يوميات مدرس : المدرسة
[align=justify]يوميات مدرس : المدرسة
اشتكى لي أحد أقربائي نفور ابنه من المدرسة ولما يبدأ الموسم الدراسي .. كان أول عهد له بالابتدائي . بدا لي الأب حائرا وهو يرى البهجة على وجوه أغلبية الأطفال ولهفتهم في الالتحاق بالمدرسة واقتناء الأدوات الزاهية الألوان التي تعج بها المكتبات ، بينما تزداد هستيريا الطفل كلما ذكرت له المدرسة تلميحا أو تصريحا . أحسست أن شكواه لي رجاء بمساعدته على إيجاد حل لهذه المعضلة .
لم أجد عناء في معرفة سبب هذا النفور . واستطعت ببضع أسئلة أن أعرف أن الجو الذي عاشه في الروض وما لقيه من تأنيب وصرامة جعله يكره كل ما يمت إلى المدرسة بصلة ويتخيلها كغول يوشك أن يبتلعه . لكني لم أشأ الخوض في الحديث عمن تسبب في ذلك ، لأني دائما أعتبر ذلك من باب الغيبة في حق زميل أو زميلة لي فلم أدع للأب فرصة الاستمرار في الحديث مبينا له أن الأهم هو البحث عن حل لمشكلة ابنه مع المدرسة .
اقترح علي الرجل أن تصحب الأم الولد لبضعة أيام إلى القسم فوجدت ذلك حلا مؤقتا قد يأتي بنتائج عكسية فيما لو تعود الصبي على رفقة أمه . ثم راودتني فكرة تحمس لها الأب كثيرا واتفقنا على تنفيذها فورا .
صحبه يوما إلى المدرسة التي أعمل فيها في وقت الاستراحة كما اتفقنا .. وتعمدت أن أتبادل وإياه الحديث في الساحة والصغار يلهون وقد علت ضحكاتهم . تأملهم الصبي باهتمام ولاحت في عينيه رغبة دفينة في الالتحاق بهم ، لكن خشيته من ولوج القسم بعد انتهاء فترة الاستراحة منعته من البوح بتلك الرغبة .
وكما كان مخططا له ، ناديت تلميذا يحمل كرة وقلت :
- قل لزملائك يستعدوا للدخول إلى القسم .. سنقيم حفلة ونأكل الحلويات ونغني .
- حاضر أستاذ .
كان هذا كافيا لأن يتطلع الصغير إلى أبيه وفي عينيه توسل ورجاء . ابتسمت له وانحنيت عليه برقة :
- هل تحب أن تشاركنا ؟
فأجاب بعد تردد وهو ينظر من جديد إلى والده :
- نعم .
ابتسم له الأب وقال :
- حسنا .. تستطيع الذهاب .. لكن لدي عمل .. سأقضيه وأعود لاصطحابك إلى البيت .. هيا اشكر السيد الأستاذ .
تكررت زيارات الصبي إلى القسم طيلة أسبوع وهو منغمس في اللهو والنشاط دون أن يشعر أن الدروس قد بدأت فعلا .
التقيت بعد شهر بقريبي الذي استقبلني بابتسامة عريضة قائلا :
- بارك الله فيك .. كانت فكرة رائعة .. الصبي تغير تماما .. صارت المدرسة شغله الشاغل ..
ثم قهقه عاليا وتابع :
- على فكرة .. صار ذكر اسمك على لسانه أكثر من ذكرنا نحن أبويه ."[/align]
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|