بـمن تـزوّجـت زيـنـب ؟ ! ! !
بـمن تـزوّجـت زيـنـب ؟ ! ! ! .
أخــيرا تـحـصّل على الشّهادة التـي حـوّلت الـحلم نصف حـقيقة ..! يعـود إلى القرية بـعد أربع سنوات من الدّراسـة الـجامعيّة … إلى رحم الأسرة التي طـالـما عبثــت بشـراعـها أعـاصيـر الـحاجة و أمـواج الفـقر ، يعـود و ما فـي يده البيضـاء غيـر رائحـة عـطر قـديـم يـفـوح !..
أخذتـه نشـوة الـلّقاء ، راح يتـأمل جـدران الـبيت ، يـحدّق فـي كلّ الأشيـاء بنور خافت ملؤه الصّـبابة ، يلمسـها ، يتحسّـسها بأنامـله ليجدها كما هـي ، حتـّى الصّخرة التـي اعـتـاد الـحديث إليـها لا تـزال مطـلّة على شـباب الـقريـة ، تداعـب دفء الـكوخ … مسـاءهـا تـقدّم نـحوها بـخـطى مسـرعـة لـتحتـضنـه و يسـتـعـيد شـريـط الذكريـات .
يعانـق الـطّـفـولة بـين الأريـج و أشـجـار الـصّـفـصاف و صـوت العصافـيـر و لـحن الـسّواقي ... الـقريـة لـم تـتـغيّـر ، بـل مازالت تلـبـس ثـوب الفـضيـلة الـمطرّز بعـاداتـها و تـقاليـدهـا الـبريـئة بعيـدة عـن مـوضـة الـعصـر و زيـف الـمدينـة ، مـسـتـقرّة فـي مـحراب الـبساطـة على رداء الـطّبـيعـة السّاحرة .
استـفاق فجـأة على زغـاريد تنـبعـث في هـذا الفـضاء الرّحـب ، يغازلـهـا نسيـم يـدندنه ريـق الـشّـجر الـمنسكب علـى أهـداب الـزّهر الـمترنّح على ضـفّة الأفـق الباسـم ، استرقّـها سـمـعه ، لكنـه سرعان ما طـلّق الابتسامة و الطّـفولة ليبحـر صـوب بّـوابـة الاغـتـراب بعـد أن ضـاقـت من الـكـلام الـموالـج و صـعبـت منه الـمخـارج ولا أقـلّ لـلذّكرى من أن تكـابـد دفاتـر الأيّـام !.
« إنّـك ستـذهب معنا يا أحمـد ! الـيوم ستزفّ - زينـب - ابنـة عمّـك » …
قالتـها و مضـت ، مضى بدوره يـمزّق شرنـقة القرية ، ساقـته الزّغاريد إلى لوح السّراب ليـرسم حـفل زفـافه ، جـمالـهـا كجـمال الـوردة الـنّاظرة ، لو اجتـمع الشّعراء من حولـها ما أنصفوها جـمعت بيـن الأنوثة و آي الـملاحـة ، " أسـماء " يغـازلـها ضـوء النـّهـار ، تربتـه .. بـنت قـريتـه … رفـيـقـة دراستـه منـذ البـدء جـمعـهما الـحرف و هـمس الـيـراع فـي أذن الأوراق فـتبادلا حبـّا بـحـبّ ، لكـنّ إشـراقـة الـهوى بـدّدهـــا ضبـاب الـميول الـذي أبدتـه " أسـمـاء " لأستـاذهـا ، ذاك هـو ابن الـمدينـة الـمميّز بـربطة الـعنـق و تسريـحـة الشّـعر و حقـيـبـة الأوراق …
« ما بالـها استـسلمت للمظاهر الـخدّاعة ؟! و كيف يتـعلّـق الأستـاذ بتلميـذته ؟ !!…»
.
أسئلة ردّدهـا فـي نفسـه قائـلا : -
« الـشّمس لا يـحجـبها الـغربال !…» .
نتـائج الامتـحان النّهـائي أيضا لـم تـحـجب طويـلا ، شـاهدها مرصـّعة بتـاج البـياض تزّف لـفارسها الذي اخـتار عفـتـها قبل أن يـختار جـمالـها ! … فرّت منـه فرحة النّـجاح في الامتـحان و سقطت دموعه لتموت فوق بيـاض رسائلها الـمزيّفة … ليلتـها كـان القمر واقـفا على قـمّة الـجبـل الـشّامخ و الظّلمة تلبسها كدادة الشّفـق الـمتناثر … رفض التّوظيـف في قريتـه و رحل مكسور الـخاطر مع أوّل شـعاع من نور الصّـباح ، طـارقا أبواب الـجامعة ، تاركا وراءه أسرة رهينة الفقر و جرحا يغمد فيه سيـف الـزّمـن .
تـميّز عن غـيره كـعادته لا تكـاد تـراه يتـحدّث مستـصرخا إلاّ أثنـاء الـمناقشة للمــواضيع الـحسّاسة …
- قلـت لـك : - « هـذا خطـأ !…» .
« ليس المقصود ذاك يـا دكتـور ، طريقـة الـتّدريس مرتبطة بشخصيّـة الأستـاذ طبعـا »
يؤيّـد ما توصّـلت إلـيه الـعلوم الـحديثة ، لكنه في قراره نـفسه لا يعترف بذلك مـقرّا…
« إنّ الذي يـحبّ لا بدّ أن يكون أستـاذا !… ».
و يتـيـه في جـرد الـتّماثيل الـبشريّة و عرض الـطبّيعة الـمتنكّرة ، ينظر إليهنّ نظرة احـتـقار و قد تستّـرن بقناع الـمساحيـق ، فيـهن حـثالة الـغرب ، لـبسن الـحضارة بالـمقلوب ، مارسن الـحريّة بالانسلاخ من الـفضيلة و طـقوس الـزّواج عـندهنّ صفـقة تـجـاريّـة .
« قريبا سأؤدبكن يا مـتشدّقـات … » .
يـمقت تلك السّـلوكات و ينبـذها خاصّـة و أنـّها لا تـمتّ لـلأستاذيّـة بشـيء من الـصّلة و لـم يعهدها فلسـفة في قـاموس الـمتخّلقـين .
لـحظتها ربّـتـت على كـتـفـه تـخاطبه : -
« أحـمـد … أحـمد … سنـذهب الآن يا ولدي! » .
الـتـفت إليـها بشيء من الانــكسار ثم قال : -
« بـمن تزوّجـت زينـب ؟! ! ! ».
تـمّــت القصّـة
ملاحظة
---------------
- أحداث القصة وقعت سنة 1990-1991
-الأسماء مستعارة.
نشرت القصة بالجريدة الوطنية الجزائرية « النصر » يوم السبت 07 سبتمبر 1993
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|