ليرحمك الله صغيري
في بيته الهانئ السعيد، كان يجلس أمام شاشة التلفاز يلح على مشاهدة مسلسله الكرتوني المفضل، لكنه مع ذلك لا يهتم به، يفتح صفحته الفايسبوكية، ويظل يتابع آخر الأخبار التي يتشاركها مع أصدقائه، ومن منهم سيختار التعليم الحضوري إن سنحت الفرصة بذلك بعد أن تم الإعلان رسميا على أن بداية الموسم الدراسي بمدينة طنجة ستنطلق عن بعد، على الواتساب يكلم صديقه المقرب معبرا عن شوقه له ورغبته في عناقه واللعب معه، ومشاركته مراجعة الدروس كما عهدا ، ثم يستأذنه بغياب لدقائق ريثما يلبي لأمه طلبها في أن يذهب سريعا إلى صيدلية الحي ليأتيها بدواء يحتاجه أحد أفراد الأسرة.. يقبل يد أمه موافقا ومتوسلا أن تسمح له بأخذ درهمين من باقي النقود ليشتري مثلجا، فتبتسم، وتقول له:
_ حاضر.. لكن اذهب سريعا وإياك أن تتأخر.. فإني أشتاق إليك لا تتأخر يا قلبي..
يعانقها الصغير " عدنان" فرحا، ويعد حبيبته بألا يتأخر
تترقرق عينا الأم بدمعات خفيفة لا تدري مصدرها، يخرج عدنان أمامها، تناديه ثانية لتمد له كمامته التي نسي أن يضعها قبل خروجه، يبتسمان لبعض.. تضمه كأنها تعيده لأحشائها جنينا، فيقبل لها هو الجبين، ويخرج.. يغلق الباب خلفه، فتجد قلبها يزداد خفقانا، عقلها تائه بين أن تكمل أشغالها بالمطبخ، أو تجلس لأنها أحست بقدميها لا يستطيعان حملها، أو تشرب ماء يبرد حرقة ولهيبا تحسهما بداخلهما....!؟؟؟
يتأخر عدنان.. تقنع نفسها بأنه مجرد تأخر، وأنه حتما عائد، لكن الغياب يطول، فيهلع الأب أيضا.. يخرج للسؤال عن ابنه بالصيدلية.. فلا يجد لديهم إجابة سوى أن الابن كان هنا قبل لحظات لكنه غادر والدواء بيديه، تنساب دمعة على خد الأب الشاب رغم صلابته، يخرج من الصيدلية تائها، يعود إلى البيت.. يود دخوله فلا يستطيع أن تراه زوجه بلا الابن يمسك بيديه داخلا معه حتى لو كان باكيا بعد أن ضربه نتيجة تأخره.. يتصل على الهاتف بزوجه التي تكاد تفقد عقلها بالبيت يسألها إن كان عدنان قد سبقه، تجيبه بالنفي، فلا يتمكن من الدخول .. يظل بالشارع وكلما رأى شخصا يمر بجانبه يسأله إن كان قد صادف صغيره.. ويرد المار مستغربا بالنفي، فجأة يلتفت فإذا به يجد زوجه خلفه وهي ترتدي دون انتباه جلبابها مقلوبا تحمل صورة ابنها وتسأل كل من تراه عينها من بشر إن كان قد رأى ابنها .. صارت تعترض السيارات وتوقفها لتتأملها لعلها تجد ابنها في سيارة ما... غربت الشمس وما زال الأبوان يبحثان، تكاد تجن الأم.. لا تعرف أي سبيل تتبع!
والأب يقف متوسلا بأقرب مخفر شرطة أن يسمح له بالدخول ليطلب من كل من هناك أن يبحثوا له عن فلذة كبده.. أن يبحثوا عن قلبه الضائع.. بينما الأم يجرها شعور بأن ابنها قريب من البيت لكنه ليس بالبيت، ابنها هنا... لكنه ليس هنا.. تشم رائحته ولا تجده، فالرائحة تبعث بها الريح الشرقية فيتيه عنها مصدر انبعاثها.. يسمع الأقارب الخبر.. يأتون للمواساة.. يتطوع البعض بنشر صور الطفل في مواقع التواصل الاجتماعي علها تصل لأحد يكون قد لمح عدنان أو حتى طيف عدنان ليقودهم إليه..
بعد يوم من غياب عدنان، تنشر صورة من كاميرا المراقبة الخاصة بالصيدلية يبدو فيها الطفل عدنان متلذذا بالمثلج بيده اليمنى والكمامة قد نزلت أسفل ذقنه ، حتى يستمتع ببرودة وحلاوة ما بيده، وما يثير الانتباه هو صورة شخص معه يرافقه أو لعله كان فقط يتربص له كفريسة يتصيدها..
وتمر أيام وجل المغاربة صارت تتشارك صور عدنان على صفحاتها، وتمر الأيام ولا يخلو بيت مغربي يتحدث عن عدنان، وعن ظاهرة الاختطاف التي انتشرت مؤخرا.. ففي أسبوع واحد لم يكتمل بعد تم اختطاف أكثر من أربعة أطفال بين طنجة ومكناس وقنيطرة وغيرها من المدن..
ماذا يريدون بهؤلاء الأطفال؟.. ألا يكفي العالم ما حل به من وباء؟ ألا يكفي أننا في كل يوم صرنا نسمع كوارث حاصلة؟ الإصابات الناتجة عن الوباء تتزايد.. موتى الوباء في تزايد.. حريق ببيروت.. فيضان بالسودان.. حريق بسوريا.. الكشف عن خلية إرهابية بمدن مغربية .. حريق بالدار البيضاء.. بمصنع في مكناس... يا للهول! ما كل هذه الكوارث؟! وما كفى البشر الألم فبحثوا عن آلام وأوجاع أخرى..! بعض البشر لا يكفيهم دموع العين والقلب يوميا فيطمحون لتقطيع الأوصال وتمزق الأمعاء وتصلب الشرايين...
ليلة أمس أياد كثيرة ارتفعت إلى السماء وقلوب عديدة صاحت يا رب ارحم أم عدنان، يا رب أعد عدنان لأهله..
وتستيقظ كل القلوب ميتة صباح اليوم على خبر إيجاد عدنان.. عدنان وجد لكنه جثة لا حراك بها.. عدنان وجد بعد أن عانقت روحه قلب أمه..
عدنان رحمك الله وألهم والديك الصبر وآنس أهلك
عدنان رحمك الله ورحمنا معك
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|