الموضوع
:
رفقة الأمس
عرض مشاركة واحدة
29 / 04 / 2020, 08 : 04 AM
رقم المشاركة : [
29
]
محمد الصالح الجزائري
أديب وشاعر جزائري - رئيس الرابطة العالمية لشعراء نور الأدب وهيئة اللغة العربية -عضو الهيئة الإدارية ومشرف عام
بيانات موقعي
اصدار المنتدى
: الجزائر
رد: رفقة الأمس
اقتباس
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة arouba shankan
انقضى شهرأيلول ومعه انقضت أيام الإجازة، في اليوم الأخير من العطلة استيقظت على وقع حبات المطر وهي تنقر نافذة الغرفة بإيقاع متناغم كان صباحاً ندياً حصد أوراق الشجر عن أغصانها الذابلة، وعن الأرصفة والمنعطفات الجبلية، الغيوم سابحاتٌ، تعتلي قمم الجبال التي انفردت باستقبال ندف الثلج والشمس غادرت لمستقرٍ لها، هي أبجدية الطبيعة منذ أن أراد الإله للخليقة الحياة!
سافر أيلول ومعه مسافرة أنا، فتحت باب الغرفة مغادرةً لأجد تبدلاً ملموساً في أجواء الفندق بدأ النزلاء بارتداء المعاطف الشتوية وحمل المظلات المطرية كأنها مهرجان تتنافس فيه الألوان والتصاميم شمسيات مخططة أومنقوشة بأشكال هندسية أو عليها رسوم حيوانات أليفة، مناظر تدعو للتسلية يتم مراقبتها من داخل الفندق، توقفت لتسليم مفايتح غرفتي بينما تم حمل حقيبتي إلى حيث العربة، استدرت مبتعدة نحو الباب الرئيسي، لأشعر ببرودة لاسعة درجات لقد بدأت درجات الحرارة تميل للانخفاض! فتحت باب السيارة لأبدأ مسير ة العودة إلى منزلي سرعان ما أدرت المحرك ثم أشعلت التدفئة ما إن خرجت من فناء الفندق الخارجي حتى شعرت بالدفء يملأ السيارة نزعت معطفي، وانعطفت باتجاه المدينة بكل هدوء وروية.
كان طريق العودة رطباً، تغسل قطرات المطر زجاج سيارتي الأمامي بكل انسيابية، وفوقي السماء رمادية داكنة، غيمة ماطرة وأخرى سابحة، أشعر بغصة كبيرة وعلى وشك أن أبكي، لاأعلم لِم خلق في نفسي هذا الضباب الشعور بالقلق بعض الشيء، لدي رغبة كبيرة في البكاء وأكاد أختنق انعطفت إلى اليسار لأتوقف وأستجمع قواي لمحت استراحة أنيقة الديكور ذات ألوان هادئة وجذابة، توقفت ونزلت من السيارة باتجاهها.
دخلت من الباب الرئيسي للاستراحة، كانت دافئة تزينها نباتات خضراء من كل جانب وزاوية، نظافتها طاغية، ذات أرضيات رخامية لم تكن لي رغبة بارتشاف قهوة أو شرب أي نوع من العصير، توجهت إلى دورات المياه غسلت وجهي وعدت أدراجي لمتابعة مسيرة العودة، لفت انتباهي "مانويل" بسيارته برفقة فتاة الثلج، تتبعه سيارة ذات لون أزرق يستقلها الشبان الثلاثة، استقليت سيارتي وأدرت المحرك متابعة مسيرتي إلى المدنية..
مازلت أصارع شعور الإحباط والقلق، أدرت المذياع لأستمع لآيات من القرآن الكريم، شعرت بسكينة نوعاً ما تنزلت على قلبي، استدرت بعيني دامعتين رهبة وخشوعاً على الناحية اليسرى لأتفاجأ بسيارة "مانويل" وهي تنحرف عن مسارها لتصطدم بجذع شجرة، انعطفت يميناً لأستطلع ما الأمر، على مايبدو فقد السيطرة على المكابح وانعطف يساراً ماهي سوى بضع لحظات حتى بدت السيارة وكأنها ترجع إلى الخلف باتجاه الوادي وبداخلها مانويل وصديقته وقد ارتطم رأسيهما بالوسائد الهوائية.
تسمرت أوصالي من هول المشهد!لقد انحدرت السيارة بمانويل وصديقته نحو الوادي وقبل أن يسمع دوي انفجار ٍ كبير ابتعدت مسرعة سيارة الشبان الثلاثة وسط حشد السيارات الذي توقف مصدوماً من هول المشهد!كان صوت ارتطام السيارة بالوادي مدوياً رافقه رعد السماء قوياً منذراً بعواصف ماطرة، وشتاءٍ قاسٍ جداً.
هي تداعيات صفقة القرن، أو صفعة القدر، أن تعصف بمانويل وصديقته هذه الحادثة الأليمة، لقد غادرا الحياة على
عجل، مع بدايات تشرين وانسكاب المطر فوق خدود الورد الجوري، ومع عبور القلوب إلى الضفاف الأخرى من القلب باتجاه الشمس، ترجل من سيارتي مطبقة الشفاه، كانت مختلف الأشياء أمامي تتدحرج، الناس والسيارات وأوراق الشجر، تلاشى جسد جاري وصديقته، كما تلاشت أمامي عشرات الأسئلة التي صِغتها أثناء إقامتي في الفندق.
تشرين تبدل فيك كل شيئ، الشمس والقمر، الليل والنهار، الصباح والمساء، اليوم والأمس، الطاقة والنشاط، الحب والكراهية، الإخلاص والوفاء، المطر والغيوم، خطوات المارة، وحكايات المسير، هاهي جثثهم هامدة ملقاة أسفل الوادي بدون حِراك أو أنفاس!شهد نهار هذا اليوم حادث أليم غادرنا مانويل وصديقته إلى حيث يليق بهما من مقام كبير أو صغير، جميل أو قبيح، جحيم أو فردوس، الله أعلم!
مر الشبان الثلاث على عجل، منزلين العقاب على "مانويل وصديقته" واتجها كما الشهاب الماطر إلى أرضٍ ثانية، إلى عالم آخر يبحث عن الفضيلة والوفاء فوق أرصفة الوجود الإنساني، تغيبت خطواتهم خلف الأفق البعيد الذي ارتسم بابتسامة وردية حالمة تعد الأجيال القادمة بأرضهم التي سيعودون إليها يوماً ما.
أدرت محرك السيارة مبتعدة عن مكان الحادث، بدأت قطرات المطر بالهطول من جديد فوق المنحدرات والتلال والوديان الندية، المنعطفات كانت ساكنةً، والأشجار كانت عاريةً وقلبي كان قلقاً حزيناً تنخر بين ضلوعه وخزات مؤلمة كلما انعطفت مقتربة من المدينة، لقد حدثني قلبي بأمر مانويل، وحذرني من الاِقتراب منه كثيراً، كُنت على يقين بأنه يخطط لضرب هدفٍ ما، وبأنه لم يعد إلا لأمر غاية في الأهمية، لقد ابتعدت عن وجوه الشبان الثلاثة ليقيني بملامحهم العربية التي لها رسالتها ولأجلها نذروا أنفسهم.
بدأت زخات المطر بالتراجع شيئاً فشيئاً، الطريق إلى المدينة ماتزال بعيدة ورغم تعبي لم أجرؤ على التوقف بأي استراحة، أشعر بشيء من الخوف والقلق عليّ التوقف لبضع دقائق، لكنني أخشى من "مانويل"جديد ومن أشياء أخرى تحول دون وصولي إلى المدينة قبل حلول الليلّ، تابعت طريقي مرغمة، تحت سماءٍ داكنة السُحب، ماطرة حيناً وعاصفةً حيناً آخر.
أتخيل جثامين "مانويل وصديقته"أتسائل كيف لعربات الحياة أن تُطوى فجأة بدون موعد، تسلب الروح ليهوي الجسد بلاحِراك؟ساعات قليلة ويوارى الجثمانين الثرى، لايسترهما سوى قطعة قماشٍ صغيرة، ثم يُذرف التراب فوقهما ذرات ذرات، يتأهب الموتى لاستقبالهما، انقطعت الصلة بالحياة وتمت كلمات ربك.
لم أدر كيف توقفت عن متابعة المسير، أشعر بأنني متعبة جداً نظرتً إلى جانبي الطريق وجدت مطعماً خشبياً أنيق الطلة توقفت على مقربةٍ منه ونزلت من السيارة ما إن وصلت أمام الباب الرئيسي ألقيت نظرة إلى داخله كانت تتوسطه مدفأة خشبية اتقدت بداخلها أعواد الحطب، وعلى جانبيها اصطفت طاولات بترتيب ريفي، وفوق الأرضيات سجادات يدوية برسوم قوقازية وشيرازية، أما على النوافذ ستائرٌ من الكتان السادة، دخلت ببطء شديد إلى القاعة كانت تشع دِفئاً جلستُ على مقربة من النافذة متلفتة يميناً ويساراً إنه مطعم أنيق بالغ مالكه بأناقته ليشد انتباه المارة إليه طلبتُ كأساً من الشاي سرعان ماحضر طلبي، كان ساخناً دافئاً استمتعت برشفه كثيراً.
دفعت الحساب، وخرجت إلى سيارتي مُسرِعةً خشيةً أن أتعثر بحدث يُعيق
وصولي إلى المدينة قبل حلول الظلام، كان المساء قد بدأ يسدل بستائره
بارداً، كانت الدروب ساكنة، والسماء ملبدةً بالغيوم، الشوارع رطبةوالأشجار التي كانت تجعل من المنعطفات سياجاً أخضر فوضوي الصفوف، بدت عارية تئن برودة، والتلال غطت أفقها قلنسواتٌ بيضاء والمروج التي طربت خلال شهور الصيف بخطوات محبي الطبيعة قاحلةٌ جرداء، أما قلبي قلعة صامدة لا تقوى على كسرها مصائب الزمان.
ومرت ساعات الرحلة بهدوء، بعد عاصفة من أحداث عصفت بصباحها الأخير!ما إن لاحت من بعيد مشارف المدينة بمبانيها الشاهقة بدأت المطر بالهطول بشكل خفيف، تبعه صوت إقلاع طائرة كلما اقتربت سيارتي من دخول المدينة كان يعلو صوت محركها وهي تعلو ثم تعلو عالياً، ظهرت أمامي وهي تحلق باتجاه ديمات تشرين لتبدو كما صقر يعلو متحرراً من قيود الجاذبية متوجاً حارسِاً للسماء، حمل على متنها شبان العملية الصباحية عائدين إلى ديارهم مع تبدل المواسم التي معها تبدلت طقوس اللقاءات اليومية وتغيرت مباهج الحياة الدنيوية تمــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــت
لأشعر ببرودة لاسعة
درجات
لقد بدأت درجات الحرارة:لأشعر ببرودة لاسعة، لقد بدأت درجات الحرارة...
ترجل
من سيارتي مطبقة الشفاه : ترجّلت...
تبدل فيك كل
شيئ
:.....شيء
شهد نهار هذا اليوم
حادث أليم
:.....حادثا أليما..
الشبان
الثلاث
على عجل: الشبّان الثلاثة..
قبل حلول
الليلّ
:...اللّيل..
فجأة
بدون
موعد : ...دون..
نظرتً
إلى : نظرتُ
كان المساء قد بدأ يسدل
بستائره
:.....ستائره..
بدأت
المطر بالهطول : بدأ......(بدأت الأمطار..)
توقيع
محمد الصالح الجزائري
قال والدي ـ رحمه الله ـ
:
( إذا لم تجد من تحب فلا تكره أحدا !)
محمد الصالح الجزائري
مشاهدة ملفه الشخصي
زيارة موقع محمد الصالح الجزائري المفضل
البحث عن كل مشاركات محمد الصالح الجزائري