[Arouba Shankan]

9

آلهة سوريا

مرت سنوات الحرب، وعيون الآلهة تحرس شرق الفؤاد عاكسة قوافل حضارات مرت فوق أرصفتها، بالامس كانت خطوات الصبايا سارحة فوق ضفاف الفرات، وعلى تخوم المدينة أعمدة الحور تتوضأ بشمسها غيرعابئة بالأمس الجريح، فهي تعرف بأنها الأبقى وبأنها النبض الذي لن يتوقف.
اجتاحتها قوافل داعش والنصرة، تآمروا لجعلها إمارة السوء في جبين الشمس وفوق الروابي العتيقة حيث اتكأ تاريخها ليفقد النور من رمد بالحقد عينيه، وتتحرك جحافل الغزاة من مختلف دول العالم مصرحة بأنه اعتداء على مصالح مدثورة شرق الفرات وتجود قرائح الشعراء بقوافي الوفاء، ويجود حماة الديار بالغالي، تعلو رايات وتندثر رايات، ونعوش الغزاة بتواتر! من منكم لم يستحم بماء الفرات هناك حيث يغتسل القمر وتتسابق النجوم مستلقية فوق ضفافه الوفيه، من منكم لم يحمل جورية لحبيبته ليفاجئها بأريج أماسيها؟ ومن منكم لم يحفر اسم لصديقته فوق حورها وروائح سروها؟
هي منبج التي استعارت من مجد التاريخ أعظم آيات المجد، ورصعت الشرق السوري بأسمى آيات العز والفخار، هي جزء من قلب التاريخ احتضنت همسات العابرين حباً ووفاءً، هي الجسد العتيد الذي حمل أبناؤه بين راحتيه، واشتعل تضحية ولم تنطفئ جزوات حنينه إليهم، علمتهم الأبجدية بثدي دافئ، ومنحت من دمها ما شاء للعدا أن يسكروا.
تطمع بأبواب قلاعها العتيدة، وتيأس عن أسوارها راكعةً مستسلمة أمام صمود أهلها، ويُداهم ليل الذئاب معاقلها وتجود بالنفيس، من يحبِك الرواية حتى النهاية؟ لاتصدقوهم إن رسموا بالقاني مداها، ولاتصدقوهم إن ازاحوا الستار عن أمسها هي رقعة ممتدة حتى أقاصي الشمال فيها النفط وفيها ما جاد الزمان ودثر بترابها نفائسه، يزعمون بأنهاحرب على الإرهاب وبأنها باقية لأهلها!
لاتنسوا أنفاس حماة البلاد التي تجود زائرة فوق عرين منبج، تعلي من أسوارها وتقوي من قلاعها وتسطر أروع ملاحم العز والفخار، لاتنسوا دروبها العتيدة وحكايات الحب دوالي تعانق جدران مبانيها، تسور نوافذها العتيقة، تحيك من عقود ياسمينها سيمفونيات حب كلما هب نسيم عطر أنفاس محبيها.
لاتنسوا تضحيات صبايا الضفاف العتيدة، حاملات لواء التضحية نبراساً لأجيال قادمة، هناك حيث هُزم كسرى وتراخت جحافل من طمعوا باعتناق عشق الآلهة، هي منبج عاصفة الشرق.