[رشيد الميموني]

وجهتنا هذه المرة ستكون عبر جبال قبيلة "بني بوزرة" الساحلية إلى مدشر "أوريكت" حيث يقام موسم الولي "سيدي ميمون".. ولو أن الوقت غير مناسب لأن هذ الموسم يقام احتفاء بعيد المولد النبوي الشريف . لكن زيارتنا ستكون عابرة فقط لنستكشف المنطقة وما تحويه من جبال وأودية . ومنها نعود إلى قريتي ومهد صباي "أسيفان"
الانطلاق سيكون من الطريق المتفرع عن الطريق الساحلي المؤدية إلى الحسيمة شرقا . حيث سنصعد مرتفعا قد يخيف البعض لوعورته لكنه سينسى ذلك حين يجد نفسه مطلا على قبيلتين "بني زيات" عن اليمين و"بني بوزرة" عن اليسار .
فضلت ان يكون يوم الانطلاق هو الخميس لأننا سنصادف في طريقنا سوقا أسبوعيا قبل أن نعرج يسارا لنعبر أجمل الوديان .. "واد القنار" الوعر .
لكن قبل ذلك دعونا نستكشف السوق وما في أرجائه من بضاعات مختلفة .. هناك الخضر والفواكه والسمك والملابس المحلية والحلي التقليدية .. هناك امرأة اقتعدت الثرى أمامها مقلاة بها زيت .. ستقلي سفنجا وهو عجين رخو يشكل دوائر ويلقى في الزيت ..
السوق يمتلئ صخبا وأبواق المنادين على البضائع تختلط بأنواع مختلفة من الموسيقى .. هنا الراي ، والطقطوقة الجبلية والعيطة الأطلسية إلى جانب الموسيقى العصرية . وهناك في اقصى السوق ربطت البغال وبالقرب منها أبقار ومعز للبيع أو الذبح .
هل تشعرون بالجوع ؟ .. سوف أطلعكم على مطعم تقليدي تحدثت عنه من قبل وهو عبارة عن سرادق صفت في جوانبه كراسي خشبية طويلة أمامها طاولات مختلفة الطول . هنا تقدم القطاني واللحم والدجاج .. ومن لا يعرف "البيصار" فهو دقيق الفول أو الجلبان ، يغلى حتى يصير سائلا ويؤكل مع رشة من الفلفل الحار المسمى بـ"السوداني" وقليل من الكمون وزيت الزيتون.. بالصحة والراحة .. ما رأيكم في كأس شاي منعنع ؟ .. لن تندموا على ذلك . فكلما كان الماء زلالا والنعناع يخلو من المبيدات ، كان الشاي عذبا .
علينا ان نسرع الخطى لنصل إلى القنار قبل الغروب لنبيت عند أحد الأهالي الذي سيضيفنا الليلة المقبلة . ستعيشون ليلة من أروع الليالي . بحيث سشعرون بالراحة والاسترخاء وسط هدوء شامل لا يقطعه سوى خرير الماء الممتع . ومن شاء أن يخرج رغم الظلام ويجلس على حافة النهر أو يتمشى بين الأشجار ليستمتع بهذا الجو الرائع فليفعل . فالمنطقة آمنة .
أرى أن وجبة الغذاء الدسمة زال مفعولها لأن جو الغابة يفتح الشهية سريعا .. لكن اطمئنوا ، فمضيفنا انقض منذ قليل على ديك لم يتوقف عن الصياح طيلة المساء .. وسوف يقدم لنا لنتعشى به .
في مثل هذا الوقت من أيام الصيف ، إن صادفنا إحدى لياليه المقمرة ، فسوف تكون المتعة مضاعفة ، لأننا سوف نرى منظرا فريدا من نوعه ، بحيث يغطي نور البدر الغابات فتبدو كأنها مجللة بالبياض .. وستتناهى إلى مسامعنا أصوات الضفادع والصراصير في عزف متواصل يريح النفس ويطرب القلب .
هناك اقتراح لمن لا يخشى المبيت في العراء .. سوف ننصب خيما على تلة تشرف على الوادي ونبيت فيها .. لكن قبل ذلك سوف نشعل نارا بالقرب منها ونجلس حولها للسمر . الليل بارد في كل الفصول لكن حكايات مضيفنا وأساطيره الساحرة سوف تنسينا ذلك ونحن متدثرين بأغطية صوفية ، بينما رائحة الدجاج تتسلل إلى خياشيمنا والنعاس يداعب جفوننا

صورة من وادي القنار
.