عرض مشاركة واحدة
قديم 29 / 07 / 2019, 41 : 12 AM   رقم المشاركة : [263]
رشيد الميموني
أديب وقاص ومترجم أدبي ويعمل في هيئة التدريس -عضو الهيئة الإدارية / مشرف عام على المنتديات والأقسام / نائب رئيس رابطة نور الأدب


 الصورة الرمزية رشيد الميموني
 





رشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond repute

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: المغرب

رد: عش رشيد الميموني الدافئ

[align=justify]لا أذكر إن كان هذا الحلم لا زال مستمرا إلى هذه اللحظة وأنا أرقب الوادي منتشيا بذكر تواجدي مع تلك الفتاة الغامضة والساحرة في آن واحد .. لكن الذي لا أذكره هو كيف ومتى غادرت المكان . ولا أدري إن كنا قد ضربنا موعدا للقاء آخر أم أنني ملزم بالانتظار مرة أخرى .. ربما أياما أو أسابيع أو أكثر . ما أطول الانتظار ، ولكن ما أحلاه حين يطبعه الأمل ، وما أقساه حين يشوبه اليأس المطلق . هل سيتطرق إلى نفسي الملل من كثرة الانتظار المتكرر أم أن تعودي على ذلك سيجعلني أعاند وأكابر ؟
عدت إلى عشي أتعهده من جديد بالعناية وألازم أشيائي متفقدا أحوالها ثم صرت أقضي أياما في التمشي على ضفة النهر الكبير قبل أن أعود صاعدا المرتفع وقد أخذ مني التعب مأخذه وأخلد إلى النوم منتشيا بأصوات الصراصير ونقيق الضفادع . ومن حولي غفت أشيائي دون أن تغفل عني وكأني بها أعينا نائمة وأعينا علي تحرسني .
ويطول الانتظار وتمر الأيام رتيبة لا يتخللها أي جديد . وأواظب بكل همة على الاعتناء بعشي وكأنني أريد ان أبعد عنه الإحساس بإمكانية مغادرته وهجره . وحين أنتهي من تشذيب الأغصان وقص بعض الأعشاب الطفيلية النامية بالممر المؤدي إلى العش أطلق العنان لخطواتي وأستسلم لها فأجد نفسي وقد ابتعدت كثيرا عن القرية .
اليوم ، غادرت العش مبكرا بعد الفطور ، وانتهى بي المسير إلى حافة الجرف المطل على الوادي وقد ترامت على ضفة النهر حقول وتناثرت دور ، بينما غذت الأشجار الضفة الأخرى . ومن فوقي تهادى نسر مفردا جناحيه في استعراض بهي للقوة ، فترك ذلك صدى في نفسي التواقة للانطلاق والتحرر من كل ما يحبسني أو يجثم على صدري من قنوط ويأس . هي لحظات تأمل تجعلني أراجع نفسي واسترجع كل ما مر بي مذ وضعت اللبنة الأولى لعشي زما تلا ذلك من ظهور الغادة واختفائها ، وبزوغ حليمة ثم فراقها ، وأخير مجيء دنيا وهروبها المفاجئ . لا أدري لم سكنتني فكرة الهروب هذه . الأن تجربتي مع الغادة وحليمة دعلتني أحس أنني مسؤول عن فراقهما ؟ وأن أية أنثى لن تتحمل أنانيتي ؟.. هل أقر الأن بهذا الأنانية أم سأظل متمسكا بعجرفتي وكبريائي ، بل وبغروري ؟
حين أنظر أشيائي أجدا تتأملني في صمت وكأنها تتفاعل مع أحاسيسي وكل ما يعتري بداخلي أو يبدو على قسمات وجهي . فالنهر لا يفتأ مبتسما ثغره حتى وأنا متجهم أقف على ضفته ، والغدير حالم النظرات رغم رميي للحصى بانفعال على مياهه الآسنة ، والصخر مشرعة أذرعها لاحتضاني في أية لحظة رغم ابتعادي اللا إرادي عنها . ومع كل هذا الحب الذي يتأجج في حنايا أشيائي فإني أحس أني وحيد ووخز الضمير لا يفتأ يعذبني حين تتمثل لي وجوه كل الإناث اللواتي ملأن علي حياتي . ربما هي أنثى واحدة كما أحس دوما في قرارة نفسي .
ينصب اهتمامي على دنيا وظهورها المفاجئ ، غموضها يحيرني بينما أعر بالحنين إلى عفويتها وتلميحاتها التي غذت يقيني من أنها نسخة من الغادة ومن حليمة وجزء لا يتجزأ منهما . آه لو تظهر لحظة فقط وأصارحها بشكوكي لأرى ردة فعلها . لكن أين هي الآن ؟ وأين من عيني تلك النظرة الثاقبة الحالمة في آن واحد ؟ أتكون أقرب مني من جبل الوريد في هذه اللحظة وتحوم حولي دون أن أدري ؟ .. لا أعتقد . لو كان الأمر كذلك لتنبهت أشيائي ولأخبرتني فورا .. كنت سأستشف حضورها في حركة أشيائي التي تعودت عليها كلما جد جديد . أتكون أبعد عني لا يطالها حتى الخيال ؟
دنيا هذه قصيدة شعر اختزلت ما همست به القوافي للغادة ، وما وما باحت به الأبيات لحليمة . بل هي الشعر نفسه . تتناثر أبياته في صمت لذيذ . في نظرتها شعر ، وفي بسمتها قوافي وفي سهومها كل بحور الشعر . كل شيء ينطق حولي شعرا حتى وهي غائبة . ربما كان هذا من بقايا عبقها . وحده الكهف بقي واجما إذ لم أعد ألجه أو أمر به إلا لماما ، وأكتفي بالوقوف على حافة الجرف المشرف عليه . أتراه يحفي عني شيئا أم انه مستاء فقط من إهمالي وهجري له ؟ .. أبتسم رغما عني وأنا احس بالغيرة لمجرد تخيلي أن دنيا لاذت به بعيدة عن عيني ، متتبعة لحركاتي . هل بلغت لهفتي لرؤيتها إلى درجة تخيلها هناك أم هي أمنية دفينة جعلت خيالي يسرح كعادته دون أي رادع يكبح جماحه ؟
وجدت نفسي أنحدر بلا وعي نحو الكهف موغلا بين عروش الدفلى المتشابكة وقد تناثرت زهراتها الوردية هنا وهناك ، ثم وقفت أتأمل فوهة الكهف وكأن ألتمس ترضيته عله يمسح الوجوم الذي علا سحنته وأنا مقبل عليه .
[/align]
رشيد الميموني غير متصل   رد مع اقتباس