21 / 03 / 2020, 22 : 02 PM
|
رقم المشاركة : [267]
|
أديب وقاص ومترجم أدبي ويعمل في هيئة التدريس -عضو الهيئة الإدارية / مشرف عام على المنتديات والأقسام / نائب رئيس رابطة نور الأدب
|
رد: عش رشيد الميموني الدافئ
أزيز الصرار لا ينتهي مع بداية يوم صيفي زاه . زرقة السماء الصافية تبهج النفس وهي تلتحم بخضرة الأشجار المصطفة في ودعة كأنها لا تزال تحلم .
شعرت بالجوع يقرص معدتي وتمثل لي عشي ينتظرني كعادته في مثل هذا الوقت لأجلس مسندا ظهري إلى شجرة "الدردارة" الوارفة ظلالها في حنو . فعدت وقد تملكني إحساس مفاجئ بأن هذا اليوم سيحمل لي أخبارا سارة .
فطوري هذا الصباح لا يختلف عن سابقيه في ما مضى من الأيام .. بيض مسلوق بالملح والكمون ، وخبز مع زيت الزيتون وجبن بلدي ثم قهوة بالحليب . وجبة زادت من فورة نشاطي ، فنهضت فور انتهائي من تناول فطوري وتسلقت الشجرة كعادتي لألقي نظرة شاملة على ما يحيط بعشي وبجزء صغير من القرية .
كل شيء هادئ رغم ما أحسه من حركة يعج بها المكان , كل شيء يهتز ويتفاعل مع هذا الجو البهيج . حب وعشق ولهو . ألمح هذا في كل حركة مما يحيط بي من أعشاب وحيوانات . بل أكاد أسمع ترنيمة رضا منبعثة مع كل هبة نسيم .
قد يكون الوقت ضحى أو قارب منتصف النهار بقليل حين لمحت بالقرب من الفرن كلبا باسطا ذراعيه بالوصيد ، منهمكا في تهشيم عظمة . من ألقاها إليه ؟ لا شك أن أحدا ما بالبيت المجاور لعشي . خفق قلبي بعنف وأخذت أشرئب بعنقي كي أنظر إلى ما وراء الأغصان .لكن أشعة الشمس كانت تحجب عني الرؤية . ورغم ذلك لمحت ما يشبه قامة العجوز وهي تدنو من الفرن .
نزلت بسرعة واتجهت نحو البيت ذي القرميد الأحمر ، ثم وقفت منتظرا . هناك ، في الجانب الآخر من المنبع لمحتها . كانت برفقة فتاة بنفس قامتها وهما تتنقلان بحذر بين الصخور الملساء وسط المياه خشية الانزلاق . وفي كل مرة تكادان تفقدان توازنهما فتند عنهما صرخة تتلوها ضحكة يتردد صداها في كل أنحاء العش وما جاوره .
في البداية لم تنتبها لوجودي . لكن دنيا ، وقد تمنطقت بإزار "منديل" من مناديل اهل القرية المخطط بالأحمر والأبيض لمحتني وأزاحت قبعتها الكبيرة "الشاشية" إلى الخلف وابتسمت ، فمادت بي الأرض ثم تمالكت نفسي وألقيت التحية مرحبا بهما . كنت ألمح في عيني دنيا ابتسامة ذات معنى وهي تستشف من نظراتي ألف سؤال وسؤال ، ثم قدمتني لرفيقتها :
- هذا شاعر أديب ، اختار هذه الأحراش ليبني عشا يكون له ملهما .. أقدم لك بنت خالتي حليمة .. تسكن في "تزخت" خلف الجبل .. تعرفها ولا شك ؟ (على من يعود الضمير؟ على حليمة أم على تزخت ؟)
- تشرفت .. العفو .. لم أبلغ بعد درجة شاعر ولا أديب .. طبعا أعرف تزخت ، فقد زرتها في صباي .
اسم حليمة رجني رجا وكأن حجرا ألقي في مياه نفسي الراكدة . ايكون اسمها حليمة حقا ، أم أن دنيا تعمدت أن تذكرني به بالاتفاق مع رفيقتها ؟
وقبل أن أسترسل في تساؤلاتي تابعت دينا حديثها قائلة دون أن تفارق البسمة شفتيها :
- هل تأذن لنا بزيارة عشك ؟ .. بنت خالتي متشوقة لذلك .. حدثتها كثيرا عنها وعنك .
شعرت أن كلماتها وبسمتها تحوي معان كثيرة ودقيقة ، فابتسمت بدوري قائلا :
- يسعدني أن ينال عشي كل هذا الاهتمام ، وأرجو أن يكون عند حسن ظنكما .. لو كنت أعلم برغبتكما لفرشته ورودا وياسمينا .
ابتسمت الفتاتان والتفتت دينا إلى "حليمة" ولسان حالها يقول "ألم أحدثك عن حسن انتقائه للكلمات ؟" ، ثم تابعت :
- طبعا سيروقها كما راقني .. ونفضل أن نراه كما هو ..
وعند مرورها بقربي همست :
- سأكون مساء عند الشط .. انتظرني هناك ..
|
التعديل الأخير تم بواسطة رشيد الميموني ; 11 / 05 / 2020 الساعة 19 : 02 PM.
|
|
|