تسلل إلى شرفة رشيد الميموني
اثنان وعشرون وأربعة مائة تدخل بين إطلالات الشرفة وردود المارين بعبير أحرفهم في ثلاث وأربعين صفحة ابتدأت يوم 29/10/2017 لتستمر وما زال الأمل في استمرارها المتواصل مستمرا...
في الشرفة ومنها دائما يخاطب تلك الحبيبة، يوجه لها رسائل حب طائرة عبر فضاءات الأمكنة والأزمنة ، يطلب منها أن تكون في الموعد الذي يريده حتى يبوح لها بحبه على إيقاع كل الفصول وإن كان الحاضر خريفا.. فقد فتح شرفته لأجلها ، والخريف لم ينته لأجلها، ومازال يتمرد على الكلمات ليعلن لها أجمل حب باليوم نفسه، فيقول إن الكلمات قد استعصت عليه تعانده، فتتمنع عليه الأحرف بشقاوة، لكنه يغمض عينيه فيطلق العنان لحلمه ليتخيل حبيبته، ونرى حينها أن الكلمات فعلا لم تطاوعه بل طاوعته بدلا عنها الورود والحدائق والبساتين وقد تحلت بأجمل الحلل، وكأن حبيبته لم تتوصل أو لم ترد على رسالتيه السابقتين، فيأتي بآخر أكتوبر يسهر بشرفته ليلا، يحس هذا الليل سرمديا ، يناجي النجوم والكواكب، تتصارع الأشجان بداخله، فيراها كقيتارة يعزف عليها ألحانه الحزينة، ويسعى إلى حلم كحلم الأطفال حيث يلهو بحقول القمح بين السنابل ويسابق الفراشات، ثم يفتح عينيه عن حلمه، أمام شمس الصباح باسمة لينسج بخيوط أشعتها وشاحا لحبيبته، تلك الحبيبة التي يظل يخاطبها من شرفته دون ذكر اسمها، فتتخيلها واقفة أمامه أو جالسة بجانبه تستمتع بأحرفه منسابة متراقصة حولهما،مشكلة لوحات حب لهما...
لكن أياما ثلاثة تمر، فتبدو عليه الحيرة في الرابع من نونبر ومازال الانتظار رفيقه ، يسائل الصمت ولا يجد غير الصدى ،ومع ذلك، يعيش على حلم أنهما واحد بجسدين مختلفين،فتينع بساتينه على هذا الاتحاد والتجانس ويعود إلى أحلامه التي يغيب فيها حتى تحدثه الطبيعة يوم 16 نونبر مخبرة إياه أن الحب صار باديا على ملامحه وتصرفاته وحركاته حتى صارت هي نفسها تنضح حبا، ويدرك صاحبنا أن الحب الذي يملأ الطبيعة ما نتج إلا عن حبه لكاف المخطابة تلك..
وها أول تعليق على خواطر الشرفة يأتي بتاء تأنيث، فيهرع صاحبنا للرد عليه واستقبال صاحبته بما يليق بها، ومباشرة بعد ذلك ، ندرك أيضا أن حبيبته قد جاءت إليه و ردت عليه ، فجلس يستمع لفيروز والليل يلفه، وكأن فيروز صوت حبيبته يردد :
قد أتاك يعتذر .... لا تسله ماالخبر
وقبل ذلك كتقديم للأغنية كان الصوت الرجولي الذي سعد بحضور حبيبته كأنه هو صاحبه يترنم بقدوم الحبيبة وهو يقول:
جاءت معذبتي في غيهب الغسق..
فتحس أنت أيها المتتبع المتسلل إلى الشرفة أن رشيد هو من لف الليل بعناقه له فرحا طربا بقدوم معذبته،وحديثه إليها مع إصرارها أن تكون معه ما دامت ركبت أمواج البحر دون خشية الغرق، ثم يغيب طيف حبيبته بعد يومين، فصار بطلنا لا يميز بين إن كان يفكر في شيء أم لا،ولكنه صاغ حكايات طفولية وتمنى أن يصير طفلا بعدما صار حبه كل كيانه..
ويأتي الرد الثاني على لسان تاء التأنيث كذلك، لسان يؤكد حب الطفولة، يرد عليه ويعود سريعا إلى أحلامه المستمرة من الليل إلى مابعد الفجر، لكنه حلم يلفه ضباب كثيف لا تتشكل معالمه إلا فجرا مع إشراقة يوم جديد، حين تتشكل ملامح حبيبته أمامه، فيرى أن هذا اليوم الجديد هو مولد لحب أقوى وأجمل.. فنطرح هنا تساؤلا: أمازال يخاطب حبيبته السابقة، أم أن مولد هذا الأقوى والأجمل جاء بحبيبة جديدة؟! ، وتوصد أبواب الشرفة وتسدل ستارها ، ويغيب صاحبها ربما في غياهب الطبيعة والموسيقى بعيدا عن وشوشات الأحرف والكلمات، ليعود بعد عام وثلاثة أشهر، وأيام أترك لكم حسابها.....
يعود بكلمات كأنها معزوفة بصوت العنادل والكروان، خرير شلال، وحفيف أشجار، يخاطب حبيبته التي علمته حب السهر وعشق السمر...، ثم يغيب أيضا صاحبنا رغم رد من تاء تأنيث أيضا، جعلت التاءات ثلاثة، فأصبحنا أمام نون نسوة، ولعله لم ينتبه لهذا الرد،أو أن حبه الذي لقنه حب السهر أتلفه عن كل خبر..
بعد ما يناهز خمسة أشهر، يفتح السيد رشيد شرفته ، ليرد على تلك التاء، ويظل ينادي حبيبته التي لا يجد من طيفها سوى الصدى رغم أنه يحسه قريبا، لكنه يتمنع من أن يقترب منه نازعا رداء الكبرياء..
ويظهر أخيرا صوت رجولي مظهرا إعجابه ببوح الشرفة الذي ما ترك للعشاق بوحا سوى أن يخطفوا من أضواء الشرفة بعض أحرفها.. ويتم تبادل الردود والتعليقات إلى أن يأتي صاحبنا في حالة يأس بعد أن فقد الأمل في عودة معذبته رغم مناداته لها، متسائلا عما إذا كان ما عاشه من قبل وهما وسرابا مادام لا يجد منها ردا ولا حتى صدى، وتتوالى كلمات الإعجاب والشكر، ليعود صاحبنا بعد يومين متأملا عودة حبيبته، التي حسب مرة أن حبها قد ولد في يوم جديد بقوة أجمل، وجمال أقوى... ها هو الآن يطلب منها أن تأتي ليحدثها،ليحكي لها... لكن... ويقارب الخمسة أشهر غيابا مجددا.
ومع شتاء دجنبر يرقب هطول المطر ، ويتابع قطراته منسابة على زجاج نافذته كأنها دمع على خد حبيبته، فيهمس كل شيء بالحب ويؤكد كذلك بلسانه هو وبين شفتيه " وأحب" لكن هذه المرة دون تلك الكاف التي كانت دائما لصيقة بالفعل، غيبها هذه المرة وإن تخيل دمعها وشبه قطرات المطر به، كأنه يسترجع لقاء أخيرا كان بينهما حيث دمعت عيناها.. وتمر الأيام ويفتح صاحبنا شرفته مستسلما للمطر ينعش جسده المحموم، فتلح عليه الزخات بمناداة كاف المخاطبة، وينادي،ثم ينتبه إلى أنه ينادي من هي أصلا تسري في شرايينه دما وهواء وإن كانت لا ترد... وتتوالى على الشرفة بأيام كلمات الإعجاب من العابرين والمتسللات.. إلى أن يأتي صاحبنا في الثامن عشر من يناير متوهجا سعيدا بهمسها الذي وصله وهي تسأله : "أتحبني؟"فيرد؛ كيف لا يحبها وكل ما حوله قد اشتاق إليها، ويضيف هذه المرة بعض أوصافها وقد جعل الليل يلتف بجدائل شعرها الغجري .. ويكتب من شرفته في اليوم الموالي أيضا، فيظهر كأنه على موعد مساء مع حبيبته، ثم كأنه يؤكد لنا هذا الموعد بمساء الغد، حيث كان اللقاء فرنا إلى محياها ، وهفا إلى قلبها بروحه، فاشتد نبضه وتأججت حواسه، وتسربت هي عبر مسامه واحتلته، وسرت في شرايينه... هكذا حين يتفاعل الحب نجد صاحبنا يغني بنشاط مستمر في شرفته، لا يسعى إلى غياب،ولا يفكر فيه، يحب وتعشق مع الشرفة حبيبته، فنقع نحن أسرى لهذا الجمال وهذا الفن والحب والطبيعة حيث كل شيء جميل ينساب برقة من وفي الشرفة.
يبدأ حلمه من جديد بعد أن صار عليها مدمنا خطيرا ...
وبعد تعليق واحد والرد عليه هاهو باليوم ذاته يطفئ حرارة الإدمان بزخات مطرية جديدة معلنا صداقته الأزلية بالمطر، وتعود كلمات الإعجاب والرد عليها كأنها تبادل للتهنئات والتبريكات، فيغني لأميرة بيوم 21يناير 2020،ثم يعود في الرابع والعشرين ليبحث من جديد عن حبيبته مناجيا صمته، مداعبا همسه، ليشكلها من جديد تسري بشرايينه ونبضه وأنفاسه، فيجعلنا نتخيل أنها تغيب عنها، ويرجعها معيدا تشكيلها بلُبّه، أو أنه كل مرة يتخيل حبيبة ويشكلها حسب طقوس خياله بداخله.. وبعد تعليق والرد عليه، وبعد يوم واحد، يأتي الآن مخاطبا حبيبته، مخبرا إياها أن حرفها المنساب في عذوبة قد ارتشفه هو ، فانتشى، وثمل، وعانق الحلم وصارت فصوله الأربعة فصلا واحدا، ثم انصهرت حبيبته فيه وانصهر هو فيها ليصيرا واحدا أيضا كما الفصول، وتأتي التعليقات، ويأتي يوم 26 ليتذكر فيه يوم ترك قيتارته تحت شرفة حبيبته بعد أن أسمعها بعض الألحان ليغادر وقد امتلأ بلهيب أنفاسها. وهمساتها. وتنهال بعض كلمات الإعجاب من جديد، ويمر أسبوع وصاحبنا غائب، ثم أيام تكاد تكمل العشرة فيطل علينا بكلماته، وهو السعيد بيدها تلمسه صباحا كأنها بلسم للجروح،و يطلب منها أن تترك له روحها لتقتحم وجدانه، وطيفها ليلبسه لأن روحه تحتاج إليها..، وبعدها يقارب الأسبوع يأتي الآن وقد فتح عينيه بعدما كانتا مغمضتين معانقا زرقة السماء، لاستعادة طيفها، واستعدادا للاحتفال بقدوم الربيع الذي أهداه الحب مناديا حبيبته لتحتفل معه لعل صدى صوته يصلها رغم بعد المسافات بينهما..
(ترى كم كيلومتر تقدر هذه المسافة؟ وكم طائرة تلزم للوصول إلى الحبيبة وكم باخرة؟ ربما لهذا يحب السيد رشيد الرحلات الجبلية والمغامرات بين الوديان، حتى يصل إليها) ، بعد تعليق واحد هذه المرة يبدو أن حبيبة صاحبنا لم تجب ولم تسمع ولم تعد فصار غاضبا، ولم يرد حتى على إعجاب الرجل بخاطرته الأخيرة رغم عودته بعد عشرة أيام، لأن عودته هذه كانت لتوديع حبه الذي بعد كل ذاك الولع والوله والعشق والهيام والغرام والصبابة والكلف....يخبرنا أنه مجرد سراب ، وأنه الآن يعانق حبا وليدا ينساب كالندى على الورود، فيسترجع من شرفته بسمته الضائعة،...
أيستطيع رشيد نسيان حبه السابق والحياة مع حب جديد؟ أم أن هذه الخاطرة كانت نداء بطريقة جديدة لحبيبته حتى ترجعها غيرتها عليه إليه؟ أم أن رشيد حقا كان يوهمنا بقصة حب وعشق في خواطره السابقة التي نسجها مع شرفته...؟ أ يمكن أن يبني صاحبنا قصة حب جديدة حقا، أم أنه سيعيش على أنقاض حبيبته السابقة وحبه الماضي؟ أم أن كل كلامه في الحب وهم أو شعور بحب آت؟ أم لعل هذا الإعلان متعمد لإثارة غيظ وغضب الحبيبة ؟ أ تكشف كلماته التي سنقرأها فيما بعد عن أجوبة لتساؤلاتنا؟
(يتبع)
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|