من أرض (الموصل)، بلد جبال وافر العلم، وثرّ عبق التاريخ، جاءتني هذا الملاحظات من د. الشيخ النظام، وأعتبر أن هذا هو النقد الهادف الذي يقوى به الباحث، ويُكسب عزماً أكيداً لمتابعة تقديم الطيب المفيد.
●●●●●
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وحبيب الحق سبحانه وتعالى وحبيب الناس أجمعين المؤمنين الصادقين، صلى الله تعالى عليه وسلم صلاة دائمة إلى يوم الدين وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين وصحابته المختارين عند رب العالمين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
كتابكم الموسوم «حديث مسقط» يعد من المراجع المهمة لطلبة العلم والباحثين من أهل العلم جميعاً، وقد رزقك الله تعالى تأليف هذا المؤلف الكبير لا لشيء إلاَّ دليل محبة الله تعالى لك أخي العزيز. قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: «إذا أحب الله عبداً استعمله. قالوا: يا رسول الله، وكيف يستعمله ؟ قال: يوفقه لعمل الخير»؛ جعلنا الله وإياكم من أهل الخير والعلم والعلماء، آمين.
وقد قرأت كتابكم هذا ـ وإن كانت قراءتي له تحتاج إلى قراءة أخرى، لضيق وقتي من قراءة وتأليف، وإصلاح بين الناس وبين المسجد والقيام عليه، ومن قبله الاطلاع على ما يعلّق عليه المطلعون على منشوراتي، بعد أن لمست بصيص أمل في تغيُّر من عقلية البعض منهم. والحمد لله رب العالمين.
وقد دونت بعض الملاحظات، أرجو أن لا تكون في نظرك دون المستوى، وليست انتقاداً لكتابكم، والحمد لله رب العالمين.
أولا: في - ص12 ـ عبارة: «وركز على نقد متون الأخبار ------- فلا يرجع إلى صحة الخبر حتى يحكم على الخبر أهو قابل الوقوع أم لا، فإذا حكم العقل باستحالته لا يرجع إلى ضبط الرواة وصحة الإسناد».
قلت= من المعلوم عند أهل العلم إن الأمور الغيبية علم استأثر الله تعالى غيبيته لنفسه، ولم يطلع عليها أحداً من المخلوقين. وهذه الأمور الغيبية لم يقع منها الكثير، بل إن بعضها لا يكون إلاَّ في اليوم الآخر، لأن الغيب يكون في الدنيا، وهناك غيبٌ في الآخرة؛ أمَّا الغيب في الدنيا ربما يقع أو لا يقع، أمَّا في الآخرة فإنه واقع؛ فإذا كانت هذه الأمور الغيبية لم تقع، ولا يستطيع العقل الجزم بوقوعها، فما حكمها عنده ؟
** ** **
وفي ص13- عبارة: «كان يقول الترمذي: صحيح وعليه العمل».
فالذي يقرأ هذا يتصور أن هذا هو قول الإمام الترمذي، أي قال هذه العبارة فقط، والصحيح أن له أخرى، فهو بعد أن يروي الحديث يقول: «والعمل على هذا عند أهل العلم»، ومرة يقول: «والعمل على هذا عند عامة أهل العلم»، ومرة يقول: «والعمل على هذا الحديث عند عامة الفقهاء»، ويقول مرة: «والعمل عند أكثر أهل العلم»، ويقول مرة: «والعمل على هذا عند بعض أهل العلم». وقد اشترط الترمذي أن لا يروي حديثاً في كتابه إلاّ أن يكون معمولاً به عند أهل العلم، واستثنى هو حديثين رواهما وليس عليهما العمل: حديث - إن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر بالمدينة والمغرب والعشاء من غير خوف ولا سفر ولا مطر.
- وحديث: إذا شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد في الرابعة فاقتلوه.
** ** **
وفي ص20- عبارة: «قول القائل: لولا الإسناد لقال من شاء ما شاء».
ولم تبين من صاحب هذا القول، وهو الإمام عبد الله بن المبارك.
** ** **
وفي ص32- عبارة: «المدارس الإسلامية اعتمدت على مركزية الوحي وكلام الله». والصحيح إنها اعتمدت على كلام الله تعالى عن طريق الوحي.
** ** **
وفي ص37- عبارة: «فالإيمان بالتجربة فقط تعطيل لكل المعارف بما فيها التجربة. فلو عطلنا النقل والعقل لما قامت تجربة». فإن قيل لنا فالتقام الطفل الرضيع لثدي أمه كان عن طريق العقل أم النقل؟ أم التجربة؟ أم بالحس؟ وكيف يكون كذلك والعقل والنقل والتجربة عنده مفقودة ! والحس بدون عقل لا تقوم ؟! فكيف إذن قام هذا عنده، وليس له إدراك حقيقي ؟!
وهذا هو نفس الحال يقال على الإنسان الأول ـ قبل آدم عليه السلام ـ فإدراكاته عقلية جاءت بعد النقل أم حسية أم تجريبية ؟!
** ** **
وفي ص53- عبارة: «وكم مرة جاءه القول صلى الله عليه وسلم فيها على غير ما يحبه ويهواه فيخطئه في الراي ». بل كم مرة جاءه القول فيها على غير ما رآه.
** ** **
وص97- الفائدة الثانية - ذكرت «كان بدء الوحي بالرؤيا الصادقة، ثم ذكرت والجواب إنه إنما ابتدئ بالرؤيا لئلا يفجأه الملك ويأتيه صريح النبوة بغتة فلا تتحملها قواه البشرية». فهل هذا القول يعني أن جميع الرسل والأنبياء كانت حالتهم في بدء أمرهم نفس حال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ؟ فإن كان الجواب نعم هو الحال نفسه، فلا بد من دليل على هذا القول، وإن كان على خلاف ذلك فهذا يتعارض مع كون النبي أفضل الأنبياء والرسل وأشرفهم منزلة. فالأمر يحتاج إلى بحث أكثر.
** ** **
وأخيراً - في ص167 حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه الذي ذكرته لم تبين حكمه. قال شعيب الأرناؤوط في تخريج مشكل الاثار ص 3886: إن الحديث ضعيف، وكذلك ضعفه الألباني في ضعيف الترمذي ص3075. وملاحظة بالنسبة لي: فأنا لا آخذ بما ضعفه الألباني من أحاديث، وإنما ذكرته هنا من باب الاستئناس.
** ** **
وبذلك انتهى ما دونته من ملاحظات على كتابكم القدير هذا، وبارك الله فيك على هذا العمل الطيب. أسأل الله تعالى أن يتقبله ويجعله ذخراً لك، ويأجرك عليه عظيم الأجر والثواب، إنه القادر على ذلك.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولك أخي العزيز دكتور منذر أبو شعر المحترم، وفقنا الله وإياك لكل خير، واستعملنا لخدمة دينه ونصرة سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.