بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
أزمة الستراتيجيين العرب
شبكة البصرة
مجرد متابع عراقي
لفترة قريبة كنت بعيدا عن الندوات واللقاءات التي تجمع بعض المثقفين والسياسيين العرب لأسباب بعضها خاصة وبعضها الآخر يتعلق بقناعتي بأن اهتماماتي وانشغالاتي وقضية بلدي وشعبي المحورية ليس لها معينا ولا مساندا غير الله وهمة الغيارى من رجال وماجدات العراق وفي مقدمتهم أبطال المقاومة الوطنية العراقية. وحقيقة الأمر أن كثير من الساسة والمثقفين العرب وفي أحسن الأحوال ليس لديهم إلا الكلام الذي يصنعون منه أساطيرا من النضال الوطني والقومي التحرري حتى ليبدو للمستمع إليهم من الوهلة الأولى أن الأرض ستزلزل تحت أقدام القوى الامبريالية والصهيونية وسترد هذه القوى على أعقابها تسحل خيبتها وهزيمتها وستحرر الأرض العربية ويعود الحق العربي الى أصحابه إن كان في العراق أو فلسطين أو سوريا وغيرها من الحقوق العربية المسلوبة هنا وهناك.
هذه المقدمة تذكرني بحادثين ذات صلة أولهما في العام 1991،حيث كانت قوى الشر والعدوان الأمريكي والصهيوني الدولي تجري استعداداتها على قدم وساق للهجوم على العراق، خرج علينا أحد المناضلين العرب بتصريحات نارية رنانه يهدد ويتوعد بأن الأرض ستزلزل تحت أقدام جيوش التحالف ودولهم وستستهدف عواصمهم ومدنهم أن هم تجرأوا وشنوا عدوانهم على العراق، كما خرج علينا في ذات الوقت أحد الزعماء العرب بتصريحات أكثر نارية حين قال أن جميع القوى العمالية والطلابية والفلاحية والمنظمات الاخرى العالمية سواء التي سمعنا بها أو لم نسمع تنتظر الإشارة منه لضرب المصالح العالمية لدول التحالف الامبريالي في حال شنت هجومها على العراق. وقد قامت الحرب واشتعل وطيسها ودمر العراق ولم يحرك ذلك المناضل الثوري العربي ساكنا في حين شلت يد الزعيم عن إعطاء الإشارة لتلك القوى والمنظمات العالمية.
أما الموقف الثاني فقد استدرجني في العام 2007 أحد الاصدقاء العرب الى أحد مجالس الفكر والسياسة في بلده وقد سمعت في ذلك المجلس كلاما معسولا وجميلا يبعث على الأمل والتفاؤل بوعي عربي لما يجري في شؤون السياسة حول وطننا العربي، وقد خرجت من المجلس متفائلا بمستقبل عربي أفضل على ضوء المفاهيم والاراء والطروحات التي سمعتها، وكشفت لصاحبي عن ارتياحي لمستوى الوعي والفهم العميق الذي أبداه المتحدثون لقضايا الأمة المصيرية، إلا أنه لم يجعل الراحة والانشراح تملأ كياني، فرد َّعلي بسرعة قائلا بأنه هذا المجلس ملتئما منذ سنين طويلة والمتحدثون هم أنفسهم والآراء هي ذاتها وقد مللنا من سماعها وتكرارها، ولكن عليك أن تتأكد ما أن ينفض هذا المجلس حتى ينسى الجميع مادار فيه ولا يعنيهم ماتحدثوا وما اتفقوا عليه، ليعودوا في الجلسة اللاحقة بذات الكلام أو غيره، ولكن دون نتيجة تذكر ولا تقدم عملي الى الأمام ولو بخطوة واحدة، والامر في مجمله لايعدوا أن يكون كلام في كلام لتمضية الوقت وكشف مواهب التحليل والرأي والخطابة التي يجيدها الجميع دون استثناء في حين أن الاعداء الذين يتحدثون عنهم يسابقون الزمن في التقدم والتطور والاختراع، رغم قلة كلامهم.
ما زلت متمسكا بموقفي بمقاطعة مثل هذه اللقاءات والندوات، رغم الحاح كثير من الاصدقاء على حضورها وعدم الابتعاد عن أجوائها لايصال الرأي والفكرة وعدم ترك المجال مفتوحا للآراء الأخرى المضادة لتلعب وحدها في الساحة. أمام هذا الإلحاح حضرت إحدى الجلسات لمجموعة وصفوا أنفسهم بقادة الفكر الستراتيجي بالوطن العربي في حلقة نقاشية حول قضايا الأمة المصيرية.
لقد اتفق المتحدثون على أن المقاومة الوطنية العراقية رفعت رأس الأمة عاليا، وافشلت المشروع الامريكي الصهيوني في المنطقة والقائم على إعادة رسم خارطة الوطن العربي أو ما أسموه هم بالشرق الاوسط الكبير، وبكلمات رنانة ونارية أيضا أثنوا على جهاد إخوتهم في العراق، ولكن ما أدهشني أن هؤلاء الستراتيجيين ينتظرون ويأملون أن تقوم إيران بتوجيه صواريخها التي استعرضتها على الفضائيات صوب الكيان الصهيوني لتدمر منشئاته الذرية والعسكرية والاقتصادية، لكي تدفعه الى الاقرار بالحقوق والانسحاب من الاراضي العربية. وقد اكثر هؤلاء الستراتيجيون من شتم وذم القادة العرب ومدح قادة ايران، ثم طلب الي بصفتي العراقية مداخلة في هذا النقاش، فحمدت الله وشكرته على الفهم والاستيعاب الذي أبداه المتحدثون لطبيعة النضال الوطني في العراق، وقلت لهم أيها الأخوة إن هذه المقاومة التي رفعت رؤوسكم عاليا وأفشلت المخطط الأمريكي الصهيوني ضد الأمة العربية لا تقاتل إلا بمعونة الله عز وجل وبالتفاف حاضنتها الشعب العراقي حولها، ألا تستحق الدعم والتأييد منكم حتى وإن كان ذلك الدعم إعلاميا، ألم تغلق الصحف والمجلات والقنوات الفضائية أبوابها بوجه ستراتيجية ونشاط فصائل المقاومة الوطنية العراقية، ثم عرجت على الدور التآمري التخريبي الايراني في العراق، وكانت المفاجأة حين إدعى بعض هؤلاء الستراتيجون أن المقاومة العراقية مدعومة عربيا من كذا وكذا وأن الدعوات تتعالى في المساجد بالدعاء الى الله بالنصر المبين لها وحقيقة الأمر أني تجولت في عدد من المساجد هناك خلال هذا الشهر الفضيل، شهر الدعاء والاستجابة ولم أسمع أحدا ذكر العراق وأهله ومقاومته في دعاء حتى أني سألت أحد أئمة المساجد عن سبب هذه الظاهرة فأجاب الرجل مسرعا نحن ندعو لكم في سرنا!!، ففهمت منه أن الدعاء العلني للعراق وشعبه ومقاومته ممنوع بضوء قرارات أمريكية ترجمت الى قرارات عربية تم تعميمها على المؤسسات العامة والخاصة للتنفيذ والتطبيق.
أما عن الهجوم الايراني الذي ينتظره هؤلاء الستراتيجيون فقلت لهم :أتمنى أن تفيقوا من أحلامكم وتتأكدوا بأن عمايم إيران جزء من المخطط الصهيوني الأمريكي على الأمة العربية وأن مافعلوه من جرائم في العراق خير دليل على ذلك، ولكن الجماعة الستراتيجيين مصرون على الاستمرار في هذا الحلم، ويبدو أن يأسهم من قادتهم العرب جعلهم يوكلون أمرهم الى إيران وأرى أنهم لن يفيقوا من هذا الحلم حتى يجدوا إيران وقد أستعمرت بلادهم كما هي اليوم تحتل العراق بالتعاون مع الصهاينة والأمريكان وتحتل أجزاء من الإمارات وتهدد سيادة دول عربية كالبحرين واليمن وتحرك عملاءها في دول أخرى كالسعودية وبعض دول المغرب العربي وتسعى لاختراق باقي الدول العربية عبر العملاء الذين تدفع لهم بسخاء تحت يافطة التشيع، والأكثر غرابة أن بعض هؤلاء الستراتيجيين يعتقدون أن ما يقوم به عملاء إيران وإسرائيل في العراق إنما هو موجه ضد حزب البعث العربي الاشتراكي لأنه حزب سني!! وأكرر،،،لأنه حزب سني.
وبعد هذه الجلسة أدركت أنه طالما كان حال الستراتيجيين في هذه الأمة على هذه الصورة فلنلتمس العذر لسبات أبناءها الذين حشروا في زاوية ضيقة لا مفر للخروج منها إلا بالثورة على الفكر الستراتيجي الذي تقوده مثل هذه العقول، قبل الثورة من أجل رغيف الخبز الذي إن تأمن اليوم لعيالهم فعليهم أن يفكروا قبل أن يناموا في كيفة تأمينه غدا، وكان الله في عون هذه الأمة التي وصفها بخير أمة أخرجت للناس. ودعوني استعير هنا بعض أبيات من الشعر لشاعرها حينما نظمها قبل أيام يصف حال وجبن المثقفين الجهله!!!
فيقول :
مـا أجـبـن َالمـثـقـفـيـن َحـيـنـمـا
تجري دِمَـا أوطـانِهمْ ويصمتون ْ
بـأيِّ وَجـهٍ في غـدٍ سـتـظهرون ْ
عن أيِّ عَار ٍفي غـدٍ سـتكـتبون