عرض مشاركة واحدة
قديم 04 / 08 / 2020, 54 : 01 PM   رقم المشاركة : [55]
خولة السعيد
مشرفة / ماستر أدب عربي. أستادة لغة عربية / مهتمة بالنص الأدبي


 الصورة الرمزية خولة السعيد
 





خولة السعيد will become famous soon enough

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: المغرب

رد: الحب في زمن كوفيد19

اقتباس
 مشاهدة المشاركة المشاركة الأصلية كتبت بواسطة خولة السعيد
بعد حديث طويل خلدا أخيرا للنوم..وكان كل منهما سيستيقظ صباحا للعمل، كانت ريم سعيدة لأنها وجدت من تستأنس به أخيرا وتناقش معه مواضيع كثيرة.. لم تكن قد انتبهت لهذه السعادة ولكنها صارت على غير عهدها كل شيء تقوم به تسرع في عمله وأدائه حتى يتسنى لها الوقت الأوفر مع هذا الصديق الوافد عليها من عالم آخر، هذا الصديق الذي ربما لو رأته لن تعرفه، هذا الصديق الذي يبدو أنه أيضا يرتاح لصداقتها بعد أن أصبح يحكي لها بعض أسراره وخصوصياته، لم تفكر في أنه يمكن أن يقول كلاما كهذا لأي أنثى غيرها رغبة في مساورتها لتؤنس ما يشعر به من وحدة كما يدعي رغم إحاطة أهله به، كانت تصدقه دائما، ففي حديثه متعة كانت هي الأخرى تفتقدها، وفي كلامه نبرة مثقف واع بمسؤولية ما يلفظه من قول..
طبعا أو ليس هو من أغرتها كلماته بجمالها كأنها فتاة ذات حسن تتزيى بحليها..
قالت له مرة بعد حديث دار بينهما وهو مازال يناديها بالألقاب التي أسماها بها، ثم بأحلى الكلام يتابع حديثه كشاعر يهديها خاطرة ونصا.... فتقول له { ألم تر أنهم في كل واد يهيمون} رددتها أكثر من مرة وما كان منه إلا أن يرسم ابتسامة ردا على قولها، لكن يبدو أن كثرة ترديدها جعلته مرة يطلب منها إكمال الآية فقالت { والشعراء يتبعهم الغاوون. ألم تر أنهم في كل واد يهيمون . وأنهم يقولون ما لا يفعلون} يرد عليها بعد ذلك مخبرا إياها أن المعنى لم يقف هنا:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم { والشعراء يتبعهم الغاوون. ألم تر أنهم في كل واد يهيمون . وأنهم يقولون ما لا يفعلون . إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات} صدقالله العظيم.
اعتذرت له ريم بعد ذلك، وقررت ألا تقول له مرة أخرى { ألم تر أنهم في كل واد يهيمون} وزاد إعجابها به، وزاد حبها لمواصلة الحديث معه، لدرجة تكاد فيها لا تغلق الميسانجر حتى وهي بالشارع، تمشي مهرولة كعادتها صارت الآن كمجنونة صغيرة تضيف على شكل مشيتها، حملها للهاتف بين يديها، وهي تنتظر منه رسالة لتحرك رأسها فجأة نحو الأسفل فتنظر بعينيها قارئة كلماته، تتحرك أناملها لكتابة رد وهي تسير بالشارع..وإذا كانت الشمس بأشعتها ترسم على ملامحها ابتسامة، فابتسامتها وهي على تواصل مع علي لا تغيب بغياب الشمس..
صارا الآن يتحدثان عن كل شيء، عن الكتب، عن الأشعار، عن الأحاديث النبوية، عن مواقيت الصلاة ، عن عائلتيهما، عن خصوصياتهما، عن العمل... وعن وعن وعن ....
ومن بين الأشياء أيضا التي جعلت ريم تحب قربها من علي.. حضور وقت الصلاة الذي يمنعه من مواصلة الحديث معها رغم حلاوته ، ليعود إليها بهد ذلك فيكملا حديثهما..
وكان من عادة ريم أنها إذا سألت الشخص عن حاله سألته أيضا عن أحبابه، لكنه فاجأها مرة وهي تقول له:
_ سلامي لأحبابك
_ أنت من أحبابي ريمي، وها السلام إليك.

ابتسمت وانتهى الكلام ليعود مرة أخرى في وقت لاحق..
حدثها فيه عن الحب الذي فقده خاصة بعدما جرى بينه وبين زوجه وكانت هي قد قررت أن تحاول قدر إمكانها أن تصلح بينهما، رغم أنها تعلم أنه يفوقها بعمر كبير وأنه أستاذ مادة التربية الإسلامية فهو إذن أدرى بما يجب القيام به، إضافة إلى أنها علمت بأن هذا الصديق حج واعتمر... وما ميزته من خصال حميدة عرفتها فيه تجعله قادرا على معرفة حدوده والالتزام بمسؤلياته، وكيفية تقربه من زوجه ومسامحتها على ما اقترفته في حق أهله، فمهما كان هي زوجه لعشرة عمر، وأهله، وأم ابنيه..
لكن علي كان كاليائس من أن تعود علاقتهما كما كانت، أو هو لم يستطع استرجاعها بعد الجرح العميق الذي خلفته فلم يلتئم، وكسر خاطره الذي استحال جمعه..

كانت ريم تتابع حديثه، وترأف لحاله، وتحاول مع ذلك نصحه وتوجيهه لما يمكن ام يغفله أي إنسان مهما كبر سنه وزادت ثقافته وهو في قمة غضبه، مع أنها تدرك جيدا أن الشخص حتى إذا سامح فقد يظل منكسرا ولا يستطيع أن يعود لسابق عهده، استطاب هو الكلام وأخذه الحديث إلى كلمة ذكرتها له ريم قبل أيام خطأ ورغم اعتذارها إلا أنه ظل يذكرها، أيعقل أن تكون قد أساءت إليه هي أيضا، فأخذت نصيبها من غضبه، وهل مع اعترافها بالخطإ الذي لولاه ما انتبهت إليه حيث كانت تكتب بسرعة وتضغط على أزرار الهاتف كأنها تحفظها وبدل أن تكتب " زوجك" كتبت: " زوجيك" ولم تنتبه لولا أن عليا رد عليها:
_ ولكني لا أملك غير زوج واحدة ريمي.
_ وهل قلت أنا إنك تملك أكثر من واحدة؟
_ انظري إلى كلامك الأخير
أكيد أدرك أن الأمر كان خطأ لم تنتبه إليه، لكن المؤكد هنا أن ريم أصبح وجهها كحبة فراولة وهي تشعر أن حرارتها تزيد ارتفاعا، ظلت تعتذر إلى أن أقفلت النت غير قادرة على مواصلة الحديث بعد أن أصبحت بلون أحمر الشفاه الذي قدم ابنها يسألها وهو يحمله بين يديه لمن هذا؟ فتقول ومازال الخجل باديا عليها رغم إغلاقها لكل وسائل التواصل:
_ هو لأختك.. لخالتك... لا أدري.. أين كان؟ .. أين وجدته؟ .. هاته..
علي الآن يعود ليعيد موضوع الزوجين مخبرا
ريم أنه لم يغضب لكنه كان متفاجئا إذ كان يريد إخبارها بشيء وكان مترددا، فعزم الآن على إخبارها أن سبب تفاجئه هو أنه رأى بحلمه أن ريم زوجه الثانية.. حاولت ألا تغلق ريم النت هذه المرة،وأن تحافظ على هدوئها وعدم تسرعها، لكن حديثا بسيطا بعد ذلك ولم تتحمل قالت:
_ إلى اللقاء.
ودون أن تنتظر منه ردا.. أغلقت النت..
في التواصل الموالي، طال الحديث بينهما لكن نهايته كانت مؤلمة، فقد أخبرها أنه يخشى أن تقطع علاقتها به بعدما ألفها، لذلك فهو يفكر في طريقة يلم بها رحيله ويهاجر إلى مكان آخر، لم تدر ريم كيف تسللت دمعتين على الخدين، حاولت إخفاءهما الذي لا يجلس بعيدا جدا عن مكان جلوسها، ماذا ستقول له إن رأى دمعها: ( أبكي لأن صديقي يستعد ليودع صداقتنا.. )؟ أخفت دموعها المتحجرة غي عينيها.. تحدث معها إبراهيم يسألها عن إزاره لأنه سينام.. فقامت تصرخ في أرجاء البيت باحثة عنه، وزاد صراخها إذ وجدته عند الزوج وهو غير مبال كجماد ليس هنا.. حاولت أن تهدئ من حالها ولكنها في لحظة غضب كتبت كلمة وداع لصديقها..
أرسل إليها معتذرا ومخبرا إياها أنه لم يكن ينو الرحيل الليلة إن هي إلا فكرة راودته خشية أن يسبب لها مشاكل في علاقتها الأسرية..
لكنها مع ذلك لم تحتمل، ودون أن تدري أخبرته بأنه تسبب لها في جرح وهي لا تستطيع كتم دموعها أكثر لذلك ستكتفي بآخر وداع في تلك اللحظة.
_ وداعا.
حاولت تهدئة نفسها كي لا يلاحظ صغيرها حزنها، فاتكأت بجانبه واستسلم هو للنوم بعد أن قرأ مع أمه بعض الآيات القرآنية.. واستسلمت هي بعده لبكاء صامت لم تعرف كيف نامت معه.

(يتبع)
خولة السعيد غير متصل   رد مع اقتباس