عرض مشاركة واحدة
قديم 19 / 07 / 2021, 27 : 06 AM   رقم المشاركة : [9]
هدى نورالدين الخطيب
مديرة الموقع المؤسس - إجازة في الأدب ودراسات عليا في التاريخ - القصة والمقالة والنثر، والبحث ومختلف أصناف الأدب - مهتمة بتنقيح التاريخ - ناشطة في مجال حقوق الإنسان


 الصورة الرمزية هدى نورالدين الخطيب
 





هدى نورالدين الخطيب has a reputation beyond reputeهدى نورالدين الخطيب has a reputation beyond reputeهدى نورالدين الخطيب has a reputation beyond reputeهدى نورالدين الخطيب has a reputation beyond reputeهدى نورالدين الخطيب has a reputation beyond reputeهدى نورالدين الخطيب has a reputation beyond reputeهدى نورالدين الخطيب has a reputation beyond reputeهدى نورالدين الخطيب has a reputation beyond reputeهدى نورالدين الخطيب has a reputation beyond reputeهدى نورالدين الخطيب has a reputation beyond reputeهدى نورالدين الخطيب has a reputation beyond repute

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: مدينة حيفا - فلسطين ( فلسطينية الأب لبنانية الأم) ولدت ونشأت في لبنان

game رد: النصوص المجازة في مسابقة القصة القصيرة والقصيرة جداً للقراءة وتصويت الأعضاء والزو

من أنت يا ابني؟

8-
باختصار شديد جدًا لا يليق حتى بهذا القصّ، اسمه سعيد وليس بسعيد بأيّ حالٍ من الأحوال.
هذا الفتى لا يستحقّ كلّ اسمه ويكفيه الحرف الأوّل منه، كنت على وشك أن أصرخ به أن أناديه بالحرف الأول ياسين، لكنّي انتبهت للقدسية التي ستطغى على دمج أداة النداء وحرف السين، لذا عدلت ولذت بالصبر، تملّكتني الرغبة أن أخاطبه بسعيد الزفت، بيد أنّه ليس مقرّبًا للحدّ الذي يسمح لي برفع التكلفة بيننا إلى هذا الحدّ.
من أين أتى؟ ليس ذو أهمية، هو نتاج عالم عربيّ بات أقرب ما يكون للهاوية، وهو "السعيد" لا يمكنه التخلّي عن جنسيته بحكم لون بشرته القمحيّ والاسم المدوّن في بطاقة اللجوء التي منحت له قبل فترة زمنية قصيرة. عدا عن هذا وذاك، يبقى هذا الرجل أسير سيرته وتقاليده وتربيته المتوارثه، على سبيل المثال "الوقاحة الفائضة واعتبار أنّ العالم مدين له بطريقة أو بأخرى"، لذا يعتقد جازمًا أنّ كلّ تصرّفاته بديهية ومقبولة بل ومباركة.
جلس على رصيف الشارع الرئيس الذي يشقّ قلب العاصمة، هناك في مدخل متجر لصق على واجهته إعلان تأجير وقد أخلته مالكته لأسباب شخصية، لعدم التفرّغ بعد وفاة أختها وشريكتها في إدارة أعمالها التجارية.
ركن سعيد هذا حقيبة السفر في حيّز المدخل الضيّق، تفكّر قليلا وسرعان ما جلب لوح من الكرتون تخلّص منه أحد الجيران وألقاه بجوار حاوية النفاية. سدّ به المدخل ليضفي بعض الخصوصية على المكان الذي سيطر عليه للتوّ.
- هذا مقرّ إقامتي المؤقّت يا أولاد القحبة. صاح سعيد ثمّ أفرغ محتوى حقيبته من ملابس وعلب طعام مجفّف بهدوء وسكينة، بل وأخرج ماكينة حلاقة تعمل بالبطارية وحلق ذقنه. ماذا تتوقّعون من هذا الرجل؟ كلّ شيء بالطبع.
جلس سعيد بجانب المتجر المهجور يتابع حركة السير والمارّة بوقاحة وتحدّي. أفرغ محتويات علبة السردين في وعاء وأخذ يتناول الطعام ببطء والكراهية تملأ نظراته المتّقدة، لم يتوقّف في الأثناء عن شتم العرب والعروبة لأسباب يجهلها هو ذاته.
استبدل ثيابه، ارتدى بنطالاً قصيرًا ثمّ اضطجع على مصطبة مدخل المتجر مشعلا غليونه. بعد قليل حضر رجل أمن وطلب منه وثائقه الشخصية.
ماطل قليلا وتململ لكنّ الشرطي تسلّح بالصبر وأبدى لباقة غير معهودة، عاين وثيقة اللجوء المؤقّتة، دقّق النظر في ملامح وجهه ليعيد له البطاقة ويمضي في طريقه. انقضت لحظات قبل أن يطلق العنان لضحكة هستيرية ساخرة، رفع إصبعه الوسط تجاه الشرطي الذي ابتعد على عجل عن المكان.
- من أنت يا ابني ولماذا تشتم العرب؟ لماذا هذه العدوانية المفرطة؟
لم أسأله عن جنسيته، سيّان أكان عراقيا أو سوريّا أو يمنيا أو غير ذلك. هذه هويات بائسة تبحث عن الخلاص من الهاوية في الهاوية. نعم لديّ رغبة كبيرة لمساعدته بأيّة طريقة ممكنة، لكن من الصعب منحه معالم الغرب الذي يصبو إليه. هو يرفض الانصياع للقوانين المدنية ويعتقد أنّ العالم مدين له، وعلى الآخرين دفع ثمن بؤسه.
- أنا متمرّد، أنا ضحية، ألعنكم جميعًا من دون استثناء، أنا ابن الهاوية.
- ماذا تريد هنا بعيدًا عن بيتك؟ هذه الدولة تعترف بك كلاجئ فقط ولا شيء سوى ذلك. أنت نكرة. سيقدّمون لك لقمة تعيش لكنّهم سيحرمونك هويتك وسيحكمون قريبًا على أحلامك وطموحك. بالمناسبة هل لديك أيّ طموح؟
- أنا قادر على صنع المعجزات.
- لهذا حللت في مصطبة المتجر! ما ذنب صاحبته؟
- أنا لا أعرفها ولا يهمّني أمرها، هي قادرة على تحمّل إقامتي هنا لأيام.
لم أناقشه بعد ذلك في المصير الذي يبحث عنه، كنت على قناعة من أنّه عابر سبيل، هارب من التيه إلى تيهٍ أكبر. في وقتٍ لاحق حاول هو ومتسكّع بريطاني مدمن على المخدّرات تحطيم زجاج المحلّ لاستخدامه مأوىً لهما مع انخفاض درجات الحرارة واستمرار هطول الأمطار الغزير، لكنّه أصيب بجروح خطرة في ساقه نتجت عن تطاير الزجاج وانغراس قطعة كبيرة منه في ساقه. بالكاد أنقذوا حياته في مستشفى الطوارئ. حاول بعد ذلك العودة لمكانه المألوف، لكنّ دورية أمن أخطرت صاحب المحل، وسرعان ما طرد من المنطقة.
لم يجبروه على دفع تعويض، لم يتعرّض لإهانة، وسرعان ما انتقل لمكانٍ آخر بعيدًا عن مركز المدينة ليمارس يومياته العابثة المفرغة من أيّ معنى. صادفته لأكثر من مرّة في أقبية مترو الأنفاق وأمام قصر العدل. كان يحاول الاغتسال وتنظيف ما تبقّى لديه من أسمال قديمة في حقيبته في مياه النوافير المنتشرة في الأرجاء. فاجأتني رائحته الكريهة مؤخّرًا، لم أعهد ذلك منه وقد خانته الوسامة التي ميّزت بشرته القمحية حتى اللحظة، بشرته تميل الآن لسمرة قاتمة تحت ثقل الأوساخ المتراكمة على جسده. هو بالطبع لم يشعر بما آلت إليه حياته، لأنّ انهيار حالته الفيزيائية تدريجي، حدث ذلك يومًا بعد يوم. في البداية فقد حقيبة السفر، ثمّ سترته وقريبًا سيفقد ألقه وكرامته وربّما عذريته.
- من أنت يا ابني؟ لماذا لا تعود أدراجك إلى العراق؟ لماذا لا تعود إلى مصر أو لبنان أو اليمن أو أيّ جهة عربية أخرى؟
عندها ذرف دمعًا سخيًا وصاح: نعم أريد أن أعود. لكنّ الوطن ينكرني ويصعب عليه التعرّف عليّ. أنا لست أنا ولست الرجل الذي كنته هناك. فقدت هويتي عندما تخلّيت عن البوصلة، حسبت الغربة مجرّد غرابة تنتظرني لتلفّني بمعطفها السخيّ، فإذا بها تسرق ما تبقّى لديّ من دفء. أنظر ما حلّ بي، لم يمضِ سوى شهر على عبوري الأسلاك الشائكة لحدود هذا البلد! ظننت بأنّي قادر على امتلاك رصيف. هل يمكن لشخصٍ ما أن يمتلك رصيف؟ حتى المتسكّعين من أبناء هذا البلد يعرفون حدودهم وينزوون في أركانٍ منسيّة بعيدة عن أعين المارّة. أمّا أنا فحسبت نفسي عنترة مزهوًا بعنفواني، لتنتصر عليّ كسرة زجاج كادت تقطع شريان قدمي. أنا التافه، أعرف أنّ رائحتي كريهة، مع أنّي أحضرت زجاجتين من العطر الشرقيّ، فقدتهما هنا وهناك. المتسكّعون إخوة ويعتبرون أملاكنا مشتركة، لكنّهم يا سيدي لا يستخدمون العطر. تخلّصوا من العبوتين من دون تردّد. تجمعنا الرائحة النتنة التي تستفزّ الأعصاب وتطرد رجال الأمن بعيدًا عنّا. هذه فلسفة التسكّع والعبثية. في الطريق إلى الغرب فقدت شرقيّتي ولم أنلْ سوى شرف التشرّد على الطرقات. أراقب الجميلات يعبرن الطريق على عجل، يلقين بنظرة استخفاف ويمضين. لم يشفع شبابي وسمرتي عندهنّ. رمت لي إحداهنّ بقطعة نقد معدنية. شعرت بالإهانة لكنّي انحنيت على الأرض وتناولتها، أتعرف لماذا؟ لأنّي يا أبتِ شعرت بالجوع يهرسني يطحنني. اشتريت مع صاحبي المتسكّع المدمن شاورما من مطعم عربي. أتعرف؟ لو تحدثت بالعربية واستجديت الطعام لحصلت عليه مجانًا. لكنّ ما تبقّى لدي من كرامة حال من دون ذلك. أعدك بالتخلّي عمّا تبقّى في جعبتي من أخلاق شرقية نبيلة، سأرمي بها في حاوية النفايات.
يا إلهي! أنا الآن أستلقي بالقرب من الحاوية وقريبًا سأبحث عن الفتات في جوفها. أما تزال راغبًا بمعرفة هويتي، واسمي، وعنوان منزلي في العراق أو سوريا أو اليمن؟ لا أخفي عليك سرًا، لقد نسيت عنواني أو تناسيته، وقد تنقضي سنة أو أكثر لأستعيد شظايا ذاكرتي المكلومة المهدورة، عندها سأجيب على سؤالك "من أنت يا ابني؟" أليس كذلك؟ هذا هو سؤالك الذي طرحته عليّ منذ لقائنا الأول. عندها سأتذكّر وجه أمّي الذي ما يزال يلاحقني.
اِسمع، كان بإمكاني البقاء هناك ومحاولة التغيير.
اِسمع، لم أهرب من قنبلة أو رصاصة أو تعسّف، فقد ألفت كلّ هذا. بل هربت من المستقبل المأفون لأرمي بنفسي في مستقبل مجهول.
اِسمع، أنت ظلمتني حين اعتبرتني ابنًا لك. كم آلمتني صيغة سؤالك "من أنت يا ابني؟". وبعد أن ابتعدت أطلقتُ العنان لدموعي، بكيتُ بحرقة، لأنّ رجلا لم أقابله أبدًا في حياتي ولا أعرفه ناداني في لقائنا الأول موجّهًا حديثه لي بصفتي ابنه!
سامحني، كنت على وشك الانتحار تحت سكّة حديد مترو الأنفاق وما أكثرها هنا، لكنّي سأحاول أن أجمع حطامي، سأحاول أن أسترد شجاعتي لأجيب على سؤالك: "أنا ابنك يا أبي".
توقيع هدى نورالدين الخطيب
 
[frame="4 10"]
ارفع رأسك عالياً/ بعيداً عن تزييف التاريخ أنت وحدك من سلالة كل الأنبياء الرسل..

ارفع رأسك عالياً فلغتك لغة القرآن الكريم والملائكة وأهل الجنّة..

ارفع رأسك عالياً فأنت العريق وأنت التاريخ وكل الأصالة شرف المحتد وكرم ونقاء النسب وابتداع الحروف من بعض مكارمك وأنت فجر الإنسانية والقيم كلما استشرس ظلام الشر في طغيانه..

ارفع رأسك عالياً فأنت عربي..

هدى الخطيب
[/frame]
إن القتيل مضرجاً بدموعه = مثل القتيل مضرجاً بدمائه

الأديب والشاعر الكبير طلعت سقيرق
أغلى الناس والأحبة والأهل والأصدقاء
كفى بك داء أن ترى الموت شافياً = وحسب المنايا أن يكن أمانيا
_________________________________________
متى ستعود يا غالي وفي أي ربيع ياسميني فكل النوافذ والأبواب مشّرعة تنتظر عودتك بين أحلام سراب ودموع تأبى أن تستقر في جرارها؟!!
محال أن أتعود على غيابك وأتعايش معه فأنت طلعت
هدى نورالدين الخطيب غير متصل   رد مع اقتباس