رد: أمام الباب
أروع ما جادت به هذه القصة الرائعة هو بروز ثلاثة خيوط متوازية انبعثت مع أول حرف منها في تناسق تام .. كان الانتقال بين الأزمنة يتم بسلاسة .. ابتدأ بالحاضر وهو يصف هذا الوصول :أمام الباب وقفت.. شيء من العتمة والغبش.. ارتسمت معالم وجهها في العين والقلب..ثم انتقل إلى المستقبل دون أن يكون هناك كسر لإيقاع الحكي :تخيلت كيف ستأخذني بكل الحب والشوق إلى صدرها... دموعها ستسقط مثل مطر لا يعرف الهدوء.. ثم - وبطريقة الفلاش باك السينمائية - يعود بنا السرد إلى الماضي البعيد : كم أتعبتها.. آخر النهار تقف، ترفع يديها إلى السماء ، وترجو من الله أن يحفظني لها.. تبتسم حين أحدثها عن شيء من مغامراتي... تفرح لأن الولد أحمد اقترب من عالم الرجولة... رغم ذلك، رغم كل تعلقها وخوفها وقلقها، حملتُ أمتعتي وسافرت.. انتقلت من مكان إلى آخر.. غبت لمدة سنتين.. انقطعت أخباري.. وأخبارها.. لم أرسل أي عنوان.. تركتها لأخوتي يرعونها... .
لا أخفيك أستاذي أنني مع تقدمي الحثيث والمتلهف في القراءة اعتراني أحساس غريب في ان ما ينتظر أحمد هذا سيكون أمرا جللا . وزاد من يقيني ما حملته الجمل الأخيرة من إرهاصات بعدم وجود هذه الأم .. وكأن تلك الجمل أرادت عن قصد أو عن غير قصد إذكاء روح التشويق ومعه اللهفة لتكون النهاية اخف وطأ على نفس القارئ الذي ربما كان يتمنى -إرضاء لتلك الأم - أن يكون هناك لقاء .. لكن تلقائية الحكي هي هكذا .. والمبدع لا دخل له في إرضاء من يقرأ ..
أعود إلى الباب واتساءل .. هل سيكون مدخلا جديدا لمرحلة سينتفي منها الدفء ، ويبقى الحنين إلى الحضن الذي رحل مرغما كما كان الرحيل عنه قاسيا ؟
تحياتي مع كل الحب والتقدير .
|