الموت لايليق ببعض الأسماء، كثر من نصادفهم ونستعير بعض من كلماتهم، ونغرم بمحياهم، ننفق تدفق مشاعرنا في انتظاراتهم، نحبهم، وعندما يغادرونا تعز علينا عبارة مع السلامة. كم صعب أن يغيب الموت شاعراً، لعب دوراً هاماً في رسم ملامح الثقافة السورية لتتسع واحة الأدب قطرة قطرة لغد أفضل الوداع لاسم زين صفحة من صفحات دمشق بعشقه لهامات تلالها وقاسيونها.
كيف تطوي ورقة نعي صغيرة سيرة كبيرة لشاعر استثنائي من صنع دمشق، أطلق خياله في جهاتها الأربعة، حكى أوجاعا مقيمة بعبارات ملتهبة، ضيفاً مشى وفي جنازته انذوت طيور الشرق حزينة وخمدت مصابيح الكلمات، والسجالات الساخنة نأت الكواكب، وحزنت النجوم، وأفل القمر خجلا كيف يرد عبارات الغزل لشاعر أفرط في وصفه.
كان مرهف الحس بإنجازات أدبية ذات الإيقاعات المتعددة، "الغزالة كصوت الماء والريح" "وإعلانات الموت والحرية" "احتفالات"، "مغامرات الأصابع والعيون""كانت طويلة في المساء" "الضحك والكارثة" "حوار من طرف واحد" و"الطاحونة السوداء"وغيرها من إبداعات طائر الجزيرة.
أبرز شعراء السبعينات، حاولنا اقتناص إحدى قصائده لكننا غرقنا بفوضى مكتبة ضخمة، كم قرأنا ونحن نرتشف قهوة صباحاتنا الباكرة، بعد اختفاء النجوم، وبانتظار الربيع القادم، أسراب قصائد الشاعر بندر الذي خذله الموت وأبعده عنا تاركا لنا قصائد الصباح بدون كاتبها الذي داهم الموت عزلته.
الشاعر بندر عبد الحميد، طائر قدم من الجزيرة طوقه رفاق القلم، والقوا النظرة الأخيرة على جثمانه الناحل ليوارى الثرى في مقبرة الغرباء في دمشق.
