[خولة السعيد]

إن القصيدة هذه تثير المتلقي بموسيقاها الشعري العذب، وما تمتاز به من صور وأساليب في آن واحد، ولا يكاد يخلو بيت من أبيات القصيدة الثمانية عشر من بديع النظم، وحسن صياغة الكلام، وجودة السبك، فلو عددنا الأساليب الإنشائية على امتداد القصيدة لوجدناها تفوق الثمانية، وقد ارتكز عليها المتنبي في مطلع قصيدته، وهي في كل مرة تهز أوتار القلب بأسلوبها، فتحس بنبض قلب المتنبي وهو يعلن حبه أو يردده ويؤكده نكاية في العاذلين، فمرة ينادي عاذله مخبرا إياه أن القلب أدرى بحاله من غيره..وأولى بذرف دموع عينه على من يشاء ( البيت الأول)، مستعملا أسلوب التفضيل(أعلم؛ احق) وتارة يقسم بالحبيب وحسنه أن لن يطيع أحدا فيعصي محبوبه(البيت الثاني)، ومرة يتساءل موجها تساؤله للائميه أن كيف تريدون مني أن أقبل اللوم في حبيبي وهو حبيبي... فمن يلوم هو العدو(البيت الثالث)، ثم يوظف أسلوب الأمر(دع)بعد أن أخبرنا عن تعجب الوشاة ممن يغلظون القول في الملامة، فيقولون له: دع عنك هذا الهوى الذي لم تتمكن من إخفائه ضعفا منك (البيت الرابع)، ليطلب شاعرنا في البيت السابع تمهلا من عاذله وترفقا بحاله لأن العذل لن يزيده إلا سقما بجسده والسمع من أعضائه السقيمة حيث إن الأذن هي أول متلق للوم..أما البيت الثامن فاستخدم أمرا(هَبْ) مخاطبا عاذله من جديد حتى يصرف عنه ملامته كما صرف الحب نومه، فالنوم مطرود بالسهاد والبكاء والملامة لابد أن تطرد مثله، وينتقل أبو الطيب لأسلوب جديد هو النهي: (لا تعذل) فهو يوجه لعاذله كلاما مباشرا صريحا: " يا لائمي لن تقبل عذر العاشق، مالا تبتلى بما ابتلي به، فيكون في صدرك وقلبك وأحشائك مابي" (البيت التاسع) ...
كا يلاحظ في النص رسم جملة من التشبيهات كتشبيهه العشق بالمعشوق، فإن كان العشق محبوب للعاشق فالمعشوق كذلك محبوب إليه يتلذذ بقربه وإن كان يذيب جسمه ويؤلم قلبه..(البيت الحادي عشر)، وقبل ذلك في البيت العاشر مستخدما الأداة "مثل" ، وذلك بتشبيهه للمحب المتيم صبابة حد السقم الشديد بالقتيل المضرج بدمائه حتى إنه جعل المحب قتيلا مضرجا بدموعه..فهذا تسيل دموعه وذاك تسيل دماؤه..
ويلاحظ أيضا استعمال شاعرنا لأسلوب النفي (البيت الخامس، الثالث عشر ،الخامس عشر)،....
( يتبع)