رد: أنا وجدتي ، وأحاديث العمر .
أملنا الزمان طويلا في بقاء أيامنا الجميلة ، فما كنت أظن للحظة بأنه بارع في اغتيال أحلامنا البريئة ، والسطو على عمر طفولتنا بتلك السرعة الخالية من أية هوادة .. تذكرت من الأحداث حدث وما أكثر ها كانت ، ولكن ذلك تحديدا أضحك كلما تذكرته بقدر ما بكيت آنذاك ، كانت جدتي بارعة في حياكة الملابس وتصميم الفساتين ، التي لا يشبهها ما هو معروض في محلات الملابس وخاصة ملابس الأطفال ، وكانت تحبني حبا جما ، وإلى الآن امتد حبها ليغرقني ، كانت تقوم بتصميم فساتينها وحياكتها بنفسها حيث كانت تملك ماكينة خياطة قديمة يدوية ، وتحيك لي من نفس الثوب فستان صغير ، وبذلك نرتدي أنا وهي فستانان من نفس اللون مع اختلاف التصميم ، وكنت أفرح فرحا شديدا كلما فعلت ذلك ، وكان يوافق ذلك موعد وصول أبناءها من الخارج ، استعدادا لمقابلتهم في المطار .. وفي ذلك العام فعلت الشيء ذاته ، وكنت آنذاك في الصف الثالث الإبتدائي ، وكان لي زميلة بمثابة الأخت كنت أحبها حبا لا تصفه كلمات على وجه المعمورة ، كانت تسكن بقرب بيت جدتي وكنت أزورها دائما بعد انتهاء اليوم الدراسي ، مع كل طلب أذهب لأحضره لجدتي أمر على منزلها أسلم عليها وأمضي ، كانت يتيمة الأب وكنت أتعاطف جدا حد البكاء لذلك ورغم صغر سني كنت أشعر بأنني مسئولة عنها ، ولا أطيق أن يبكها أحد من بعض زملائنا في الصف وما أكثرهم لن أنسى حين ضربتها سالي زميلة لنا كانت متعجرفة وكم بكيت لأجلها ، ولأجل عدم استطاعتي أن أدافع عنها ، وفي ذلك العام تحديدا كانت والدتها تنتظر حتى ينتهي العام الدراسي وتأخذ منال أحب صديقة وأخت لي وتسافر إلى محافظتهم التي أتوا منها ، حيث أن وفاة الأب أدت إلى سفرهم نهائيا ، فلم أعد أراها ولا أعلم إلى أين رحلت وكنت أذهب إلى منزلها دائما طوال السنوات التي عشتها في بيت جدتي ، عسى أن أجدها ، فلم يجدي انتظاري وذهبت أختي وحبيبتي منال دون عودة ، ونسيتني ولم أنساها ، ما حدث في عام الفستان ذاك ، أننا في يوم من الأيام عدنا سوية من المدرسة ، وكنت بطول الطريق أحكي لها عن الفستان التي حاكته لي جدتي مثل فستانها ، وأنني سأرتديه حين أذهب معها لاستقبال أخوالي في المطار ، وكم هي سعادتي آني أنا وجدتي سنكون مثل بعضنا البعض ، وعزمت أن أريها الفستان ولما وصلنا دخلت المنزل مسرعة وقلت لجدتي تعطينيه لكي أريه لمنال ، فلم ترض لكنني ببعض التحايل والقبلات استطعت أن أحصل على موافقتها ، وأخذت الفستان ورأته منال وكانت في قمة الإعجاب به حيث أنه يشبه فساتين سندريلا ، التي حين ترتديه طفلة وتدور به تبدو كالوردة المتفتحة ، وحين تقف تبدو كأميرة ذات فستان منفوش له أكثر من طبقة تحت ظهارته ، رأت منال الفستان ومضت ، وفي اليوم الثاني وتحديدا في وقت الإستراحة ما بين الحصص الدراسية ، جلسنا لنتناول فطورنا في فناء المدرسة أنا ومنال ، وفاجئتني أنها حزينة لأنها كانت تتمنى أن يكون لها جدة مثلي تحيك لها فستانا جميلا كفستاتي ودمعت عيناها ، وبدوري قمت بدور الشهمة التي ستضحي لأجل سعادة زميلتها مهما كلفها الأمر ، جلست ، وقمت وأكملت اليوم الدراسي إلى نهايته ، ومضيت في طريق العودة وكل ما يلح في فكري وعقلي كيف افرح منال مهما حدث ، وصلت إلى بيت جدتي وكعادتها تنتظرني لأحضر لها بعض المشتروات من بعض الباعة القريبين من البيت ، ودون تفكير أخذت الفستان من دولاب جدتي ، بعد اضطرابات نفسية وقلق ومغامرات لإبعاد جدتي عن غرفتها حتى لا تراني ، وأخذت الفستان أخيرا ، وذهبت لأحضر ما طلبته مني جدتي ، وكانت منال هي أهم أهدافي لأجعلها سعيدة ،لن افرح بالفستان وصديقتي تبكي لأنها لا تملك فستانا مثله ، وصلت عند منزل منال ، طرقت الباب ففتحت لي والدتها فسألت عنها كانت هي الأخرى تحضر لوالدتها بعض الأشياء ، سئلت الوالدة عن مكانها ، وما إن علمت ذهبت سريعا لأقابلها في طريق عودتها وأفاجئها بالهدية ، وقد كان قابلتها ، وأعطيتها الفستان فأبت أن تأخذه ، حتى أخبرتها بأنني ، استأذنت جدتي أن تحيك لي فستان مثله ووافقت هي أن تفعل ، خافت منال من والدتها حين تسألها فلا تعرف كيف تجيب وطلبت مني أن أذهب معها إلى البيت ثانية وأخبر أنا والدتها ، خفت كثيرا لأني أكذب ولأول مرة ، وأعرف أن الكبار يعرفون من يكذب ، لأن الله يخبرهم بكل شيء عن طريق العصفور التي كانت أمي تذهب عقلي بها ، حين تقول أن العصفورة قالت لي ، وقضيت العمر وأنا كل ما أتمنى أن أكبر ليكون لدي عصفورة تخبرني بكل شيء مثل أمي هههههه كذبة إبريل التي استمرت حتى كبرت وعلمت حقيقتها ، ذهبت وجسدي النحيل الصغير يرتعد من والدة منال ، أحدثها بصوت مرتعش وعينين ترجفان من الخوف ، والحمد لله مر الموقف دون أن تلحظ المرأة فقد فرحت بالفستان كثيرا ، وقبلتني وقالت لي يا حبيبتي ، تنفست وقتها الصعداء ، لكن القلق والإضطراب زادت قوته أضعافا حين تذكرت ما الذي سيحدث لي حين تكتشف جدتي بعدم وجود الفستان ، وكيف ستنصب لي المحكمة وهل سأقول أنا وأعترف أم أنتظر عصفورة جدتي الأكبر من عصفورة أمي ، لتكشف سري أمامها ، ماذا أفعل وماذا أقول ؟؟ أنا الأن .... نعم قد فرحت بفرحة صديقتي ، والآن أبكي للمأزق الذي وضعت نفسي بعقره ، وأيضا تذكرت أني سارقة وقد رآني الله وسيدخلني النار كما قالت لي أمي أن كل من يسرق شيئا ليس له سيدخل النار ،، وهو أولا وأخيرا لجدتي بالأساس ، يا مصيبتي الكبرى ، ويا طول تأنيبي وعذابي ،، مرت الأيام ولم يحدث شيء ، فمازال هناك وقتا على موعد وصول أخوالي من السفر ، لم تكتشف جدتي بعد ، الحمد لله ... وجاءت منال أنيقة تمرح وتقفز كالغزال فرحة مرتدية فستاني الذي أعطيته لها ، ولم أؤكد عليها ألا تلبسه أمام أحد ، يا ويلي !! جاءت لتسأل عني ، لتسألني عن واجبات ذلك اليوم الذي تغيبت فيه عن المدرسة ، وكانت الكارثة التي حطت رحالها فوق رأسي ، رأتها جدتي وكان يوم لن أنساه ، انتظرت جدتي حتى غادرت منال ، وأخذتني إلى غرفتها ، وسألتني ،
كيف أعطيت لمنال الفستان ، ولماذا لم أستأذن ، ووووو ..... ، تهشمت خجلا ، واحترقت حياءا مما فعلت ، لكن الجميل في جدتي أنها لم تطلب مني أن أعيد الفستان مرة أخرى ، وأنها ربتت على كتفي بعد توبيخي طبعا ، وإذلالي بأني لن أرتدي أنا وهي مثل بعضنا البعض ، وبأني من المحتمل أن لا أذهب معها إلى المطار عقابا لي على فعلتي الشنعاء.. لكنها قبلتني في الأخير وأثنت على تصرفي بأن قالت لي أنتي طيبة مثل جدتك ، ففرحت كثيرا بفعلها وحاولت أن تحيك لي فستان من نفس الثوب لكن بقماش أقل بكثير وتصميم مختلف جدا لم يعجبني وقتها لكن استسلمت ، وذهبت في ذلك العام معها إلى المطار .
|