عرض مشاركة واحدة
قديم 20 / 03 / 2019, 26 : 03 AM   رقم المشاركة : [6]
خولة السعيد
مشرفة / ماستر أدب عربي. أستادة لغة عربية / مهتمة بالنص الأدبي


 الصورة الرمزية خولة السعيد
 





خولة السعيد will become famous soon enough

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: المغرب

رد: أين أنت أيها القارئ الناقد ؟

هي بسمة تثيرها القصيدة، هي حزن على نكبة عربية دامت زمنا؛ هي القدس صرخة الشعراء العرب؛ هي صرخات انبهار بشعراء فلسطين من متذوقي الشعر إحساسا بالشاعر و حبا للشعر، فالعرب يتقاسمون حب الشعر كما يتقاسمون بل يتشاركون حب القدس/ فلسطين، فلم لا نتقاسم بنور الأدب صوت " طلعت سقيرق" العذب؛ وهو يقول: " رمح وردة في باطن الكف " شاكرين الدكتورة " رجاء بنحيدا" التي لمتنا على نص " طلعت سقيرق" حتى نتأمله و نتذوقه، و نعلن مشاركتنا له في حب القدس..
بداية النص جعلت مجموعة من النصوص الشعرية تتبادر إلى ذهني فأتصور أصحابها أمامي، بل أوقفت قدامي " فيروز" وهي تغني " زهرة المدائن" ، فإن كانت القدس باعتبار طلعت سقيرق رمح وردة؛ فهي عند الأخوان الرحباني و فيروز زهرة المدائن..
الشاعر الفلسطيني " سقيرق" بهذه القصيدة يخاطب القدس رمز فلسطين.. القدس سيدة الأرض كم قال "محمود درويش".. القدس مكان قدسه المسلم وغير المسلم؛ قدسه من عرفه رؤية أو سمعا... القدس يخاطبها شاعرنا كأنه يتحدث إلى حبيبته فتذكرنا القصيدة بمخاطبة السوري " نزار قباني" لها حين قال:
بكيت.. حتى انتهت الدموع
صليت.. حتى ذابت الشموع
سألت عن محمد فيك وعن يسوع
يا قدس..يا مدينة تفوح أنبياء
يا طفلة جميلة محروقة الأصابع
يا قدس يا جميلة تلتف بالسواد
يا دمعة كبيرة تجول في الأجفان
أما طلعت فيخاطبها مخبرا إيانا بحزنه ووجعه وألمه نتيجة العلاقة الحميمية التي تربطه بها، فيبين حزنه العميق الذي أثر على نفسيته مخلفا أثر مخالبه من الجروح؛ حيث وظف دلالة على ذلك جملة من الألفاظ التي توحي بهذا الولع المسبب للشجن (جرح/أنات/ دمع/آهات/ حبك صعب...) بالإضافة إلى حرق الأحلام و الضياع... ومع كل هذا ظل شاعرنا كما قال سميح القاسم:
منتصب القامة أمشي
مرفوع الهامة أمشي
إذ رفض طلعت أن يحني رأسه أو أن رأسه أبى الانحناء، ففي كل مرة يتساءل: " هل تنحني رأسي؟" ولا تنحني.. لكنه فجأة يتعجب من عدد انحناء رأسه مستعملا هذه المرة ضمير الغائب إذ يقول: " كم ينحني رأسي" .ثم يشير إلى أن الخريف مهما طال فسينقضي ليأتي ربيع لا ينقضي، آملا عودة الغائبين؛ عودة مغادري القدس، عودة المنفيين وهم في شوق ليحضنوا تراب القدس، ويكتبوا لها حبهم بنور الشمس المشرقة بعد المغيب، ليجد بعد ذلك أن هذا مجرد أحلام مجنونة.. فهل هي فعلا كذلك؟
متى تبصر القدس العتيقة مرة فسوف تراها العين حيث تديرها
هكذا كما ذكر تميم البرغوتي يرى الشعراء القدس بكل مكان.
شاعرنا سقيرق أيضا يرى القدس أينما ولى وجهه فيخاطبها و يحكي لها و يخبرها بحبه تارة: سأذهب في باحة البحرنحوك كي أستريح .. سيزول ليل القادمين من البعيد و يرحلون.. سيزول وقتهم المبدد/ و يأمرها تارة: فكي قيدي / ثم ينهاها تارة أخرى : لا تشربي.
إن وجع الشاعر يشاركه فيه عدد من الشعراء كما سبقت الإشارة فنذكر مثلا " محمود درويش" حين قال:
في القدس؛ أعني داخل السور القديم
أسير من زمن إلى زمن بلا ذكرى تصوبني..
أمشي كأني واحد غيري
وجرحي وردة بيضاء إنجيلية.
و نحن نتأمل حب القدس من طلعت نجده فجأة ينتقل إلى حب مدينته حيفا موظفا ألفاظا مزهرة دالة على الطبيعة " قمر/ مطر" مضفية إيحاءات النور و الغيث، ومع ذلك تظل مجرد ذكريات تجمعها الصور " ىفي عمرنا صور"
ثم يعود لذكر القدس، و يعود لتكرار اللازمة:
القدس في قلبي
القدس في بابي
للقدس أغنيتي
عيناي.. أهدابي
فتغيب الشمس وتذوب آمانيه، بل حتى القمر يغيب، و لا تبقى إلا القدس على بابه فنجده هنا في موقف شبيه بتميم البرغوتي إذ كان يبكي القدس فأجابته بسمة فجأة بلسان قلمه قائلة:
لا تبك عينك أيها المنسي من متن الكتاب
لا تبك عينك أيها العربي
واعلم أنه في القدس من في القدس
لكن.. لا أرى في القدس إلا أنت
إن طلعت سقيرق بقصيدته هذه قد وظف تفعيلات مختلفة باختلاف مشاعره و أحاسيسه. إحساس الحب، إحساس الوجع..وهما ثنائيتان يمكن أن يجتمعا في قلب واحد فيسببا ما يسببا من هيجان المشاعر... وبذلك تهيج القصيدة معنى و وزنا، ويصور هذا الهيجان بأساليب إنشائية ( أمر : فكي/ استفهام: من أعطاك الحق بشنقي؟... /تعجب: كم ينحني رأسي/ نهي: لا تشربي من جمرة الأيام من صمتي/ نداء: يا حرقة الغياب....) و صور فنية ( تشبيه: قلبي زجاج.../ استعارة: حتى الخواتم لا تنام........) إن شاعرنا وظف ضميري المتكلم و المخاطب بكثرة في النص منشئا أحيانا حوارات كأنه يسرد لنا حكاية حب تاريخي سرمدي عظيم حتى وصل لتاريخ قديم قديم يذكر بأسماء القدس الأولى:
سميتها يبوس
سميتها أورسالم
بالإضافة إلى تكرار الضمائر تتكرر جملة من الألفاظ و العبارات و الأصوات خاصة المدود التي توحي بامتداد الحب؛ بامتداد الوجع؛ بامتداد الحلم و الأماني..........
و تمتد دلالات القصيدة وتمتد معانيها لكني أطلت كثيرا و مازال في جعبة البحر ما يمكن اصطياده...على أمل ألا تكون كلماتي ثقلا على القارئ.
تحياتي[/color]
خولة السعيد غير متصل   رد مع اقتباس