..وها قد عدت ، ومعي هذا المقتطف من بحث شيّق للدكتور محمد عالي خنفر، أستاذ بجامعة الحسن الثاني/الدار البيضاء ـ المغرب..أردت أن أفيدكم بعد أن استفدتُ منه كثيرا..كما استفدتُ فيما سبق من كنابه (حوافز الشعر الأربعة) وهو كتاب قيّم في العروض:
نص المقتطف:
ظهر الزجل في الغرب الإسلامي، على عهد الدولة المرابطية، بكل من الأندلس والمغرب، ثم شاع صداه في المشرق، ببغداد والعراق خاصة، ثم بمصر فيما بعد، وكان من أبرز من نبغ فيه الشاعر الزجال "أبو بكر بن قزمان"(المتوفي سنة 556هجرية/الموافق لسنة1160ميلادية)...
وإذا كان الزجل قد اعتمد اللهجة العامية التي لا تخضع عادة لقواعد النحو، كما هي في اللغة العربية الفصحى، إلا أنه قد التزم الوزن، واعتمد عروض الشعر العربي، في معظم ألوانه، وإن كان قد صنع لنفسه أوزانا خاصة به، في بعض الأحيان..
ومهما يكن من أمر فالزجل لم يكن خاليا من الوزن، في أي نوع من أنواعه، والذين يعتقدون أنهم يكتبون "الزجل" خال من أي وزن، فهم إنما يكتبون "نثيرا فنيا" باللهجة العامية، على غرار كتابة "النثير الفني" في اللغة العربية الفصحى، وهو الذي يسمى بـ"قصيدة/النثر"، يضاف إليه كثير من نصوص "شعر التفعيلة"، والفرق الجوهري بينهما إنما هو بلغة الكتابة دون سواها، الأول باللهجة العامية، والثاني باللغة العربية الفصيحة...
وفي ذلك يقول ابن خلدون، من مقدمته: "وهذه الطريقة الزجلية لهذا العهد هي فن العامة بالأندلس من الشعر، وفيها نظمهم حتى إنهم لينظمون بها في سائر البحور الخمسة عشر، لكن بلغتهم العامية"..
"أوزان الأزجال لا تكادا تزيد على الأوزان المعهودة في الشعر العربي، إن لم تقل عنها، إن الأزجال مثلها مثل الموشحات قد اشتملت على أوزان لم يشر إليها العروضيون، ولم ترد في الشعر العربي، وتضمنت في بعض الأحيان مزجا من أكثر من وزن واحد، ولكنا حتى في هذا نلحظ دائما انسجاما بين الأوزان الممزوجة في الزجل الواحد، ومن أوزان الأزجال: الرمل، البسيط، المتدارك التام، مجزوء الرجز، السريع، المتقارب، الهزج، والمجتث".
لكن أمام اللهجة الدارجة، أو اللهجات المتعددة، تكاد لا تتوضح أوزان الأزجال، لدى كثير من المبدعين والدارسين، على حد سواء، وذلك بسبب لجوء الزجالين إلى أوزان ابتدعوها لأزجالهم، وأخذت تعرف وتضبط بعدد المتحركات والسواكن، في الأشطر والأبيات، وهي التي حددها بعض الدارسين في عدد المقاطع الصوتية، مثل المرحوم محمد الفاسي، في عروض الملحون، الصادر بمعلمة الملحون، من طرف أكاديمية المملكة المغربية...
ويمكن أن أقول إن الوزن الحقيقي يتم ضبطه، من خلال الأدوار الإيقاعية، التي يمكن أن تكون جزءا من الشطر الواحد، ويمكن أن تعادل شطرا كاملا، أو شطرين، أو بيتا كاملا، أو مجموعة من الأشطر، أو الأبيات، حسب البنية الإيقاعية لقصيدة الزجل، التي اختارها الزجال نفسه، تماما على نحو ما تتأسس عليه الموشحة، وهذا يكشف عن سر العلاقة الكامنة بين الجنسين الشعريين..
للزجل أنواع عديدة يصعب حصرها، وذلك بسبب ارتباطه بمجموعة متعددة من اللهجات، ولتنوع أمكنته، ولتعاقب أجياله، وما نذكره في هذا المقام يرتبط أساسا بأصول هذا الفن، وببعض النماذج، دون الإحاطة بكل أنواعه...
وفي هذا الصدد يحدثنا ابن خلدون، في المقدمة، قائلا: إنه "لما شاع فن التوشيح، في الأندلس، وأخذ به الجمهور، لسلاسته، وتنميق كلامه، وترصيع أجزائه، نسجت العامة، من أهل الأمصار، على منواله، ونظموا، في طريقته، بلغتهم الحضرية، من غير أن يلتزموا فيها إعرابا...واستحدثوا فنا سموه الزجل، والتزموا فيه على مناحيهم، لهذا العهد، فجاؤا فيه بالغرائب، واتسع فيه للبلاغة مجال بحسب لغتهم المستعجمة".
والظاهر من هذا القول أن الزجل قد نشأ بتأثير من التوشيح، أو أنه قد تولد منه، ومن هنا تبدو العلاقة وطيدة بين هذين الفنين، في مختلف أنماطهما...