الناي وغني)..
2) إذا سايرنا المدافعين عن قصيدة النثر، بوصفها تجديداً للشعر العربي، حررت الشاعر مما يسمونه قيود العروض التي يزعمون أنها كانت تُعيق موهبته عن الانطلاق، فهل يمكن تجديد أوزان الخليل نفسها، كأن نبتكر أوزاناً جديدة نضيفها إلى أوزانه المعروفة، وتكون إيقاعية أيضاً، لاسيما وأن الذين يطرحون هذه الاحتمالية على أنها ممكنة، يستشهدون بتجربة سابقة وعريقة، هي التجديدات الوزنية التي أدخلها شعراء العرب في العصر الأندلسي على أوزان الخليل..؟
3) هل حقاً يمكن لبحور الخليل بإيقاعاتها المحددة وقافيتها الواحدة أن تكون قيداً يحدُّ من إبداع الشاعر في التعبير، كما يزعم أعداؤها؟ وبالتالي فلا مندوحة عن ترك هذه البحور واللجوء إلى موسيقى جديدة تمنح الشاعر حرية أكبر في التعبير عن مشاعره وعواطفه ورؤاه؟ أم أن هذا الادعاء محض افتراء على بحور الخليل، صممه ونشره بقوة الذين لم ترقَ قدراتهم الشعرية إلى مستوى امتلاك القدرة على التعبير بقوالب هذه البحور إيقاعياً؟ لاسيما وأن كثيرين من أعلام قصيدة النثر الذي هاجموا أوزان الخليل اعترفوا في مقابلات عديدة معهم بأنهم لم يستطيعوا صياغة شعرهم في قالب القصيدة الخليلية؟
4) يعتقد البعض، وأنا منهم، أن إسقاط شرط الالتزام بأوزان العروض والقافية الواحدة، قد فتح الباب على مصراعيه لكل من لا يملكون موهبة شعرية حقيقية، وسمحت لهم بالادعاء أنهم شعراء.. والأدهى أن هؤلاء المدعين ونصراءهم من النقاد عمدوا إلى تأكيد شاعريتهم بالقول على افتراض أن الشعر صورة وإيقاع كما تقولون، فقد اخترنا نحن التركيز على الصورة ونبذنا الإيقاع، كما اختار النظَّامون قديماً وحديثاً التقيد بالإيقاع وإهمال الصورة.. فإذا ظلَّ ما كتبه أولئك النظَّامون شعراً في نظركم، مع إهمالهم شطر الشعر ممثلاً بالصورة، فلماذا لا يحق لنا نحن أيضاً أن نُسمى شعراء إذا أهملنا شطر الإيقاع؟
أكتفي بهذا القدر من الأسئلة أعانك الله على فضول عجوز ثرثار مثلي، ولا عليك إذا تجاوزتَ عن الإجابة بالنسبة لبعض الأسئلة إن وجدتَ ما تطرحه مكروراً قد طُرح عليك من غيري قبلاً....
[/align]
|