11 / 05 / 2018, 12 : 10 PM
|
رقم المشاركة : [10]
|
مديرة الموقع المؤسس - إجازة في الأدب ودراسات عليا في التاريخ - القصة والمقالة والنثر، والبحث ومختلف أصناف الأدب - مهتمة بتنقيح التاريخ - ناشطة في مجال حقوق الإنسان
|
رد: استفتاء جماهيري - القراءات النقدية - مسابقة نور الأدب الكبرى 2018
9-
هيفاء وضوء القمر
طلعت سقيرق، من مجموعته هيفاء وضوء القمر
ضحك القمر وألقى التحية على هيفاء التي كانت تجلس قرب والدها، تقرأ وتدرس بعض الدروس .. لذلك لم تنتبه ولم تلتفت لتجيب القمر الذي استغرب تجاهل هيفاء له ..
قال الوالد :
- ما بك يا هيفاء ؟؟.. هاهو القمر بكل جماله وبهائه يمد يده ليصافحك .. يا الله ما أجمل القمر .. انظري إليه يا هيفاء .. ردي السلام يا حبيبتي .. سيحزن القمر حين تهملين رد السلام عليه ..
ابتسمت هيفاء وقالت :
- لا شك أن القمر جميل يا والدي .. لكن أريد أن أسألك ما الفائدة منه الآن ؟؟..
قال الوالد مستغربا :
-القمر يا ابنتي عنوان الليل .. عنوان الجمال والبهجة ، انظري كيف ينير السماء فتضحك النجوم وترقص حوله مزغردة .. هل هناك أجمل من القمر .. يا الله ما أحلاه ..
قالت هيفاء :
- لكن مع وجود الكهرباء لم نعد بحاجة إليه . هذه هي الحقيقة يا والدي ولن تتغير هذه الحقيقة لأن العلم في تطور مستمر ..
نظر الوالد إلى ابنته عاتبا مستاء .. أراد أن يقول لها أشياء كثيرة عن القمر وفوائده .. لكن قبل أن يفتح فمه كان القمر قد انسحب بهدوء آخذا نوره الفتان الجميل ، فأظلمت السماء ، وحزنت النجوم ، واصبح الجو مليئا بالكآبة .. ارتعشت هيفاء خوفا ورمت نفسها في حضن أبيها وقالت بصوت مليء بالخوف :
- ماذا جرى يا والدي ، أصبح الجو مخيفا ، كل شيء محاط بالظلمة.. قبل قليل كان كل شيء رائع الجمال فماذا جرى ؟؟..
ربت الوالد على كتف ابنته وقال :
- هل عرفت الآن قيمة القمر ؟؟!!..
قالت هيفاء :
- نعم يا والدي عرفت .. بالله عليك عد أيها القمر الحبيب .. أعترف أنني كنت مخطئة ، وأطلب أن تسامحني ..
قال الوالد :
- يبدو أن حزنه كبير لذلك لن يعود هذا المساء ..
قالت هيفاء :
- لكن القمر يحب الأطفال يا والدي .. وقد اعترفت بخطئي .. ألا تسمعني يا قمري الغالي ، بالله عليك عد ..
عندما سمع القمر صوت هيفاء ، وعرف أنها حزينة لغيابه ، عاد لينير كبد السماء من جديد ، وعادت النجوم لترقص وتغني بفرح ، قالت هيفاء :
- كم أنت جميل ورائع يا قمري العزيز ..
خاطبها القمر قائلا :
- اسمعي يا هيفاء ، كل شيء في الدنيا له فائدة ، الله سبحانه وتعالى لم يخلق شيئا إلا وله وظيفة يؤديها .. وأنا القمر يا هيفاء أما سمعت كم تغنى الشعراء بي ؟؟..
قالت هيفاء :
- أنت صديق رائع وجميل ومفيد .. سامحني يا صديقي ..
قال القمر :
- أنت صديقتي يا هيفاء ، وقد سامحتك منذ البداية .. وثقي أننا سنبقى أصدقاء أوفياء ..
ضحكت هيفاء وعادت لدروسها سعيدة مسرورة ..
تحليل للقصة القصيرة:
تعتبر القصة القصيرة من الفنون الأدبية الحديثة، التي تهدف إلى تقديم حدث معين ضمن فترة زمنية قصيرة، ومكان محدد، فهي تعبر عن موقف من مواقف الحياة، عبر حدث مركز، وببداية ووسط ونهاية؛ فالقصة من بين الأجناس الأدبية الحديثة التي ترتاح لها النفوس؛ يقول الأديب العالم الفيزيائي أحمد زكي " ليس ألذ في أحاديث الناس من قصّة، وليس أمتع فيما يقرأ الناس من قصة، والعقول قد تخمد من تعب، ويكاد يغلبها النوم، حتى إذا قلت قصّة ذهب النوم، واستيقظت العقول، وأرهفت الأذان ..."[1] وقد عرفت القصة القصيرة درجة عالية من النضج في العالم العربي على أيدي كتاب كبار؛ أمثال يوسف إدريس من مصر، وأحمد بوزفور، ومحمد زفزاف من المغرب، وزكرياء تامر من سوريا، وطلعت سقيرق من فلسطين.
وإذا كان «فن القصة القصيرة» ـ كما يرى جابر عصفور ـ فنا صعباً «لا يبرع فيه سوى الأكفاء من الكتاب القادرين علي اقتناص اللحظات العابرة قبل انزلاقها على أسطح الذاكرة، وتثبيتها للتأمل الذي يكشف عن كثافتها الشاعرية بقدر ما يكشف عن دلالاتها المشعة في أكثر من اتجاه"[1] فإن طلعت سقيرق من هؤلاء القصاصين الأكفاء، الذي تنوعت كتاباته بين الشعر والرواية والقصة، وكذا القصة القصيرة جدا، إضافة إلى النقد الأدبي؛ وقد خلف مجموعة من الأعمال التي تتوزع بين هذه الأجناس الأدبية السالفة الذكر من بينها:
? الخيمة: قصص قصيرة جدا 1987م؛
? السكين: قصص قصيرة جدا 1987م؛
? أشباح في ذاكرة غائمة ؛ رواية 1979م؛
? قمر على قيتارتي، شعر 1993م؛
? عشرون قمرا للوطن، دراسة، دار النمير، دمشق 1996م؛
وتعتبر قصة هيفاء وضوء القمر لطلعت سقيرق، ضمن مجموعته " هيفاء وضوء القمر" نصا قصصيا مشوقا موحيا بدلالات عميقة ومكثفة بأسلوب سردي بسيط، وبلغة بيانية تعتمد على السرد والوصف والحوار.
ولعل مايثير القارئ أو المتلقي في هذا النص القصصي؛ العنوان باعتباره عتبة رئيسة لكل عمل أدبي أو إبداعي يطوق إلى شد
القارئ وتملكه روحا وجسدا، قبل تصفحه، وقد جاء العنوان حاملا دلالة عميقة تسافر في مسالك التأويل ورحابته، " هيفاء وضوء القمر" يحمل دلالتين: الدلالة الأولى ظاهرية فاسم " هيفاء " اسم علم مؤنث معناه ضامرة البطن، و " ضوء القمر " نوره وضياءه. أما الدلالة الثانية فالعنوان يوحي بالأمل والانتصار، وبزوغ فجر جديد للأراضي الفلسطينية المحتلة...
إن القاص الفلسطيني " طلعت سقيرق " قدم لنا هذا النص القصصي مجزأ إلى ثلاثة أجزاء، وكل جزء يظهر بأحداث جديدة، وغير متوقعة؛ وذلك لإثارة المتلقي وشد انتباهه، وبالتالي خلخلة أفق توقعه فنجد في الجزء الأول: يبدأ القصة بـــ " ضحك القمر وألقى التحية على هيفاء التي كانت تجلس قرب والدها ..." فهنا أعطانا السارد إطارا عاما للقصة تدورها أحداثها في ليلة مقمرة؛ القمر فيها ضاحكا مستبشرا، ملقيا التحية على هيفاء، لكن سرعان ما ستتحول الأحداث من مجراها الهادئ إلى مجرى غير متزن، وهذا جلي حينما أدرك القمر تجاهل له ولم تلتفت إليه كي ترد التحية.
الجزء الثاني: فقد اختار له السارد خصيصة سردية وهي الحوار بين شخصين رئيسين: " الوالد " و " هيفاء "، وشخصية ثانوية وهي "القمر"؛ فالحوار تضمن استغراب الوالد من هيفاء وتصرفها تجاه القمر، وفي الوقت نفسه يريد أن يقنعها بجماله و ضيائه يقول: " هاهو القمر بكل جماله وبهائه يمدّ يده ليصافحك يا الله ما أجمل القمر، انظري إليه يا هيفاء، ردي السلام يا حبيبتي...سيحزن القمر حين تهملين ردّ السلام" فكلام الوالد يحمل بعدا اجتماعيا وإسلاميا يتجلى في المصافحة؛ فحين تصافح شخصا بيدك، فإنك في الوقت ذاته، تصافحه في قلبه فيشعر بك، وأما البعد الإسلامي فيظهر في ردّ السلام، فالمسلم هو الذي يلقي السلام ويردّه، أرأيت يوما صهيونيا يلقي السلام على فلسطين وأحجارها وأبريائها...؟ طبعا سيكون الجواب بألف لا.
الجزء الثالث: يبدأ حينما قابلت هيفاء كلام والدها بابتسامة مرفوقة بسؤال قائلة لأبيها: " أريد أن أسألك ما الفائدة من القمر؟ وكأنما تريد أن تقول ما جدوى تلك المفاوضات التي تدعو إلى السلام، وفلسطين تحترق ليل نهار. سيجيبها والدها " القمر يا ابنتي عنوان الليل، عنوان الجمال، والبهجة انظري كيف ينير السماء فتضحك النجوم وترقص حوله مزغردة ...هل هناك أجمل من القمر يا الله ما أحلاه" فمهما اشدت أزمت فلسطين والتوت الحبال على عنقها سيتنفس في حلكتها وسواد ليلها قمر منير وصبح قريب ويرفع علم السلام ويضحك الفلسطينيون ويرقصون فرحا بانتصارهم، إن نصر الله قريب.
قاطعته هيفاء قائلة" لكن مع وجود الكهرباء لم نعد بحاجة إليه هذه هي الحقيقة يا والدي ولن تتغير هذه الحقيقة"، فالحروب التي يخوضها الصهاينة داخل الأراضي الفلسطينية كهربت الإنسان والشجر والحجر، وهذه حقيقة لن ينساها التاريخ مهما تراكمت السنون.
لم يتحمل الأب كلام ابنته، فنظر إليها والاستياء يغلف وجهه " أراد أن يقول لها أشياء كثيرة عن القمر وفوائده...لكن قبل أن يفتح فمه كان القمر قد انسحب بهدوء وأخذ نوره الفتان الجميل؛ فأظلمت السماء وحزنت النجوم، وأصبح الجو مليئا بالكآبة" فالقمر لم ينتظر ما سيقوله الوالد لابنته، وإنما انسحب وأفل في هدوء، حاملا معه نوره الطبعي، وتاركا سواد الليل وظلمته، لتغدو النجوم حزينة كئيبة، وهنا ستدرك هيفاء قيمة القمر وقدره حينما " ارتعشت خوفا ورمت بنفسها في حضن أبيها وقالت بصوت مليء بالخوف: ماذا جرى يا والدي أصبح الجو مخيفا كل شيء محاط بالظلمة " فالأشياء لا ندرك قيمتها إلا عند فقدانها ذلك هو حال الإنسانية جمعاء، وحال الدول العربية على وجه الخصوص... لا تعرف قدر وقيمة رجالها حتى يضمهم التراب؛ فيقولون يا ليتنا كنا لهم صاغين، ومتعضين بكلامهم ...لكن هيهات هيهات.
فقيمة القمر عند هيفاء لم تعرف حقيقته حتى غاب عن أنظارها وملكها الرعب، حينها ستلتمس العذر منه، وستقول : " بالله عليك عد أيها القمر ... أعترف أنني مخطئة وأطلب أن تسامحني ..." ولعل الجميل في قول هيفاء اعترافها بالخطأ، وقيمة الاعتراف لا يفقهها إلا العظماء في زمن تردّت القيم، وانحطت فيه الأخلاق. فالقمر سيعود لكن في الليلة المقبلة، خلاف الإنسان إذا خطفته المنية، فلن يعود ولن يعود.
فالشهداء الفلسطينيون لن يعودوا، حتى وإن عاد السلام، إلى الأراضي الفلسطينية؛ سيعود حزينا مرّا؛ لأن نجومه قد غابوا وأفلوا في هدوء دون استسلام " فبعدما سمع القمر صوت هيفاء وعرف أنها حزينة لغيابه عاد لينير كبد السماء من جديد وعادت النجوم لترقص وتغني بفرح" ها هو القمر يعود وفي جبته نور وضياء للكون جميعا، فسماء فلسطين غدت مظلمة؛ غيومها سوداء لا تمطر مطرا، بل رصاصا، وكم تشتاق هذه السماء إلى قمر يغسل دموع الفلسطينيين، ويشفي غليلهم من بني صهيون، فالقمر والليل في صراع دائم، كما السلام والحرب ...لكن القمر والسلام لا يفترقان، فالانتصار حليفهما.
و بعد غياب لم يدم طويلا عاد القمر ملبيا نداء هيفاء ومعه نوره وضياءه مخاطبا هيفاء بكلام لطيف " اسمعي يا هيفاء، كل شيء في الدنيا له فائدة؛ الله سبحانه وتعالى لم يخلق شيئا، إلا وله وظيفة يؤديها، وأنا القمر يا هيفاء أما سمعت كم تغنى الشعراء بي؟؟ إن كل شيء في هذه الحياة الدنيا إلا وله وظيفة يؤديها، فالقمر في قلبه نور وضياء، وسلم وسلام، فهو الانتصار الكبير على قيم الشر والعدوانية، فمهما أفل هذا الضياء في أرض فلسطين، فسيبزغ طال الزمان أو قصر.
الرؤية السردية
لقد وظف السارد طلعت سقيرق في قصته " هيفاء وضوء القمر" الرؤية من خلف، فالسارد عارف عن الشخصية أكثر مما تعرفه عن نفسها، ويعرف كل أسراره، بل ويعرف كل رغباتها النفسية والادراكية الواعية، وقد ثم حكي هذه الأحداث بضمير الغائب المتجلي في " ضحك القمر " و " ألقى التحية " و " تقرأ دروسها " ...
الشخوص
تتضمن قصة هيفاء وضوء القمر شخوصا متمثلة في:
› الوالد: أب الطفلة / حنون / ...
› هيفاء: تلميذة / تعترف بذنبها تقول: " أعترف أني كنت مخطئة وأطلب أن تسامحني/ تخاف من الظلام...
› القمر: شخصية ثانوية غير أدمية، استنطقها الحوار في القصة يتميز بالنور والضياء..
الزمن
تدور أحداث القصة في الزمن الماضي، وذلك جلي من الأفعال التي استخدمها السارد من قبيل: " ضحك القمر " و " ابتسمت " و " ارتعشت هيفاء خوفا " و " رمت بنفسها " ...
المكان
لقد حدد السارد المكان في القصة منذ البداية وهو المنزل باعتباره المكان الحاضن لكل شخوص القصة ( الوالد/ هيفاء/ القمر...)
خلاصة
نستشف من خلال تحليلنا لقصة " هيفاء وضوء القمر " لطلعت سقيرق الفلسطيني أنها استوفت لجميع معايير وشروط القصة من شخوص وزمان ومكان، كما أنه استعمل لغة شعرية بيانية تعتمد المجاز والحوار، وحاملة لمجموعة من التأويلات والقراءات التي تتعدد بتعدد القراء. فالقصة بؤرة لعدد من القيم والرسائل الضمنية التي تحتاج عقل راجح مؤول كي ينفذ إلى أعماق معانيها، ويستخرج ما تؤول إليه هذه القصة، فهي تناقش واقعا اجتماعيا في أراضي فلسطين المغتصبة، والتي تنتظر هذا القمر البازغ كي يبزغ في أرضها، ويطرد الليل الأسود المحتل الذي استوطنها ألاف السنين وكهرب الأحجار والأشجار والركع السجود...
|
|
|
|