رد: ملف الخاطرة/عروبة شنكان
5
سألوني الناس
تتسلل بي ذاكرتي أشعة ناعسة وردية كما حضورك، تداعب مخيلتي وحواسي، تنتشلني من حاضر ممزوج رمادية وأشياء أتلفتها من دهر أبعدتها عن ذاكرتي أنستني تلك الفراشة المليئة حبوراً وتفاؤلاً، أنستني أغاني المساء وحفلات السمر حتى إشراقات الفجر الأولى من عمرنا عندما كانت خطوات الطفولة تُرافق أحلامنا بأن نصنع الغد ونحقق أحلامنا التي توسدت أمانينا رغم منعطفات الدروب وقساوة الأرصفة.
تمر في خاطري، تقفز بحكاياتك أفق خيالي أهيم تمعناً وأسترسل في صور الأمس، تعيد لي بعضاً من تفاؤل أن نلتقي، أن نجدد عهد الوفاق ألا تحِنُ لشرب كأس من شراب التوت في امسيات الصيف الحارة على سواحل إيجة او فوق السحاب المسافر في الفنادق العائمة، أو بين مرتفعات الألب؟!
كان السفر يعيد ترميم بعض من أحزاني، يغسل همومي، يصالحني مع أيامي يرسم لي حياة ملبئة أملاً وتفاؤلاً وحرية وحبوراً، بين الهضاب وفوق المنعطفات البرية تركت سطوراً من حكاياتنا، وبعض صور حضنتنا متعانقين نتبادل عذب الكلمات، الدروب ليست كالدروب هناك، والحياة لاتشبه الحياة التي نحياها هنا بين الأزقة الغريبة التي فرضها الحصار علينا.
في غربتنا تئن الكلمات، وتصفر دروب السطور في مذكراتنا، معانينا جافة تبحث عن رصيف تبحر إليه مع هجرة النوارس وحنبن الحبارى، تشارك تغريدات البلابل الشجية أوجاعها وتودعها افق الغابات في هذا الكون العامر صخباً بحكايات اللجوء والممزوج بدموع الحيارى من الذين أرغمتهم الأيام على هجر مواطنهم.
ترافقني موسيقى سألوني الناس عنك يا حبيبي، سألوني الناس عنك ياوطن، وتدمع عيني إنهاليست المرة الأولى التي أبحر فيها بعيداً عن وطني، بعيداً عن سواحل الحب التي تلاطمت أمواجها عشقاً فوق موانيها المحملة أمالاً وردية بعودة من يبتعد عنها تحملمهم أطيب الأماني وتترك بين ضلوع المسافرين رسائل عشقٍ وتهديم آيات وفائها وبعض من صور الصبر التي تعينهم على مواجهة حر الغربة، وقهر أوجها.
ها هي سنوات الغربة تقدمت، ولم يعد في البال سوى تذكار جرح يحمله نبضك المسافر إلي، أين أنت من مرافئ عمري الذي تقدم بي حتى اِفتقدتك، فاستسلمت لفيروز بيعز علي لأول مرة ما منكون سوا!
|