رد: روعة التعبير في القرآن : دعوة للتدبر والتأمل
أقف عند الآية الكريمة السابقة.. الآية الرابعة من سورة مريم، وقد أحببت أن أبدأ بها لأن أساتذة لي كانوا كثيرا ما يستشهدون في الاستعارة ب " واشتعل الرأس شيبا"، وكنت أجد متعة كبيرة في الاستماع إليهم.
وهنا آخذ أولا ما ورد في كتاب " دراسات أسلولية في التراث" لأستاذَي:
د. عبد الرحيم الرحموني و د. محمد بوحمدي " [...] ويبين في الوقت ذاته أسرارا من معنى الآية الكريمة الذي ينسجم مع كامل دعاء زكرياء عليه السلام الخفي { رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا ولم أكن بدعائك ربي شقيا} فهو عليه السلام تأدب بآداب النبوة والإيمان ، فدعا ربه دعاء خفيا تمشيا مع التوجيه الرباني { ادعوا ربكم تضرعا وخفية} . وتأدب في الدعاء { ولم أكن بدعائك ربي شقيا} ، لأن الأصل في الدعاء التواضع وعدم الاعتداء فيه { إنه لا يحب المعتدين} ، ثم وصف حاله أولا، وهو سبحانه وتعالى أعلم بحاله، فشكا تقدمه في السن ووهن حالته وضعف بنيته، وهي حالة لا يناسبها في المظهر إلا اشتعال الرأس شيبا،[...]" ص. 17/18
وآتي الآن إلى " اشتعل الرأس شيبا" سيتبين للكثيرين أن المقصود بالاشتعال ليس هو الرأس وإنما الشيب، وإن أسند إلى الرأس ، حيث المعنى هو: " اشتعل شيب الرأس" كذلك نلاحظ أن زكريا لم يسند إليه " الرأس" بل تم تعريف " رأس" ب " ال" ( الرأس) بدل الإضافة ( رأسي) .. فكان هذا التعريف مانحا حسنا راقيا ..
إن استعارة " الاشتعال" للرأس كان لها الفضل في إبراز لمعان الشيب على عمومه حيث لو قيل واشتعل الشيب في الرأس أو شيب الرأس لقلنا إنه قد ظهر في جزء من الرأس فقط بينما " الرأس" تفيد الشمول والعموم ، و يجعلنا هذا الشمول نفكر في شيب شعر اللحية كذلك لأنها جزء من الرأس وقد شبه اشتعال الشيب في الرأس باشتعال النار التي سريعا ما يملأ لهيبها المكان ، فحذفت لفظة " النار" وذكر احد لوازمها الذي هو " الاشتعال".. وهكذا نلاحظ أن جمال الاستعارة في الآية الكريمة ينبع من جمال النظم القرآني ..
أرجو أن أكون قد وفقت ولو بنزر
|