الموضوع
:
الدار اللي هناك -2-
عرض مشاركة واحدة
15 / 05 / 2021, 11 : 09 AM
رقم المشاركة : [
46
]
خولة السعيد
مشرفة / ماستر أدب عربي. أستادة لغة عربية / مهتمة بالنص الأدبي
بيانات موقعي
اصدار المنتدى
: المغرب
رد: الدار اللي هناك -2-
اقتباس
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة رشيد الميموني
(6)
[align=justify]
عاودني الانقباض وتمثل لي مرة أخرى وجه أخي المريض . هل غادر القرية إلى طنجة مع جدتي من جديد ؟
لبثت أنظر صوب الرجلين حتى افترقا وأشار إلي البدوي مودعا فرددت التحية . وأقبل الفاضل نحوي بوجه جامد لا يحمل أي تعبير . بل إني شعرت أنه يريد إخفاء بعض الوجوم الذي علا سحنته . أمسك بزمام البغل و قال :
- هيا بنا الآن .. هل استرحت جيدا ؟
- نعم .. بما فيه الكفاية .
وكنت لا أزال أنظر إلى الجهة التي سلكها البدوي فسألته وأنا أمتطي البغل :
- هل هذا الرجل من هذه النواحي ؟
- نعم ، هو من "تلاعطية" .. بجوار "تزخت" من الجهة العليا .
- يبدو أنه قادم من المجرى ..
صمت قليلا و أجاب :
- نعم .. هو آت من السوق وقد مر من هناك .
- عمي .. هل حدث شيء ؟
- حدث شيء ؟ كيف يعني ؟ .. لم السؤال ؟
- لاشيء.. فقط لأني لاحظت أنك و الرجل كنتما تتحدثان و تنظران إلي ..
حاول الابتسام فجاءت ابتسامته باهتة لكنه تصنع المزاح و قال :
- لديك فراسة قوية كما يبدو .. ما شاء الله عليك .. لا تشغل بالك .. لا شيء إن شاء الله .. غير أن أباك أوصاني بإيصالك إلى بلدة "ترية" قبل الذهاب إلى المجرى .. يعني علينا الآن تغيير الاتجاه .
- "ترية" ؟ لماذا ؟ ألا ترى كم هي بعيدة في أعلى الجبل ؟
- ربما كان لديه مهام لدى العم "عمار" يريد أن تقضيها أنت بنفسك . لا تقلق .
لكني كنت في هياج استطعت التحكم فيه حتى لا أصرخ ، تأدبا واحتراما لعمي الفاضل فقلت بلهجة شاكية :
- عمي .. من فضلك .. لن أذهب إلى "ترية" .. قل لي ماذا حدث .
- اهدأ يا بني .. فقط لأن لا أحد بمنزلكم الآن .. لقد اصطحبوا أخاك إلى طنجة .
- أخي ؟ .. كلهم ؟ هل هو مريض غلى هذه الدرجة ؟
وبكيت .. لم أستطع مقاومة دموعي ، فعلا شهيقي .. بينما كان الرجل ينظر غلي بعطف . و أبطأ سير بغله حتى اقترب مني وحاذاني وهو يقول :
- لا عليك يا بني .. سيشفى بإذن الله .. جدتك محتاجة لمن يعينها في السفر .
- لكنها لم تحتج لهذه المساعدة من قبل ..
- ربما لأن أباك لم يكن لديه الوقت لمرافقتها ، وهو الآن في رخصة كما تعلم ..
وجدت كلامه مقنعا لكني لم أهدا واستمرت أسئلتي كالسيل الجارف :
- وأمي ؟ كيف تسافر بأختي الاثنتين ؟
- حسب ما فهمت .. كان سيأخذكم في رحلة إلى تطوان قبل ذلك .. وبما أنك كنت معنا ، لم يشأ المناداة عليك لمعرفته بحبك للطبيعة .
هدأت قليلا .. ولهفتي تزداد للوصول سريعا إلى المجرى . وشعرت بحاجتي للوحدة . فما أن بلغنا المنبع أسفل الجبل و وصلنا حيث التقيت بلطيفة لآخر مرة ، حتى نزلت عن ظهر البغل وأسلمت لجامه لعمي الفاضل قائلا :
- عمي .. لقد اقتربنا .. أريد متابعة الطرق مشيا ، بعد إذنك .
- حسنا يا بني .. وما دمت لا تريد الذهاب إلى "ترية" ، فستبقى معي في المركز حتى يعود أهلك ..
- حسنا .. أشكرك عمي .
شملتني راحة وأنا أتمشى في طريق مألوف لدي .. وكانت الشمس قد بددت الضباب الذي كان يحجب عني رؤية الجبال المحيطة بي . فزاد الجو بهاء خصوصا و أن الطريق كان يخترق حقول الذرة الخضراء التي كانت لا تزال مبللة بالندى ، فانعكست أشعة الشمس عليها و صار لمعانها يخطف الأبصار .
ولا أدري كيف انبعثت لطيفة أمامي فجأة عند آخر منعرج ، كان الأرض انشقت عنها . كانت واقفة على بعد أمتار وسط الطريق . توقفت مرتبكا لحظات .. نظرت إليها بذهول ، ثم أحنيت رأسي وتابعت السير. فلاحقني صوتها وقد اعتراه بعض الوهن :
- الحمد لله على سلامتك .
لم أصدق أنها كلمتني بعد الذي حصل مني في آخر لقاء لنا ، فغمغمت بكلمات كرد على تحيتها و تابعت المسير ..
- أرسلني أبي يدعوك للقدوم عنده الآن .
توقفت والتفتت إليها مندهشا ، فوجدتها تحدق في بعينيها النجلاوين .. كم كانت جميلة وقد قصت شعرها إلى حد الأذنين ، فبدت لي قامتها قد زادت بعض الطول .. لكن أثر ذلك لم يدم طويلا فقلت بريبة :
- لماذا ؟
لم تجب .. بدا عليها بعض الارتباك ، فأحسست بالأرض تميد بي وتراجعت خطوات إلى الوراء قبل أن أطلق ساقي للريح وصوتها يلاحقني :
- انتظر لنعود معا .
كانت دعوتها ستسعدني لو كانت الظروف مختلفة .. هذه المرة ، كنت متأكدا من أن الأمر خطير ، وأن هناك شيئا يريدون إخفاءه عني . حديث البدوي مع عمي الفاضل وهما ينظران إلي .. حديث عمي الفاضل عن أخي .. الذهاب إلى "ترية" .. سفر والدي المفاجئ .. دعوة القائد لي للمكوث عنده .. ماذا يحدث يا ربي ؟ .. صرت عرضة لأفكار سوداء تغزو مخيلتي ، وفي كل مرة أحاول طردها ، تعود من جديد .. والحلم ؟ ماله يحجب عن بصري الرؤية فلا أرى سوى أخي في شحوبه وهو يتلاشى وراء الجبل ؟
ما زلت أعدو وأكاد أتعثر مرارا حتى وصلت إلى أطراف القرية . وجدت نفسي أمام والد لطيفة يتجاذب أطراف الحديث مع بعض الشيوخ و المقدمين بحضور قائد المجرى الجديد . ترى هل وقوفه في هذا المكان صدفة أم لعله حدس ما سوف يقع فجاء بنفسه إلى هنا . مررت بالقرب منه ملقيا التحية فناداني :
- أهلا ولدي .. حمدا لله على سلامتك .
- الله يسلمك ..
- تعال .. ريثما يأتي أبوك من المستوصف .. هو هناك مع الطبيب .
- ألم يسافر ؟
- كان على وشك السفر و ..
كدت أفرح .. لكن سحنة القائد المتجهمة جعلت فرائصي ترتعش والتفت من حولي متسائلا :
- ماذا حدث ؟ ولماذا لم يسافر ؟
- اصبر يا بني .. هاهو قادم .
[/align]
كل الأجزاء السابقة كنت أضحك جدا وأنا أقرأها إلا هذا استطعت من خلاله أن تدمع عيني..
مبدع بتأثيرك
خولة السعيد
مشاهدة ملفه الشخصي
البحث عن كل مشاركات خولة السعيد