02 / 09 / 2021, 11 : 05 PM
|
رقم المشاركة : [1]
|
موظفة إدارية-قطاع التعليم العالي-حاصلة على الإجازة في الأدب العربي
|
الهامش
الهامش
أن تُضرم النار مرة مرة في أيامك؛ يعني أنها الحياة في طبيعتها المتقلبة؛ فلا مجال للاستقرار على حال؛ لأن واقعها بين نعيم
وجحيم؛ فصولها متعاقبة، ولكي تزهر بعد صيف قائظ، وخريف مقتلع، لا بد لها من شتاء راو؛ هكذا هي الحياة تشكيلة متنوعة؛ لوحة مرسومة بمزيج من الفرح والخوف والحزن مؤطرة بالغموض، ولا ضير؛ الانسجام معها مطلوب، لكن الأسوأ أن تعيش فصولها زبدا جفاء.
أن يقبل ذلك؛ فتلك غضاضة، جَوِيَ حالته؛ باعتباره أسيرا في جزيرة الظلم، ولكي يعيد الأمور إلى نصابها؛ كان لا بد له من فترة نقاهة وإن طالت؛ يسافر فيها إلى دواخله عبر قارب الصمت والتأمل؛ لذلك جمَّد كل علاقاته؛ حتى المقربين إليه.
كان قرارا عصيبا لم يتخذه من قبل، يدفعه إلى الأمام ولا يرتد به إلى الخلف، به يستقيم تعامل الآخر معه، ولن يكرره مستقبلا؛ لأنه الخط الفاصل بين ماضيه وانبعاثه؛ تَجددُ صيغة علاقاته، وتحول طبيعته المأسورة قسرا؛ والتي أبت إلا أن تسدل ستار الظلام.
مغبونة، رابضة نفسه، فتح كتاب حياته؛ يحلل المسار الذي اختير له بحكم أنه قضاء؛ وبما أنه غير مُسيَّر رأى أن يقتلع الضرس الذي يوجعه فاكتشف أن جل محيطه يسبب له ألما.
- لا بأس من إجلاء تلك الأضراس، وحسنا فعلت أن فكرت في تشغيل آلة تنظيف حياتي من كل شائبة؛ فالأساس هو راحة البال. قال
شرع في اقتلاع الأضراس المسوسة التي تنخر راحته، وتوالى اقتلاعها فبقي وحيدا.
- لا لا، هذا الوضع لا يناسبني وكيف أقضي بقية حياتي؟ تساءل
- الوحدة قاتلة، وربيع الحياة يكمن في تلك العلاقة بين الناس، لكن الضرر المتأتى من تصرفهم أكبر من أن يحتمل. استرسل
نام ليلته الأولى بعد القرار المتخذ والصراع الداخلي؛ على قرص مهدئ أذاب وجع رأسه.
على تسلل أشعة الشمس تداعب وجهه أفاق، فأل خير نوى في إشراقها، وإن كان هذا الأخير دائما في كل صباح؛ لكن صداع الأضراس حجبه عن ناظريه.
انزوى عمق نفسه؛ انغمس في كتاب حياته مرة أخرى بمنظار واسع عميق شامل، أزاح خطة إقلاع كل الأضراس عن تفكيره، لكن الحيرة تقضم تدبيره؛ عن من يتخلى وكل موجع متروك أو متخلى عنه مهوس؟
رهيف الإحساس أبقى حاله على مآله ، لم يستثني من علاقاته أحدا؛ فالهدم سهل لكن البناء صعب؛ يلزم الوقت والأناة والصبر، والألم في أعماقه مطروح، وقيد الوجع سواء أكان من فرد أم من جماعة؛ على معصم فؤاده محكوم؛ وقد ألهب فتيل القلب المكلوم؛ فخرت له محاجره باكية، فكان لابد من استئصال الضرر؛ دون اقتلاع الأضراس فما الحل؟
بقلب بصير وعقل متقد؛ امتطى صهوة التنقيب، عانق أحضان التفكير العميق الذي طوقه في دائرة المعقول؛ أغمض عينيه فبصر خيط نور؛ كيف غفل عنه في اليوم الأول من اتخاذ القرار؟ ربما كان تركيزه مشتتا أو أنه لم يشعر من قبل بهذا الإحساس الذي يدمره.
الهامش !!.. وما دخل الهامش في هذا القرار؟ بلى، التفكير فيه هو عين الصواب؛ أن تزيل الغبش عن الأنظار فهذا أحسن قرار.
حسنا حسنا أدرك أنك لم تستوعب قولي؛ سأوضح دون إيغال؛ المبهم عن فهمك؛ بإضاءة شفيفة تكشف بها بعد قصدي، ولا أقبل أن تقرأني خطأ ككل مرة؛ فهذا يعني أنك لا تفهمني؛ وأن لا تفهمني فهذا يعني أن عقلك قاصر عن معرفة الحقيقة، وأن تجهل الحقيقة يعني أنك تجهل من أنا؛ وتشرع في بسط أجنحتك التي تتبجح بها أمام الكل، وألا تعرفني يعني أنك في قاموسي نكرة، ميزتك فقط كونك موصول بالبشر.
بهذا المنطق استهلَّ تعامله مع أولائك الفهماء الذين دسُّوا في العقول الفارغة أنهم في الصف الأول من التصنيف البشري، والآخر مطروح على الهامش محتفظ به؛ أداة إغاثة في حالة الطوارئ؛ خاصة في الدقيقة الأخيرة من سقوطهم؛ مرفوع فقط لإعلاء شأنهم؛ شأن الانتخابات، لكن الصفعات المتتالية توقظ من السبات العميق؛ ألم يعزف الناس عن الانتخابات بتقديم المصلحة الخاصة وتهميش الصالح العام؟
كذا نظر إلى حاله؛ لن يقبل أن يكون هامشا تحت السطر، ورأى ضرورة تسجيل هذا الفاصل الأساس في حياته؛ ليموقعه مكانه اللائق به. قرار صائب نام ليلته على إثره مرتاح البال دون مهدئ، وأفاق وفي نيته أن يتحاشى كل من ينظر إليه دون قيمته؛ لأن تمام العمى السكوت عن الضرر، وما جدوى العقل إن لم يحرك ساكنا، ويوخز من عن الحق نائما.
كان تصرفا مغايرا لم يعهده أحد منه؛ لإخلاص حبه للناس ونيته الطيبة التي تكاد تستحيل سذاجة.
طبعا لن يستوعب بسهولة تصرفه المفاجئ؛ القريب قبل البعيد؛ فهذا القرار قاسيا لم يألفه الآخر، ويحتاج إلى مكابدة كبيرة لتقبله، فقبح النظرة إليه وانعكاسها على شخصيته جعله يبدو غريبا، وتنقلب رقته قساوة؛ على الأقل إلى حين استكمال الجدار الفاصل بين السطر وما تحته؛ فالبذرة التي يحاول زرعها في الأذهان ستستحيل حتما نظرة مجددة عن شخصه النموذجي؛ الذي لم يركن أبدا في المستوى السفلي إلا في العقول المريضة.
شرع يعبئ العقول القاصرة بفكر نقي، ويدمجها في مناخ حصيلة انفعاله ورغبة نفسه العادلة، ويطهرها من شوائب علقت بها جراء الشعور بالكمال؛ وهو صفة لن يسعد بها على كل حال؛ بني الإنسان، وهذه الخطوة من الخطة المقررة؛ بداية بناء أساس مطلق يزيل غبش العيون عن حقيقة شخصيته؛ التي ترفض أن تصنَّف هامشا.
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|
|
|
|