الأعلام الفلسطينيون في الموسوعة الفلسطينية
أحمد بن طرباي الحارثي
( 979 – 1057 هج ) ( 1571 – 1647 م )
سيد اللجون من أرض فلسطين الشمالية خلال نصف قرن تقريباً ( 1010 – 1057 هج ) ( 1601 – 1647 م ) وأمير من أسرة طرباي الحارثية السنبسية التي ينتهي نسبها إلى طي وقد استقرت هذه الأسرة في العهد المملوكي في منطقة جنين – صفد وحين فتح العثمانيون بلاد الشام أظهرت هذه الأسرة الولاء لهم , فاعترف السلطان سليم الأول بسلطة أميرهم وعينه حاكماً على صفد .
ورث أحمد الإمارة عن أبيه طرباي بن علي الذي تولى حكم سنجق اللجون في الربع الأخير من القرن العاشر الهجري / السادس عشر ميلادي وتوفي عام 1010 هج 1602 م وقد أوكلت الدولة العثمانية إلى الأمير طرباي كما أوكلت إلى أمراء أسرته من قبله حماية الجزء المار في سنجقة من طريق دمشق – القاهرة وعهدت إليه حماية التجار والمسافرين على الطريق بين اللجون وقانون ( وادي عارة ) وعهدت إليه بسنجق غزة أثناء غياب أميرها أميراً للحج .
ويبدو أن الأمير أحمد قد حكومة صفد في حياة أبيه ثم أضيفت إليه إمارة اللجون بعد وفاته . حكم الأمير أحمد إمارته خلال فترة من تاريخ بلاد الشام توترت فيها الأوضاع السياسية واحتدم الصراع بين القوى المحلية بنعراتها المتضاربة القيسية واليمنية ومطامحها التوسعية وتنافسها على الإقطاع والسلطة والنفوذ , كذلك اشتد الصراع بين بعض تلك القوى المحلية الثائرة والدولة العثمانية الحاكمة .
وقد أقحم أحمد طرباي نفسه في قلب ذلك الصراع عندما قبل لجوء يوسف بن سيفا والي طرابلس إليه بعد هزيمته قرب حماة 1606 م , أمام قوات علي جنبلاط الثائر على الدولة العثمانية وقد استقبله الأمير أحمد بالحفاوة والإكرام ورفض تسليمه لابن جنبلاط , وكان تصرف الأمير أحمد متسقاً في الواقع مع العادات العربية الأصيلة في حماية من يدخل بالحوار ومتطابقاً مع مصالحه الخاصة : لأن ابن سيفا هو حليفه الطبيعي تجاه مطامح الأمير فخر الدين بن قرقماز المعني الثاني التوسعية في الأجزاء الشمالية من سورية الجنوبية وبصفة خاصة بعد أن أصبح حاكماً لسنجق صفد , وأظهر طمعه بسنجق عجلون كما أن ذلك التصرف من الأمير كان منسجماً مع ميوله اليمنية مقابل ميول فخر الدين القيسية ومع موالاته السلطة العثمانية وتمرد فخر الدين عليها .وعلى الرغم من ميول أحمد بن طرباي المناصرة للسلطة العثمانية في حربها ضد الثائر علي بن جنبلاط لم ينضم إلى حملة مراد باشا عليه عندما استنجد هذا الأخير بالقوى المحلية بل تعلل عن السفر كما فعل فخر الدين واكتفى بإرسال رسول وهدية ولعله رأى ألا مصلحة له في حرب تبدو بعيدة عن حدوده وفخر الدين المعني مجاور له بمطامحه ولا سيما بعد أن مد نفوذه على سنجقية صيدا وبيروت وغزير . وقد تفجر الصراع بين أحمد طرباي وفخر الدين المعني الثاني وانضم الأمير أحمد إلى إلى الحملات التي نظمها والي دمشق لحرب الأمير فخر الدين عام 1613 م والتي انتهت بحصار قلعة الشقيف المحصنة وهرب فخر الدين الى دوقية توسكانا في إيطاليا . ويبدو أن الأمير أحمد قد سكنت نفسه في غياب فخر الدين خمس سنوات في إيطاليا حتى إنه عند عودة الأمير المعني في 1618 م قدم له خيلاً هدية . إلا أن الصراع معه عاد حاراً عام 1622 م عندما عاود فخر الدين سيرته التوسعية السابقة ومد حكمه على بلاد عجلون واربد ونابلس فهاجم فخر الدين المعني أراضي الأمير أجمد بن طرباي واستولى على برج حيفا وأحرق قرى الكرمل واضطر الأمير أحمد أمام هذا الإجتياح أن يرحل باتجاه نهر العوجا وهنا حدثت معركة عنيفة اشترك فيها عرب المفارجة إلى جانب فخر الدين والسوالمة في صف ابن طرباي وكان النصر فيها للأمير أحمد واسترجع هو وحلفاؤه ما فقدوه بل تابعوا جيش فخر الدين وألحقوا به أذى . وفي هذا الوقت حدثت معركة عنجر في البقاع 1622 م التي انتصر فيها فخر الدين انتصاره الكبير على قوات والي دمشق مصطفى باشا ووقع الوالي نفسه أسيراً بين يديه وكان من نتائج هذه المعركة أن حصل الأمير المعني لابنه منصور على سنجق اللجون المركز الرئيسي لابن طرباي وكانت ردة فعل الامير أحمد تكوين حلف من عرب السوالمة وخيالة نابلس وبلاد عجلون والغور ومهاجمة حلفاء فخر الدين من المفارجة بل هاجم سواحل عكا وأعمل فيها النهب والخراب وأمام استفحال ضرباته عاد الأمير فخر الدين لمحاربته فاضطر الأمير أحمد النزوح إلى الرملة ومرة ثانية التقى الطرفان على نهر العوجا وانتصر الأمير أحمد على فخر الدين واسترجع مدينة جنين وأثخن في جيش خصمه .
وقد أدرك الطرفان المتحابان أن الحرب منهكة لهما فقررا التعايش وقامت مفاوضات بين الطرفين أسفرت عن صلح في شوال عام 1623 وكان من شروطه أن تنسحب قوات فخر الدين من حيفا ويهدم البرج ويمنع أحمد بن طرباي عربانه من تخريب بلاد صفد ويتعهد بتأمين الطريق بين بلاد صفد وبلاد حارثة . وبذلك تخلى الأمير فخر الدين عن جبل نابلس للأمير الحارثي واعترف بامتداد حدود سلطته إلى حيفا .
سارت العلاقات سليمة بين الطرفين زمناً لكن الجو عاد الى التوتر بعد عشر سنوات فحرك علي بن فخر الدين عرب الوحيدات ضد الحارثيين عام 1633 م وأن هؤلاء ردوا بمهاجمة بلاد صفد وكان لأحمد بن طرباي مطامحه في السيادة على الجزء الشمالي من فلسطين كله وله أنصار وموالون فكان ذلك شوكة في جنب فخر الدين ومنافساً له ويذكر بعض المؤرخين أن أحمد بن طرباي قد استولى على قسم كبير من الجليل والسامرة وساحل البحر من حيفا إلى يافا .
توفي أحمد بن طرباي وهو يناهز الثمانين بعد ثلاثة عشرعاماً من مقتل فخر الدين المعني وخلَّف على الإمارة ابنه زيناً ثم ابنه محمداً وتوفي هذا الأخير سنة 1671 م وبقي حكم هذه المنطقة في آل طرباي حتى سنة 1088 هج – 77 – 1678 م حين خرج الأمير من أيديهم ونصب أحمد باشا الترزي والياً عليها .
أحمد بن طولون
( 220 – 270 هج ) ( 835 – 884 م )
مؤسس الأسرة الطولونية التي سيطرت في مصر وجنوب الشام بين 292 هج – 905 م إبنا الأزمات السياسية والإجتماعية التي عصفت بالخلافة العباسية في منتصف القرن إذ شهد الناس مصرع الخلفاء الواحد بعد الآخر وقيام ثورة الزنج في جنوب العراق التي هددت العاصمة ذاتها وهو ينتمي إلى قوم الترك يدعون ( طغزغز ) وقد وصل أبوه إلى بغداد سنة200 هج وفيها ولد ابنه أحمد جمع أحمد المهارة الحربية إلى العلم واتصل بالقادة الأتراك المسيطرين على الأمر في بغداد عاصمة الخلافة العباسية وتزوج ابنه القائد يارجوخ عمل في الثغور ثم قربه الخليفة المستعين ( 248 هج – 866 م ) إليه لشجاعته وقد رافقه في منفاه بواسط وعاد بعد مقتله الى سامراء ووقع عليه اختيار القائد التركي بايكباك كي يحكم باسمه الفسطاط حاضرة مصر 245 هج - 868 م ثم استخلفه حموه يارجوخ على مصر كلها .
بعد أن آل إليه قطاع مصر سنة 256 هج ولما مات يارجوخ بعد سنتين أصبح بن طولون حاكم مصر . سار ابن طولون بعد سيطرته على فلسطين والنواحي الأخرى من بلاد الشام على سياسة داخلية حازمة أشرف بها على كل صغيرة وكبيرة في إدارته وقلد الخلفاء وأشهر اسمه وسلطانه أمام المسلمين في مكة واجه أجمد ابن طولون طوال حكمه ثورات داخلية وتم اخمادها وكان التهديد الأكبر خارجياً أول ما ظهر في منطقة فلسطين المجاورة لمصر وكانت إدارياً تنقسم إلى منطقتين : جند فلسطين وقاعدته الرملة وجند الأردن وقاعدته طبرية وقد قوي في هذه المنطقة شأن عيسى ابن الشيخ بن السليل الشيباني وتطلع الى السيطرة على بقية بلاد الشام فكتب لأحمد بن طولون عام 256هج يطلب منه الخروج من بلده وتسليم أعماله إليه .
وشعرت حكومة بغداد بخطرثورة ابن الشيخ لأنها تقطع الطريق بينها وبين واحدة من أكثر ولاياتها غنى فأرسلت جيشها من العراق لاخمادها وكتبت إلى ابن طولون للتوجه الى ابن الشيخ من الجنوب واستغل أحمد بن طولون الفرصة فأخذ يبني لتفسه قوة فلم يتحرك إلى فلسطين إلا بعد أشهر حاول خلالها مراسلة ابن الشيخ لرد مال السلطان ولما انتهت ثورة ابن الشيخ بخروجه من فلسطين إلى ولاية أرمينيا وتولى حكم الشام أماجو . كانت علاقات ابن طولون بحاكم الشام حسنة دامت أربع سنوات ثم طرأت أحداث في أنحاء دولة الخلافة العباسية جعلت بلاد الشام هامة في نظر ابن طولون فمن جهة أدى سوء سيرة الأمراء الذين عينتهم الخلافة في ثغر طرسوس إلى إخفاقهم في مواجهة في مواجهة البيزنطيين فعين الخليفة المعتمد أحمد بن طولون على طرسوس فأصبحت بلاد الشام طريق البر الواصل الى هذا الثغر وأصبح جند الأردن ذا أهمية كبرى لابن طولون بسبب وجود داري الصناعة في عكا وصور من جهة اخرى كانت الخلافة تطالب أحمد بن طولون دائماً بالمزيد من الأموال لحاجنها إليها في إخماد ثورة الزنج في جنوب العراق وقد سعت إلى إزاحته وتعيين قائد آخر مكانه لكنها أخفقت في محاولاتها ومات القائد موسى بن بغا الذي حاول حشد الجيش لهذه الغاية قبل أن يفعل شيئاً , وسنحت الفرصة لاحمد بن طولون كي يوسع حدوده ويضم الشام إليه 877 م السنة التي توفي فيها والي الشام أماجور فتقدم إلى فلسطين وخضعت مدن الشام لحكمه إلا انطاكيا فأخضعت عنوة ويفسر سقوط بلاد الشام السهل في يد ابن طولون وسكوت بغداد المتعمد على ذلك بعد محاولتها استخلاص مصر ذاتها منه بضعف الحكومة المركزية في بغداد بعد أن تعاظمت ثورة الزنج في العام نفسه وسقطت بيدها مدينة واسط . لكن الحال تغيرت بعد قرابة أربع سنوات ورجحت كفة الحكومة المركزية وبدأت تحركها لضرب الطولونيين في الشام واستمالت لؤلؤا حاكم المنطقة الشمالية من بلاد الشام غلى جانبها وخرج على أثر ذلك ثغر طرسوس عن سلطان ابن طولون أيضاً .
رد ابن طولون على ذلك بالقدوم غلى بلاد الشام وتوطيد سلطانه واستغل ضيق الخليفة المعتمد بأخيه وولي عهده الموفق فأعلن ابن طولون خلع الموفق من ولاية العهد فرد الموفق بإجبار الخليفة على إصدار أمر بلعن أحمد بن طولون من على المنابر ثم اشتد الصراع بين الطرفين ولحق الإخفاق ابن طولون في هذا الصراع فانسحب ابن طولون من أمام ثغر طرسوس ومرضه ثم وفاته في مصر .
يعد أحمد بن طولون واحداً من كبار مشيدي العمران في التاريخ العربي الإسلامي وقد ساعده على ذلك غنى المنطقة التي حكم فيها ونشاطها الإقتصادي والقدر الكبير الذي حصل عليه وتتحدث المصادر كلها عن كبر الواردات وتثبت أرقاماً عالية لخراج مصر وفلسطين والأردن في أيام ابن طولون . وتميز عمران ابن طولون في فلسطين بأنه ذو طابع حربي إذ اهتم بالموانئ والتحصينات البحرية لتصمد في في وجه الهجمات البحرية التي كان البيزنطيون يشنوها على سواحل بلاد الشام ومن أبرز أعماله في هذا الميدان بناء ميناء عكا على غرارميناء صور ويروي المقدسي الجغرافي قصة تكليف أحمد بن طولون جده أبا بكر البناء أمر بناء ميناء عكا وطريقه البناء .
يتبع