رد: كُنت معه/سلسلة قصصية بقلم عروبة شنكان
8
• "كنوز مُعارضة:
تابع قراءة الأخبار الكترونيا، لم يبق سوى النشرة الجوية هاهي تظهر أمامه الجو غائماً جُزئيا، أوائل الخريف والحرارة تميل للاعتدال وتسافر في المدى أوراق الحور وتتلون الدروب والأرصفة بألوان أوراق الشجر الواحات مُغطاة بألوان الأصفر والأخضر والأحمر والقرمزي المُدهش، لم يتبقى في جعبته سوى ذكريات أيلولية عن عمرٍ مضى!حمل أروع الصور، وأبهى الحُلل.
هناك عند إحدى جُزر المالديف، حيث التقاء المحيطين الهادئ بالهندي، وحيث شرق الكنوز الأسيوي كانت"كاريس"مُستلقية على شواطئ الحكايات المثيرة، ترقبه وهو يقرأ في أبراج الفُلك التي لا يؤمن بها لا شك بأن أخبار هذا الصباح لم تُعجبه، كما طلتها التي لم يُعرها أي اهتمام لقد آثرت الإنزواء بعيدا عن مساحة عينيه حتى لاتُثير ضجره من مظهرها بملابسهاالمُثيرة، إنه يكره التحديق بتفاصيل جسدها المكتنز، تماماً كما كُرهه لعناوين الصحف التي تكتنز الكثير من الأنباء التي تُشتت التفكير!
ـ حاولت إثارة انتباهه بإلقاء تحية الصباح، ما إن همّ بإلقاء التحية بأحسن حتى فاجأه مظهرها الفتي وهي في عقدها الرابع مازالت ابتسامتها مُشرقة..ومازالت في أوج حيويتهاـ كان يلمحها مع صديقاتها في بلدته فتاة مرحة تحب السفر، والاستمتاع بفصول السنة، عند شرائه كوخاً صغيراً على سواحل إحدى جزر المالديف كانت إحدى المدعوات لحفل شرائه وتوقيع العقد الخاص بشرائه..
ـ خمسة عشر عاماً مرت، وماتزال تحمل في نظراتها أحلى معاني البراءة والعفوية، أحبها وأحب عفويتها وعذب عباراتها، ورقتها جذبه أناقة حضورها ولون ابتسامتها الصافي، كانت جديرة بأن تكون زوجه تشاطره حياته ومسكنه وتنعم برغد العيش وتتمتع بما وهبه الله من ثروة ونِعم! غير أن القدر أقوى والسنة الحاقدين ونظراتهم جعلت من الصعب أن يلتقيا فينعما بحياة هانئة!
ـ اِقتربت منه تحييه، ابتسم لها، ثم رد تحيتها بلباقة تامة ودعاها لرشف فنجان من القهوة على وقع تلاطم الموج مع سواحل المالديف الثرية وجهة عشاق الطبيعة في فصل الخريف، قدم لها القهوة وهو يستهل جلسته بالحديث عن الأوضاع التي آلت إليها في وطنه، وما هي الفترة اللازمة لنسيان ما يمر به المرء من محن وخطوب ومشاكل وهموم.
ـ كانت"كاريس"تمتلك من الذكاء والدهاء ما يجعلها قادرة على الإلمام بما يجري حولها وفهم الأمور والمواقف فتتعامل بحنكة وتأني، الحكومة تعيد تشكيل نفسها، والانتخابات حل موعد استحقاقها، أما مشكلة المياه مازالت قائمة!الأهالي يعانون من قطعها في ضواحي الشمال، أما على السواحل الغربية مد وجذر!حر ورطوبة، والكثير من المفاجآت الصاخبة، حاولت تلخيص مختلف ما يعصف بوطنها أمامه بإيجاز بالغ ردا على تساؤلاته أما من ناحية النسيان لا يوجد فترة معينة يجب التعلم وأخذ العِبر من الأحداث التي تمر في المنطقة.
ـ كانت موجه حارة عصفت بالبلاد أحداث ساحنة، وتحولات على محاور عديدة، دول الجوار تعبت من استقبال اللاجئين، تأزم في وجهات النظر الدولية، هناك تبدل في الوجوه في مختلف الساحات وعلى مختلف الأصعدة والمستويات.."مراد"لايحب الخوض في المواضيع السياسية كثيراً هو متابع جيد لما يدور حوله يترك للطرف الآخر حرية إبداء الرأي، ولايعمل إلا برأيه عليه الانتظار قليلا حتى تهدأ موجات المد والجذر ليعود إلى وطنه الذي يعاني من أزمات حادة!
ـ نظرت"كاريس"إليه ملياً، مازال مراد كما عهدته، وسيماً، جذاباً، لايحب التحدث كثيراً، مازال يعشق الحرية يعيش فوق صهوتها فارساً مُتكبراً، يحيا تفاصيل المغامرات بل أكثر إنه وفيٌ لساعات وحدته الطويلة، قارئ نهم حازم، لايحب المزاح عكس شخصيتها تماما، إنه يحمل في صفاته كل ما هي بعيدة عنه من جدية وصرامة لكنه معجب بها، كأنها قمر سقط من السماء فاستمال منزله وسكنه، هنأ باله وارتاح فؤاده لكنه حائر بين أن تكون برفقته أو بين أن لاتكون، مرت أعوام على صداقتهما وماتزال طلتها تحيي في نفسه الكثير من الآمال، هو يرتاح لرؤيتها وهي كذلك دون شك، ها هو يتأمل وجنتيها، وقدها لكنه حائر جداً سيكون الزواج مشكلة له، إنه كما الفينيق يحب أن يحلق في الأعالي، ولايرغب في أن لا يتعب أي إنسانه معه..
ـ مر بتجارب زواج فاشلة مرات، ومستعد لأن يخوض هكذا تجارب مرات أخرى!لكنه لايريد أن يمر معها بأي تجربة قاسية..سيبقى ينتظر طلتها كما كل زيارة إلى هذه الأماكن الخرافية التي تُسحر اللب والقلب، سيبقى يهديها ياسمين قلبه كما هي ستبقى تبادله المشاعر ذاتها، وستهديه جوري الحقول، وأقحوان الغابات ستحب السياحة في فصل الخريف وستحب السباحة ورشف القهوة وتجاذب أطراف الحديث معه، ستزوره كلما سنحت لها الفرصة بذلك، ستبقى وفيه لمقعدها أمامه، لن تقلق من التقدم بالعمر سيكون بجانبها لقد أخبرها مراراً بهذا الأمر.
ـ انتصف النهار، عليها العودة إلى الفندق الذي يبعد عن منزله بضعة مترات، لكنه أصر على بقائها برفقته يتناولان الغداء سوية، يمارسان هواية السباحة، يلعبان الغولف، يصطادان السمك، يتنزهان في غابات وجزر المالديف ثم يقومان بنزهة بحرية على متن يخت بعدها يعودان لأمسيات الخريف الساحرة يستمعان للموسيقى ويشربان الشراب.
ـ مضى ما مضى من نهار الصديقين الحميمين، استمتعا بكل ما حبى الله الطبيعة من جمال، مارسا طقوس الخوف من الإبحار وسط مياه المحيطين باتجاه الجنوب لم يدريا كيف دخلا هذه المدارات الخطيرة هي منطقة صالحة للملاحة الجوية بامتياز، ويفضل الإبحار بتأني وعدم الصعود إلى أعلى اليخوت أو السفن المُبحرة، وسط بهجة رحلتهما قررت التقاط الصور لمياه المحيط صعدت إلى أعلى اليخت لالتقاط بعض الصور للمحيط شعرت بدوار بسيط لكنها لم تعره أي أهمية واصلت صعودها السلم المؤدي لأعلى اليخت المبحر بحرية وهدوء، سرعان ما ارتعشت يداها عندما داهمتها طائرة مبحرة من اليابان باتجاه الجنوب الافريقي!
ـ ارتطم رأسها الصغير الغني بأفكار كانت تأسره برياح الجنوب، عاودها الدوار، نظرت إلى الأعلى بدا لها جسم الطائرة التي تحلق على مسافة قريبة جدا من أعلى اليخت وكأنه يدور! رويدا رويدا كانت تبتعد عن منطقة الإبحار، تفقدها"مراد"صعد إلى أعلى اليخت ليفاجئ ب"كاريس"وهي مُلقاة أعلى اليخت والكاميرا إلى جانبها حملها سريعاً إلى داخل اليخت، كانت على وشك الإغماء لولا العناية الإلهية، تحسن وضعها قليلاً وزالت الرعشة نظرت حولها لاتدري ما الذي حصل كأنها كانت في دوامة، ثم تولى مراد عملية الاهتمام بها فقدم لها قدم لها كأساً من عصير الليمون، ساعدها على شربه ما إن استقر وضعها حتى شعر بالتعب وبدأ النُعاس يداهِمُ عينيه، فأغمضهما واستسلم للنوم بكل أمن وسرور
ـ مضى ساعتين على نوم الصديقين، بدأت السماء تعصف ثم أمطرت، استيقظت"كاريس"على وقع صاعقة دوت في الآفاق، شعرت بتحسن طفيف ابتعدت عن صديقها الذي أضناه النعاس ثم توجهت إلى الحمام نظرت إلى وجهها المتعب الشاحب، لاتعلم لم حل ما حل؟!غسلت وجهها، ثم نزلت من السلم مغادرة غرفة
النوم وفي نيتها تحضير مائدة عشاء فاخرة لصديقها الذي أنجدها من خطر حقيقي كاد أن يودي بحياتها!
ـ بدأت بتحضير أطباق من السلطات البحرية وأخرى من الأعشاب والخضار، إضافة لعدد من أصناف المُقبلات، فاجأها عامل اليخت بطبق من السمك المشوي، ثم بدأ بتهيئة مائدة الطعام معها بدون عُجالة ريثما يصحو من النوم"مُراد"الذي تعب من أحداث يوم طويل انتهى بإغماء"كاريس"!
ـ مضى ما مضى من الوقت، تجاذب"عامل اليخت وكاريس"مختلف أنواع الأحاديث حول الأسماك وكيفية صيدها، وحول المناخ والجو في مناطق المحيط الهادئ والأطلسي، شعرت"كاريس"بالقلق نهضت لتتفقد صديقها الذي تأخر عن مائدة العشاء!نهضت بتثاقل كبير لتصعد إلى الطابق العلوي من اليخت، نظرت إلى غرفة النوم شعرت بصمت مخيف، كان"مراد" مُمدداً فوق سريره بشكل غير طبيعي، فوق بطنه بقع دم ويتنفس بصعوبة، ما إن صرخت مصدومة من هول المشهد حتى صعد إليها مُسرعاً"عامل اليخت"الذي سارع لطلب النجدة من خفر السواحل الذين أرسلوا المسعفين والأطباء على الفور..
ـ تم نقل"مُراد"إلى أقرب مركز طبي، تم تجهيزه لاستقبال الحالات الطارئة، حيث أُدخِل إلى غرفة العمليات وعلى الفور قام الأطباء بعمل فحص طبي شامل له، تم تقييم الإصابة بأنها ناجمة عن طعنة تلقاها وهو نائم لم يتمكن الدفاع عن نفسه، ثم قامت ممرضة في مُقتبل العمر بمسح الدم عن جسده ليتم إجراء المناسب كانت"كاريس" متوترة وقلقة خارج غرفة المستشفى مابين دامعة تتضرع إلى الله أن ينجي صديقها ويعود سالماً ومابين يائسة قانطة تبحث عن طبيب يشخص لها الحالة..
ـ بعد حوالي الساعة خرج الجمع الطبي من غرفة العمليات بدون إعطاء أي معلومات عن الوضع الصحي للمصاب، تفقدت"كاريس"عامل اليخت الذي تغيب عن المشهد منذ أن تولت سيارة الإسعاف نقل"مراد"إلى المستشفى لم تره، عادت لترى الممرضة تنقل مراد إلى العناية المشددة، وهو مايزال تحت تأثير المُخدر، نظرت إلى الممرضة كانت تبدو متعبة، حاولت الاستفسار عن وضعه لكنها لم تنبس بأي كلمة وهكذا بدأ التحقيق بمحاولة اغتيال"مراد" وسط الظروف التي تمر بها البلاد، بعد كل هذه السنين تعود فتلتقي به"كاريس"ثم يتعرض لمحاولة اغتيال فاشلة، قبلها تعرضت هي شخصياً لمحاولة اغتيال لم تتمكن من إخبار مراد بها، عندما اِقتربت الطائرة منها فوق مياه المحيط!
ـ مضى يومان استعاد بهما"مراد"عافيته، لم يستدل خلال ذلك على المجرم فهو لم يترك أي أثر يدل على هويته، ما إن تمكن من الكلام عاد المُحقق ليلتقي به ثانية، لقد كان عامل اليخت هو الجاني الذي أراد التخلص من مراد، فهو لم يكن سوى أحد المعارضين الذين استدل منهم على مكان مراد كانت المفاجأة وجود"كاريس"إلى جانبه وهكذا تم إحباط محاولة اغتيال المعارض"مراد"الذي لم يعر السياسة بالا أمام صديقته"كاريس"يوماً من الأيام، لم يتم إلقاء القبض على عامل اليخت الذي اختفى بين الجزر والشعاب أو ربما خلف السهول والوديان.
ـ عادت"كاريس" إلى وطنها الذي كان يشهد توترات متعددة التيارات، صواريخ من الجنوب إلى الشمال ومياه مقطوعة في أقاصي الشمال الشرقي وراجمات صواريخ على سواحل الشواطئ الغربية، بينما "مراد"آثر الابتعاد ورفض كل منصب عُرض عليه، ليكون المعارض الأفضل الذي رفض التنازلات، ووقف أمام الخطأ ولم يزل!
|