تكتب الشعر والنثر والخاطرة
|
رد: أنا وجدتي ، وأحاديث العمر .
قلت عنها من قبل : علمتني أن الحب هو مرآة الخير ، التي تعكسه على الأشياء والدنيا ، حتى أنني أحببت ( الشحات المتكبر) ، والذي سأروي عليكم قصته المضحكة في المرة القادمة .
أذكر أنني ولأول مرة منذ تفتحت عيناي على هذه الحياة , قد شعرت بالإستياء أو الإعتراض في داخلي على شيء أو الشعور بالرفض هكذا , وما كنت أمتلك تلك المصطلحات لأعبر حينها عما كنت أشعر بالفعل , كان عمري لم يتعدى السبع سنوات , وكنت بحكم ظروف والدتي كامرأة عاملة تترك أبنائها يوميا عند الجد والجدة ,من الثامنة إلا ربع صباحا وحتى الثانية بعد الظهر موعد انتهاء الدوام , لتأخذنا في طريق العودة إلى المنزل , كان لكل يوم من أيام الأسبوع بداخلي لون خاص , ومذاق مختلف ,وطقس خاص جدا يمييز كل يوم من أيام الأسبوع الست ,من السبت إلى الخميس عن الأخر , حيث كانت الجمعة العطلة الوحيدة , من ناحية الجو العام وخصوصا البرامج التلفيزيونية التي كانت تنظم الذاكرة والأيام, وتطبع اليوم بطابع خاص .. فمثلا من برامج الأطفال كنت أشاهد في كل يوم برنامج مختلف بمقدمة برامج أطفال مختلفة , كماما سامية وماما نجوى وبابا ماجد وهكذا , وكان الخميس اليوم المميز جدا بالنسبة لي حيث أن غدا الجمعة أحب الأيام إلى قلبي , والتي أرى فيها أمي وأبي في البيت مجتمعين , وطبعا البرنامج المفضل لدي برنامج سينيما الأطفال ومقدمته ماما عفاف الهلاوي , نعود للشعور الذي كان ينتابني ولم أجد ما أعبر به سوى ملامح ممتعضة , ما الذي كان يحدث في ذلك اليوم ؟ سأقول لكم الآن .. إنه الرجل الذي كان يدعى ؟؟ لا أتذكر لكن أذكر جيدا ملامحه وغروره وكبرياؤه .. كان رجلا كبيرا في العمر ربما ما بعد الخمسين بقليل , و بحساب الزمن الماضي مائة وعشر سنة اليوم لكأن ! كان مرض البرص قد لون وجهه بالكامل إلا قليل , وكان من المفترض أنه مسكين يسأل الناس إلحافا , لكن بأي طريقة يسأل هذا تحديدا ما كان يقهر طفلة لم تتعد السبع سنوات مثلي ..كيف ؟ لا أعلم .
فلنواصل ربما أجد عندكم الإجابة .. كان الخميس موعدنا أنا وهو والإستياء عند بابا بيت جدي الذي كان يقرعة قرعا في كل يوم خميس بعصاة ثخينة تكاد تشبه ثخانة النخلة سأدعوها بعكازة عنيدة غليظة , وهو جالس على حصانه الأبيض الفاره , وكأنه فارس عصره , كان لباب بيت جدي الخشبي الكبير بالنسبة لي كالمارد الضخم شراعتين كبيرتين من الزجاج خلفهما اثنتين من الحديد المشغول كانت العصاة تخترق الحديد وتنفذ بكل جبروت إلى الزجاج الذي نقسم كل خميس أنه سيتحطم لولا ستر الله ههههه , وليس من أحد أكبر مني في الأحفاد ليذهب بكل طاعة حين يأمرني جدي , افتحي له الباب يا ابنتي , فهو يعرف مسبقا من يتربص بزجاج البيت كل خميس سواه ! فأذهب وكلي غيظ ولا أعلم لماذا ؟ فأفتح وأنتظر حتى تعود عصاته إلى جانب جواده ذاك الفارس المغوار بحق مغوارا , ليقول لي بكل احتقار وكأنني أنا التي أسأله : إعطني شييئا لله وأنفه في سماء العزة ترتفع في شموخ وتتجمد هناك , فأذهب إلى جدي فيقول لي بدون أن أتكلم خذي هذه القروش واعطيها له , فأأخذها وأذهب كالعادة فأشب على أطرافي لأطول سعادته من فوق الجياد , لأعطيه القروش التي أعطانيها جدي لأعطيها إياه , فيأخذها وينظر فيها بكل قرف البشر الذين خلقوا والذين لم يخلقوا , ثم ينظر لي بكل ترهيب وترعيب ويقول : ما هذا ؟ ماذا أفعل بهم ؟ !!! قولي لجدك ما ينفع ! فأذهب إلى جدي فأبلغه الرسالة وأعطيه القروش فقد ردها سعادته بعد ما تكسرت أطرافي لأأخذها منه .. فيزيد جدي قرشا واحدا ويقول لي : قولي له لا يوجد غير هذا , ولو أعطاهم لك خذيهم منه وأغلقي الباب , وأذكر أنه فعل ذلك في أحدى المرات فأغلقت الباب كما قال لي جدي فأمر عصاته لتكسر الزجاج فلحقته وفتحت الباب مرة أخرى ليجادلني من فوق حصانه الأصيل فيما أعطاه جدي , كنت أكره نفسي في تلك اللحظة من يوم الخميس رغم أني أعشق ذلك اليوم , لكنه كان يفسد علي فرحي به , مستفزا لي بكل ما كان يفعل , ولأني أنا الوحيدة المتصدية له والمتصدرة والمتبهدلة معه ,كان ذلك يزعجني كثيرا ,, وأشعر أن جدي لا يحبني أنا الوحيدة ويفعل بي ذلك , وكنت دائما اقول في نفسي رغم حبي لك يا جدي إلا إني أكرهك يوم الخميس فقط هههه , وفي يوم من الأيام كان حديث الساعة يضم تلك النوعية من المساكين المتكبرين وعلى سبيل الضحك والأستغراب , فلأول مرة أعبر لجدتي عن عدم حبي للمساكين وبالطبع كان ذلك الرجل في مخيليتي هو رمز المساكين , برغم تعاطفي مع حالات أخرى لكن كانوا في مخيلتي شيء أخر لا يمت بصلة للمساكين والذي طبع رمزهم في خيالي من خلال تلك الحالة .. فأخذتني جدتي معها إلى المطبخ لتكمل الحديث , قالت لي عنه أنه رجل مسكين ليس عنده طعام مثلنا ولذلك يأتي لنساعده , فتأثرت بكلامها حين قالت تخيلي لو أنك مثله ما عندك شيء ولا أب ولا أم ولا طعام فتأثرت أكثر وأشفقت عليه وأخذت قرارا بأن أتحمل كبرياؤه وغروره الغير مبرر , ومرت الأيام وانقطع عن المجيء حتى علم جدي أنه مات , ولما أخبرنا بكيته بشده وحزنت من نفسي أني لم أكن أحبه , لكن أعود وأقول أنه هو سببا رئيسا في ذلك , فلا أحد في العالم يحب أو يستريح أو ينسجم مش شخص به من فظاظة الكبر ما به ولو على سبيل عزة النفس فالكبر وعزة النفس بينهما شعرة لو أفلت الزمام لكان عيبا كبيرا .. أعاذنا الله من الكبر ما حيينا .. كل ما شغل بالي لزمن طويل وحتى الآن تذكرت هو الحصان الذي كان يركبه هل مات معه ؟؟ أم مازال على قيد الحياة ؟؟ أرجو ألا أكون أطلت عليكم , ولنا في الأحاديث حكايات ..
|