عرض مشاركة واحدة
قديم 04 / 08 / 2020, 19 : 01 PM   رقم المشاركة : [54]
خولة السعيد
مشرفة / ماستر أدب عربي. أستادة لغة عربية / مهتمة بالنص الأدبي


 الصورة الرمزية خولة السعيد
 





خولة السعيد will become famous soon enough

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: المغرب

رد: الحب في زمن كوفيد19

اقتباس
 مشاهدة المشاركة المشاركة الأصلية كتبت بواسطة خولة السعيد
[/size]
تابعا حديثهما عن الشعراء.. وتبادلا الأشعار، انتقلا إلى الروائيين، فتبادلا عناوين بعض الروايات وأحيانا ملخصاتها أيضا، خاصة عندما يجدان نفسيهما قد قرآ الرواية نفسها فأعجبا بها الإعجاب ذاته..
بعد حين والليل يأخذ من وقته كأنه مستقر على زمن واحد إذ لم يشعر أيهما بالنعاس، ومتعتهما تتواصل بتواصلهما.. أخذهما الحديث من جديد عن الأسر ، والمشاكل التي قد تنشأ داخلها.. فانفلت منه الكلام عن زوجه، شيء ما كان ينوي أن يحدث به أحد.. قال إنه كان يحب احترام علاقته معها دائما.. يصبر على انفعالاتها باستمرار.. وتحدث وتحدث وتحدث... ثم قال أخيرا.. لا أستطيع أن أسامحها الآن رغم محاولتي ذلك فقد كانت سببا مع بعض أفراد أسرتها في خلق نزاع حاد بين عائلتي وعائلتها تأثر منه ابناي أيضا .. لن أسامحهم مع أن قلبي معتاد على الصفح..
فاجأها انفعاله المباغت هذا، فقد عهدته طيبا بكلامه.. شاعرا بحس رقيق عال، كاتب خواطر تجيش مشاعر.. فأنى له أن يكون على هذه الحال؟!
وهو كلما تحدث عنها أكثر كلما بدت كلماته قاسية ومنفعلة أكثر.. كان يبدو أثر حدة الغضب على كلماته... فكانت ريم تحاول إطفاء ذلك الغضب، وتحاول إقناعه بأنه يمكن أن يكون قد أساء بها ظنا.. أو ربما كان ما حصل بدافع من بعض أفراد العائلتين، فكانت هي في الواجهة باعتبارها الأقرب إليه، يؤكد لها أنه لم يخطئ ظنه بها.. وأنها فعلا أساءت وكانت تصرفاتها منذ أكثر من خمس سنوات سببا في توتر العلاقة بينهما كزوجين حتى غدا الأمر بينهما .. غريبين في بيت واحد.. لا يتحدثان إلا لماما عند الضرورة القصوى أو أمام ابنيهما منذ نشأ الخلاف..
كانت ريم تقرأ كلماته وترثى لحاله ولحال امرأته، حيث اعتبرت أنها حتى لو كانت مسيئة فيجب أن يصفح عنها بعد مدة، لكن أن يصل الخلاف بينهما خمس سنوات، هذا ما استغربت له ريم..
قالت له : حاول أن تصالح زوجك، فمهما كان هي أم ابنيك، وأكيد أنها نادمة على ما بدا منها، ومن المؤكد أيضا أنها طلبت صفحك فلم تفعل..
لم ينكر أنها اعتذرت منه.. فحاولت ريم ببعض الكلمات أن تلين قلبه على زوجه، وسألته أن يردد على مسامعها أشعارا وأغنيات، فأجابها أن زوجه لا تبالي بذلك..
_ إذن اشتر لها شوكولاتة وورودا.. فكل أنثى عاشقة للشوكولا والورود..
_ إلا هي.. لا تهتم..
_ يبدو لك ذلك، قد تكون مخطئا، جرب وسترى سعادتها وفرحتها بفعلك.
- لا أستطيع
_ يا سيدي حاول، يقول أحد الشعراء:
وإني لألقى المرء أعلم أنه عدوي ...... وفي أحشائه الضغن كامن
فأمنحه بشرا فيرجع قلبه... سليما وقد ماتت لديه الضغائن

_شكرا ريم.. صدقا ارتحت بالحديث إليك الليلة..
آسف إن كنت أزعجتك بمشاكلي

بعد حديث طويل خلدا أخيرا للنوم..وكان كل منهما سيستيقظ صباحا للعمل، كانت ريم سعيدة لأنها وجدت من تستأنس به أخيرا وتناقش معه مواضيع كثيرة.. لم تكن قد انتبهت لهذه السعادة ولكنها صارت على غير عهدها كل شيء تقوم به تسرع في عمله وأدائه حتى يتسنى لها الوقت الأوفر مع هذا الصديق الوافد عليها من عالم آخر، هذا الصديق الذي ربما لو رأته لن تعرفه، هذا الصديق الذي يبدو أنه أيضا يرتاح لصداقتها بعد أن أصبح يحكي لها بعض أسراره وخصوصياته، لم تفكر في أنه يمكن أن يقول كلاما كهذا لأي أنثى غيرها رغبة في مساورتها لتؤنس ما يشعر به من وحدة كما يدعي رغم إحاطة أهله به، كانت تصدقه دائما، ففي حديثه متعة كانت هي الأخرى تفتقدها، وفي كلامه نبرة مثقف واع بمسؤولية ما يلفظه من قول..
طبعا أو ليس هو من أغرتها كلماته بجمالها كأنها فتاة ذات حسن تتزيى بحليها..
قالت له مرة بعد حديث دار بينهما وهو مازال يناديها بالألقاب التي أسماها بها، ثم بأحلى الكلام يتابع حديثه كشاعر يهديها خاطرة ونصا.... فتقول له { ألم تر أنهم في كل واد يهيمون} رددتها أكثر من مرة وما كان منه إلا أن يرسم ابتسامة ردا على قولها، لكن يبدو أن كثرة ترديدها جعلته مرة يطلب منها إكمال الآية فقالت { والشعراء يتبعهم الغاوون. ألم تر أنهم في كل واد يهيمون . وأنهم يقولون ما لا يفعلون} يرد عليها بعد ذلك مخبرا إياها أن المعنى لم يقف هنا:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم { والشعراء يتبعهم الغاوون. ألم تر أنهم في كل واد يهيمون . وأنهم يقولون ما لا يفعلون . إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات} صدقالله العظيم.
اعتذرت له ريم بعد ذلك، وقررت ألا تقول له مرة أخرى { ألم تر أنهم في كل واد يهيمون} وزاد إعجابها به، وزاد حبها لمواصلة الحديث معه، لدرجة تكاد فيها لا تغلق الميسانجر حتى وهي بالشارع، تمشي مهرولة كعادتها صارت الآن كمجنونة صغيرة تضيف على شكل مشيتها، حملها للهاتف بين يديها، وهي تنتظر منه رسالة لتحرك رأسها فجأة نحو الأسفل فتنظر بعينيها قارئة كلماته، تتحرك أناملها لكتابة رد وهي تسير بالشارع..وإذا كانت الشمس بأشعتها ترسم على ملامحها ابتسامة، فابتسامتها وهي على تواصل مع علي لا تغيب بغياب الشمس..
صارا الآن يتحدثان عن كل شيء، عن الكتب، عن الأشعار، عن الأحاديث النبوية، عن مواقيت الصلاة ، عن عائلتيهما، عن خصوصياتهما، عن العمل... وعن وعن وعن ....
ومن بين الأشياء أيضا التي جعلت ريم تحب قربها من علي.. حضور وقت الصلاة الذي يمنعه من مواصلة الحديث معها رغم حلاوته ، ليعود إليها بهد ذلك فيكملا حديثهما..
وكان من عادة ريم أنها إذا سألت الشخص عن حاله سألته أيضا عن أحبابه، لكنه فاجأها مرة وهي تقول له:
_ سلامي لأحبابك
_ أنت من أحبابي ريمي، وها السلام إليك.

ابتسمت وانتهى الكلام ليعود مرة أخرى في وقت لاحق..
حدثها فيه عن الحب الذي فقده خاصة بعدما جرى بينه وبين زوجه وكانت هي قد قررت أن تحاول قدر إمكانها أن تصلح بينهما، رغم أنها تعلم أنه يفوقها بعمر كبير وأنه أستاذ مادة التربية الإسلامية فهو إذن أدرى بما يجب القيام به، إضافة إلى أنها علمت بأن هذا الصديق حج واعتمر... وما ميزته من خصال حميدة عرفتها فيه تجعله قادرا على معرفة حدوده والالتزام بمسؤلياته، وكيفية تقربه من زوجه ومسامحتها على ما اقترفته في حق أهله، فمهما كان هي زوجه لعشرة عمر، وأهله، وأم ابنيه..
لكن علي كان كاليائس من أن تعود علاقتهما كما كانت، أو هو لم يستطع استرجاعها بعد الجرح العميق الذي خلفته فلم يلتئم، وكسر خاطره الذي استحال جمعه..
خولة السعيد غير متصل   رد مع اقتباس