23 / 01 / 2019, 40 : 11 PM
|
رقم المشاركة : [5]
|
بكالوريوس آداب - شاعر - كاتب وباحث
|
رد: فضاءات اورهان باموق
في البدء أود اشكر الأستاذة عروبة على الفرصة الطيبة لقراءة هذا النص الروائي الممتع وتداخل احداثه يجعل القارئ يمضي بالقراءة حتى النهاية دون توقف ، فقد بدأت اقرا الرواية وبتلقائية شعرت أن عليَّ متابعة القراءة الى النهاية ، رواية هي أقرب الى التوثيق منها الى الخيال ، تروي حياة مدينة ثلجية وما خلف أسوار بيوتها واسرارها ، كانت القراءة ممتعة ومذهلة في بعض الأحيان حيث تجعل القارئ يستشعر الأجواء بتفاصيلها التي لا يذكرها الكاتب . فالرواية سرد موثق وواقعي لحياة مجتمع يعيش صراعات من جوانب عدة دينية اجتماعية واقتصادية وسياسية ربما لم تكن هي بذاتها ما جاء لأجلها الكاتب ولكنه رأى أن تلك الصراعات الخفية تستحق الكتابة . تتحدث الرواية عن اشياء أبرزها (انتحار الفتيات) ، الانتحار هو في ما يمكن أن نسميه (الموت اختيارا) هي ان يصل الانسان الى مرحلة من اليأس لا يجد معها فسحة للحل فينهي حياته لانه يعتقد ان وجوده اصبح غير مبرر ، أما أبرز اسباب حالات الانتحار فتتلخص في :
الفقر والبطالة احدى افرازات السياسات الاقتصادية الفاشلة في مجتمعاتنا.
اجبار الفتيات الصغار على الزواج من رجال مسنين دون رغبة .
ضعف العلاقة الاجتماعية وقساوة التعامل مع الابناء .
عدم استجابة الزوج لمتطلبات العائلة والزوجة بسبب الفقر .
ضعف اجراءات الدولة في الحد من هذه المشكلات وعدم معالجتها ووضع البرامج الخاصة للقضاء عليها وعلى الامراض الاجتماعية الأخرى ، وربما هذا حال الكثير من بلدان الشرق الاوسط وآسيا وافريقيا .
ضعف الايمان بالله وبقضائه وقدره .
الضغوط الاجتماعية وضعف العلاقة بين الاسرة فيما بينها .
تعارض بعض قوانين الدول الاسلامية مع الدين .
الفساد الاداري الذي ينتشر في المؤسسات الحكومية .
وعموما فإن السبب الرئيسي لحالة الفقر في مدينة قارص هو التنازع والصراع المستمر بين تركيا وبين ارمينيا عليها، فضلا عن التنوع العرقي والقومي فيها ، ثم إنّ الصراع المتولد من التعارض الشديد بين مبادئ الاسلام وبين الأفكار العلمانية (التي زرعها اتاتورك في تركيا على انقاض الامبراطورية العثمانية)، بشكل لا يمكن تطبيقهما معا في بلد اسلامي ، الا وتتولد مع التطبيق مشكلات من الصعوبة حلها . تلك العلمانية التي لا تتورع عن توجيه النقد حتى الى حضرة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم كما فعل مذيع قناة تلفزيونية صغيرة في تركيا متحديا بشكل سافر المجتمع الاسلامي كله ، فالمسلم عليه ان يأخذ القرآن كله لا أن يجتزئ ما يفيده متى ما أراد ، فذلك تطبيق مبتور لأحكام الدين . وتركيا عموما وقعت في فخ هذا الصراع من جهة كونها دولة اسلامية ومن جهة كونها ترغب بالانتماء للاتحاد الاوربي الذي لا يقبل في عضويته اية دولة ما لم تلتزم بشروط تتناغم مع توجهاته الفكرية على كل الصعد ، وتركيا قد خسرت السبيلين – كما يرى المحللون - بسبب التجاذب بين الرغبة في الانتماء للاتحاد الاوربي وبين الشد الداخلي للالتزام بالدين والاسلام وتطبيقاته . وبالتالي هناك شد وتجاذب بين الدولة وتوجهاتها من جهة وبين المجتمع ورغبته في الحفاظ على هويته من جهة أخرى !
بل ان تركيا كدولة التي ترفع على استحياء راية الاسلام ، هي تعمل بالخفاء على نشر الثقافة العلمانية من خلال قنواتها الاعلامية أو مراكزها الثقافية ، فمسرحية (إما الوطن وإما الإشارب) مثال حيّ لهذا التناقض الفكري ، فالعلمانية يتم تسويقها باسم التنوير والمدنية مقابل الرجعية التي يمثلها المتدينون الملتحون ، تلك العلمانية التي يريدها العسكر وزاد أنصارها بعد انقلاب 1980 العسكري والمدعومة من الجهاز الامني والمخابراتي .
فالكاتب وهو يوثق لتلك اللحظات والانفعالات التي تتخلل المجتمع الاسلامي والتي تخالف كثيرا تعاليم الاسلام ومبادئه ، وبذا فهو يميل الى ابراز حالة القلق والارباك في المجتمع الاسلامي بما يدعم النظرة السائدة لدى البعض للتمدن على الطريقة الغربية . والكاتب في إيمائة ذكية لا تخلو من محاولات ترسيخ فكرة الانتحار في هذا المجتمع مع انه في الظاهر جاء ليعالجها ، كما يقول على لسان احدى النساء المقبلات على الانتحار في مشهد مسرحي ( أمرنا الله في سورة النساء بألا نقتل أنفسنا ، ولكن هذا لا يعني بأن الله القادر على كل شيء لن يغفر لأولئك الفتيات الشابات ويرسلهن الى جهنم).
وكالعادة فان مشاكلنا الداخلية لا تحل الا اذا افتضحت وتم تسليط الضوء عليها من الخارج ، والموضوع كله يعتبر وجبة شهيّة لصحافة تبحث دائما عن المتناقضات وما خلف الكواليس ، فما موجود في المجتمعات الغربية من التناقضات ربما اكثر مما هي في مجتمعاتنا ولكنهم يمتلكون وسائل التأثير الاعلامي التي تفتقر لها مجتمعاتنا .
مع كل الود والتقدير
|
|
|
|