عرض مشاركة واحدة
قديم 28 / 03 / 2021, 03 : 12 PM   رقم المشاركة : [28]
ليلى مرجان
موظفة إدارية-قطاع التعليم العالي-حاصلة على الإجازة في الأدب العربي

 الصورة الرمزية ليلى مرجان
 





ليلى مرجان is on a distinguished road

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: المغرب

رد: روعة التعبير في القرآن : دعوة للتدبر والتأمل

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
﴿أَلَمْ تَرَ إِلَىٰ رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا ﴾، 45-46، الفرقان.
﴿أَلَمْ تَرَ إِلَىٰ رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ﴾؛ يلفت الله سبحانه وتعالى نظر حبيبه المصطفى عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام؛ إلى صورة من صور خلقه، ومشهد من مشاهد الكون البديعة، ومجال من مجالاته الواسعة الرحبة؛ ليستميل إليها مشاعره المجروحة من تطاول المشركين عليه، واستهزائهم به، وتكذيبهم لرسالته
﴿وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا﴾؛ فيخرجه من حلق الضيق الذي ألم به، إلى فضاء الكون الشاسع الرحب؛ الذي تستصغر عظمته صنيع أعداء الإسلام؛ مخاطبا إياه بجملة استفهامية؛ محولا بوصلة تفكيره من فعل دنيء إلى قدرة القادر المتحكم في خلقه؛ بدءا من وجوده إلى فنائه، موجها عقله وقلبه إلى تدبر آيات الكون المرسومة بإبداعه وتدبيره، المنثورة في أرجائه؛ وبذلك يبث في نفسه إحساسا بالأنس والطمأنينة، وشعورا بالثقة، وتذكيرا بقدرته وتدبيره. ومن حكمته تعالى أنه ساق لرسوله الكريم صلى الله عليه وسلم في الموقف العصيب الذي عاشه مع المشركين؛ مشهد الظل؛ وهو يوحي إليه أنه الظل الظليل؛ في حرارة الصحراء وحاميه من كيد الأعداء. وفي دعوة الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم إلى تدبر مد الظل؛ مسحا لكل ألم نال من فؤاده -الذي هو ألطف وألين ما في البدن، وأشده تألما بأدنى أدى- لأن حركة الظل الممدود تبعث في النفس راحة بعد التعب؛ وهي دعوة إلى تدبر العقل في صنع الخالق؛ بما يجعل الأجرام تلقيه من الظلمة الخفيفة؛ وهي تحجب أشعة الشمس في النهار؛ فيمتد الظل من وقت الإسفار إلى وقت طلوع الشمس، ويبين سبحانه وتعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم في أيِّ الظل قدرته ﴿ولو شاء الله لجعله ساكنا﴾ ومشيئته في تحكمه في خلقه؛ فهو قادر على أن يوقف حركة الأرض فيجعلها ثابتة؛ وبذلك يثبت الظل فوقها؛ فلا يمتد ولا يقبض، ولا يمحى بطلوع الشمس؛ فبقدرته بنى الكون على نسق يتحكم في حركة الظل الخفيفة، وفي اختلاف ذاك النسق اختلاف في حركة الظل.
وفي قوله تعالى:
﴿ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا﴾؛ دليل على قدرة الله على ايضاح صورة الظل بظهور الشمس؛ التي لولاها ما عرف؛ لأنها تدل عليه بضوئها وحرارتها، في وضعه وامتداده وشكله؛ حين تواكب حركته حركة الأرض في مواجهة الشمس. و يختم سبحانه وتعالى الصورة الكلية للظل بقوله: ﴿ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا﴾؛حيث يخبر تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم؛ انه قبض الظل الممدود إليه قبضا لطيفا خفيفا؛ بفعل الشمس، يسيرا غير عسير؛ وهو أهون عليه من خلق السموات والأرض في ستة أيام، وخلق الكون بنواميسه وقوانينه.
وحاصل دعوة الله تعالى إلى تدبر مد الظل وانقباضه؛ إدراك لنعمة معرفة أوقات النهار، ونعمة التناوب في انتفاع خلق الله في كل الأقطار؛ بفوائد شعاع الشمس وفوائد الفيء؛ وهو من عظيم نعم الله الخالق المدبر.
ومشهد هذه الظاهرة يغفلها الإنسان كما يغفل العديد من آياته في خلقه؛ لأن التعود على رؤيتها تفقده حس التدبر، وفي الذكر الحكيم تذكرة وحث على تدبرها.

التعديل الأخير تم بواسطة ليلى مرجان ; 28 / 03 / 2021 الساعة 15 : 12 PM. سبب آخر: تصحيح خطأ
ليلى مرجان غير متصل   رد مع اقتباس