 |
اقتباس |
 |
|
|
 |
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة arouba shankan |
 |
|
|
|
|
|
|
ـ خولة، لاحظت تعلقك ببيت الجد! ما هو الأثر الكبير الذي تركه الجد في قلبك
• رحيله
• حكاياته
• صباحاته
هل تشتاقين عهد ليلى والذئب وجدتها؟
أين تجدين نفسك خولة، في المنتديات، أم مع الكتب الالكترونية، أم بين دفتي كتاب؟
أيهما أيسر لك الكتاب الورقي أم الكتاب الالكتروني؟
عندما تتصفحين المنتدى هل تشعرين بحنان إلى المجلات الورقية؟
ولنا عودة مع التحية والتقدير
|
|
 |
|
 |
|
مرحبا عروبة..
وسلام من الله ومني على الأحباب جميعا
بقي لي أن أجيب عن سؤالك أختي إن كنت أشتاق لعهد ليلى والذئب وجدتها..
سيدتي.. لا أشتاق لعهد ليلى والذئب لأني لم أعشه مع أني تمنيت كثيرا أن أعيشه.. حتى إني كنت كلما رأيت شخصا أكبر مني له بعض الحكايات القديمة أطلب منه أن يحكيها لي وبدوري كنت أروي تلك الحكايات لأخواتي الصغيرات خاصة أميمة وفردوس اللتين أكبرهما كثيرا وأعتبرهما أول أبنائي..
يا سيدتي لم أعش تلك اللحظات حيث جدتي تسرد الحكايات ولكني أشتاق لجدتي..
جدتي لأبي لم أعرفها في طفولتي إلا من خلال الرسائل التي كنت أبعثها لها وأنتظر ردا منها بخط وأسلوب صديقتها المتعلمة .. لم أكن أعرف أين توجد هذه الجدة التي صورتها في مخيلتي بشكل ربما كان خياليا حقا إذ بعد تعرفي عليها.. غاب تعلقي بذلك الحب الذي كان يطير مع الرسائل.. فقد رأيتها بعد مدة منعتني من أن أعيش معها طفولتي حيث مهد الحب ... عرفتها جدة.. أحببتها جدة... وأحببتها لأنها طبعا والدة أبي الغالي.. ودائما أجد أمي تفرض علي حب أشخاص أو على الأقل احترامهم ماداموا أهلي.. كيف لا وهي ابنة السيدة الطيبة" زهور" تلك التي يتحدث الجميع عن طيبة قلبها... عن الرحم الذي لا تقطعه في كل الحالات.. عن صبرها.. عن عظيم خلقها...
جدتي لأمي مذ عرفتها وهي امرأة أكلت السنون ظهرها المنحني لله دائما حتى لكأنها تبدو أكبر من سنها بكثير... ومع ذلك تحتفظ بجمال طبيعي لم أر أن أحدا من أهلها حصل على مثيله...قد يكون ذلك راجع لألا أحد له قلب كقلبها_ إلا أمي طبعا تلك العظيمة لها وصف آخر لا تكفي فيه صفحات مئات الكتب _.
هي جدتي الحنون.. جدتي التي من المستحيل أن تؤذي شخصا.. حتى العصافير كانت تعرفها.. كانت تحبها.. حتى العصافير بكت عليها يوم وفاتها.. حتى السماء اهتزت وأمطرت دموعها حزنا وفرحا شوقا للجسد وسعادة بروحها التي صارت تحلق مع الملائكة ..
جدتي علمتني كيف أطعم العصفور الضعيف..كيف أزور قريبا وأسأل عن بعيد..علمتني كيف أنظر للحياة بابتسامة رغم ما يمكن أن يواجه الحياة..فهي التي فقدت أبناء وتحملت فقدانهم بصبر.. وإن القلب ليحزن والعين تدمع ولا تقول إلا ما يرضي الله عز وجل..
جدتي بعد أن غادر العزيز " عبدالرحمن" إلى دار البقاء لم يكن لأبنائها أن يتركوها وحيدة في بيتها لذلك قرروا أن يأخذها كل منهم فترة معينة إلى بيته تظل معها هناك ويظل هذا التناوب طمعا في الرضى.. أذكر مرة أنها قامت في الصباح الباكر كعادتها وبعد أن صلت الفجر.. جاءت إلى سريري تداعبني نائمة.. ففتحت عيني وهي تلامس جسدي برفق وحنان لتنتبه فجأة لصورة كانت أمامي.. هي صورة الغالي" عبد الرحمن" جدي .. فقالت لي: " ذهب غادرنا وأخذ عقلي معه" قالتها وكأنها كانت فعلا بلا وعي حينها.. أو كأنها على أحسن وعي بحياتها..
وفعلا كان عقلها يغيب شيئا فشيئا فقد أصابها " الزهايمر" ومع ذلك لم تكن تنس كيف تقوم فتتوضأ وتؤدي صلاتها.. بل أحيانا تصلي وتهيد الصلاة.. لم تكن تنس الجلوس وهي تتلو بعض ما تحفظه من آيات الذكر الحكيم أو الدعاء.. ومع ذلك كانت تجد راحتها في بيتنا.. كان أبي يحبها جدا ولطالما قبل رأسها ويديها وهو يقول: ليتك كنت أمي.. كان إذا أحضر لنا الشوكولاتة أو الحلوى أو حتى المثلجات لابد أن يحضر لها أيضا وأحيانا يطعمها بيديه ويتمازحان ونحن نضحك وهي تنظر إلي وإلى أخواتي خاصة نظرة غضب فنرتمي عليها.. نحضنها نقبلها، نلاعبها.. في حين تحاول إبعادنا عنها..كان ذلك يثير متعة في نفوسنا.. ومع ذلك كانت ترقب قدومنا.. تدعو لنا باستمرار..تحنو علينا رغم ما أصابها .. لم تكن تنس أن تكرر اسمي إن سمعته رغم أنها لا تذكر أن "خولة" اسمي أنا..لأني عندما كنت أسألها من أكون تظل تضحك وتبتسم فتقول: أنت الثريا... فأترجاها وأقول لها: اسمي خولة فتعيد اسمي ثم أسألها عنه فتقول أنت قطرة عسل بقلبي..( رحمك الله جدتي).. حين اشتد المرض عليها ظلت معنا في بيتنا ولم تكن تذهب إلى أحد من أبنائها..وكانت قبل ذلك قد قالت لأمي ذات صباح: أريد أن أموت هنا عندك.. لاداعي لأن أصف لكم حالة أمي حينها وكم ذرفت من الدموع..
جدتي اشتد عليها حال المرض أكثر.. حتى الأكل لم تعد تستطيع مضغه.. فكانت أمي تحضر لها الحساء ..تهيئ السوائل..لتنعشها بها..ولطالما أطعمتها أنا وهي مع كل ذلك كانت لاتزيل الابتسامة عن شفتيها.. بل إن الابتسامة قد خيطت على وجهها.. رغم كل شيء..
في يوم قررت خالتي أن تأت وتأخذها إلى بيتها على أساس أنها استطاعت أن تهيئ لها وسائل صحية أكثر في غرفة ببيتها الكبير..
رفض أبي طبعا الأمر.. لم يقبل أن تنتقل جدتي إلى مكان آخر .، خاصة وأنها في وضع لا يسمح بذلك...
كان اليوم يوم جمعة.. عدت إلى البيت متعبة_من المدرسة الخصوصية التي كنت أعمل بها في بداية الموسم الدراسي قبل نجاحي بمباراة التعليم _ سلمت على من في البيت، وجدت أمي تحضر الكسكس، أخبرتني أن خالتي قد قدمت وساعدتها في تحميم جدتي وتقليم أظافرها، وإطعامها.. ثم خرجت لتعود بعد العصر فتأخذ جدتي إليها..
ولجت الغرفة التي كانت بها.. رأيتها كعروس سعيدة تبتسم.. قبلتها..ضممتها إلي ..ثم اتكأت في السرير المجاور لها أتأملها... وهي تنظر إلى كل ركن تسمح لها عينها برؤيته..
قبيل العصر كنا نتناول غذاءنا لكن أمي فجأة هرعت إلى أمها وعادت إلينا مخاطبة أبي: إنها تتصبب عرقا..
قام بابا مسرعا إليها يحمل المصحف بيده، جلسنا بجانبه..أمي، فردوس وأنا.. أما بثينة وأميمة فلم يكونا بالبيت حينها..
بدأ والدي يتلو آيات من سورة قرآنية ونحن نردد معه في همس..
فجأة رن هاتف أمي
فقامت من مكانها..
دق الباب..فنهضت فردوس..
سمعت أمي تتحدث بالهاتف بأسى وغضب فقمت لأطمئن عليها.. ولم يبق مع جدتي سوى ذلك الإنسان الطيب الذي كان يتلو على مسامعها كلام الله تعالى...
تزامن صوت الرعد القوي مع صوت الآذان الله أكبر.. مع صوت والدي الذي يقاوم الدموع وهو يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون..
لم تدفن جدتي إلا في ظهر الغد وكان أفراد العائلة كلما بحثوا عني وجدوني قد نثرت عن رأسها ذلك الثوب الأبيض لأتأمل طهاراتها حتى بعد صعود الروح إلى بارئها.. وأنا أجلس بجوارها ..أراقب الطيور والعصافير التي لم تكد تبتعد عن نافذة الغرفة رغم غزارة الغيث الذي حل ذلك المساء والليل وصباح الغد..
إلى اليوم ومنذ شتنبر 2013لا يمكن أن يمر يوم دون أن تذكر فيه جدتي رحمها الله...