عرض مشاركة واحدة
قديم 13 / 05 / 2020, 50 : 10 PM   رقم المشاركة : [3]
خولة السعيد
مشرفة / ماستر أدب عربي. أستادة لغة عربية / مهتمة بالنص الأدبي


 الصورة الرمزية خولة السعيد
 





خولة السعيد will become famous soon enough

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: المغرب

رد: دراسة في قصيدة: "أتنكر يا ابن إسحاق إخائي"

عشر أبيات شعرية من بحر الوافر تلك التي خاطب بها المتنبي ابنَ إسحاق بلوم يكاد يكون خفيا، ومدح ظاهر باد، حيث يمدح شاعرنا ابن إسحاق مستغربا في الآن نفسه من هذا الممدوح الذي صدق أن أبا الطيب يمكن أن يهجوه، حيث يسأله كيف يمكن أن ينكر مؤاخاته، ويظن أن ما هجي به من قبل كان منه، ضاربا المثل بالماء والإناء، فالمتنبي يقر بأنه لا ينطق في صاحبه بالهجر وهو القبيح من القول بعد علمه أنه خير من على الأرض، وأكره طعما على العدو، ومن طرف السيف، وأنفذ فيما يريد الممدوح من الأمور؛ ثم يخبر شاعرنا ممدوحه بأنه غير مستغن عن حياته خاصة وأنه في سن العشرين؛ لأنه إن هجاه فقد يعرض حياته للخطر، إضافة إلى أنه لم يستوف أوصاف مدح ابن إسحاق فكيف يهجوه وهو يعلم بأسه وقدرته على الأعداء؛ مبينا أن الأولى به المدح بدل الأخذ في الهجاء، ومتسائلا كيف ظن ابن إسحاق أن أبا الطيب يمكن أن يهجوه؟ فيقول:
وهَبْني قُلتُ: هذا الصّبْحُ لَيْل ............... أيَعْمَى العالمُونَ عَنِ الضّياء؟
فكأنه هنا يشبهه ب النهار الذي لا يخفى ضوء الشمس فيه إلا على من عمي، فكيف يقول إذن هجرا في ابن إسحاق والناس يعرفون فضله وأصله، إذ إن هجاه كأنه يقول :"إن الصبح ليل"؛ وسيكذبه الناس.
وفي البيت السابع: يخبره أنه يطيع الحاسدين إذ يسمع كلامهم مع أن الرجل الذي يعتبر المتنبي نفسه فداء له، وكل الحسدة هم فداء للمتنبي..
وبعد ذلك يشير المتنبي إلى أن الهاجي نفسه هو من لا يعرف كلام الشاعر من كلام الآخرين الذي لا معنى له ولا خير فيه؛ فكأنه يخبره بأن هو من يهجو نفسه إذ لم يتمكن من التمييز بين الكلامين..، ويختم المتنبي قوله مخاطبا ابن إسحاق: من عجائب الدهر أن تلقاني وتعرف فضلي، وجلالة خطري فتبدلني برجل أو شاعر أقل وأذل من الغبار، ولا وزن له ولا قيمة، فهل تنكر موت الحساد إذا رأوني وأنا نجم بهي بظهوري يموت أولاد الحرام.
وقد ابتدأ النص بحرف استفهام " الهمزة" فكأن شاعرنا يذكر مخاطبه بما بينهما من مؤاخاة، ثم يعطف عجز البيت على صدره بتوظيف واو العطف، فهو يرى أن مخاطبه يجحد وينسى ما كان بينهما من مؤاخاة، ثم يظن أنه قد يهجوه ضاربا المثل بالماء والإناء استعارة، إذ يستعير الماء لشعر غيره، والإناء هو أشعاره، كما وظف أيضا أسلوب النداء " يا ابن إسحاق"؛ ويأتي شاعرنا في البيت الثاني ليبدأه بنفس الاستفهام السابق؛ لكن الأول كان بعده ضمير المخاطب ( أتنكر) وهنا يلاحظ بعد همزة الاستفهام استعمال ضمير المتكلم (أأنطق)، كما وظف اسم التفضيل (خير) مادحا مخاطبه، ومعتبرا إياه خير أهل الأرض، ويضيف اسمي تفضيل أيضا في البيت الثالث رابط بينها جميعا بحرف العطف المتكرر "وَ" ( وأكره _ وأمضى) ، ثم ينفي في البيت الرابع أن يكون عمره قد تجاوز العشرين باستخدامه لأداة النفي " ما" ( وما أربت)، ونرى من جديد حرف عطف متصل باسم استفهام ( فكيف).. أما البيت الخامس فاستهل بما ابتدأ به سابقه ( وما استغرقتُ) ، وهكذا نستطيع أن نلاحظ هيجان الشاعر مبديا انفعاله من سوء ظن ممدوحه به، ثم كزلزال يغير من طريقة الخطاب منبها المتلقي إلى شيء جديد بتوظيفه هذه المرة أسلوب الأمر: (و هَبْنِي) يتبعه استفهام إنكاري ( أيعمى العالمون عن الضياء؟)، أما في البيت السابع فيبدو أنه حذف أداة الستفهام (أَ) فيزيد من روعة التعبير خاصة وأنه ابتداء من هذا البيت يلاحظ تكرار الألفاظ دون أن تكون مبتذلة أو متكلفة، بل إنها منحت القصيدة جمالية ، فكان التكرار هنا ذا فاعلية موسيقية تؤثر في المتلقي حيث إن نتيجة الإيقاع المترتب على التكرار تصيب المتلقي بحالة شعورية تسيطر على مشاعره، لكن تكرار الألفاظ بالبيت لا تلزم الشاعر بتكرار ضمائرها ( فداءه/ فدائي) _ (كلامي/كلامهم) _ ( موتهم/موت)؛ هذا إضافة إلى تكرار الأساليب الإنشائية التي تمت الإشارة إليها سابقا، و أسماء التفضيل أيضا ( خير _ أكره _ أمضى _أقل) مع تكرار بعض الأصوات خاصة المدود التي تتناغم و البحر الذي ركبه الشاعر ( يا _ إخائي _ غيري _ إنائي _ علمي _ السماء _ ذباب _ أمضى _ قضاء _ العشرين _ سني _ طول البقاء _.....) وتكرار ضميري المتكلم والمخاطب اللذين يجمعان المادح بالممدوح (تنكر_ تحسب _ فيك _ بأنك _ وصفك _....أنطق _ علمي _ سني _ مللتُ _ استغرقتُ ..) ثم ضمير الغائب الذي يعود على الحساد ( هم _ كلامهم _ موتهم) قد نلاحظ بتكرار الضمائر هذه قلة وجود الضمير الغائب، ولعل المتنبي قد تعمد ذلك تحقيرا منه لهذا الحاسد الذي يغيبه ولا يبالي به ؛ بل إنه يميته في آخر القصيدة مفتخرا بذاته
وتُنْكِرَ مَوْتَهُمْ وأنا سُهَيْلٌ ............... طَلَعْتُ بمَوْتِ أوْلادِ الزّناء
ولابد أن كل هذه التكرارات قد أضفت على القصيدة رونقا وعذوبة موسيقية متناغمة مع بحر الوافر التام ( مفاعلتن مفاعلتن مفاعلتن ..... مفاعلتن مفاعلتن مفاعلتن) إلا أن عروض وضرب الوافر دائما يصيبهما " القطف" أي إسقاط السبب الأخير من التفعيلة وتسكين الخامس المتحرك: مُفَاعَلْ(تن) فيصبح بذلك:
مفاعلتن مفاعلتن فعولن ............. مفاعلتن مفاعلتن فعولن
ومن جديد في قصيدة المتنبي هذه أيضا نجد تصريعا في مطلع القصيدة ( إخائي / إنائي) معتمدا روي الهمزة بقافية مطلقة ....

التعديل الأخير تم بواسطة خولة السعيد ; 26 / 06 / 2020 الساعة 57 : 02 AM.
خولة السعيد غير متصل   رد مع اقتباس