رد: القلاع والأبراج في فلسطين(من مواد الموسوعة الفلسطينية-القسم الأول-المجلد الثالث)
عِمارة القصور والقلاع في فلسطين في القرنين الثامن والتاسع عشر
شكّلت القصورُ والقلاع والبيوت الفخمة في القرنين الثامن والتاسع عشر علامة مميزة في التاريخ الفلسطيني، ومن المعتقد أن مجموع قرى الكراسي (السيطرة والحكم) في منطقة الجبال الفلسطينية الوسطى في ذلك الوقت، قد بلغ حوالي 24 قريةً تقف على رأس كل قرية منها عائلة ذات جاه وتاريخ، استطاعت بسط نفوذها على عدد من القرى المحيطة "الناحية" (وهذه العائلات هُم مُلاك وقاطنين لهذه القصور والقلاع)، من خلال رجل تمتّع بجاهٍ وسلطان سمي "شيخ القرية " أو " شيخ الناحية".
شكّلت هذه القصور والقلاع أهمية عمرانية كبيرة في البلدات الفلسطينية لارتباطها التاريخي بنفـوذ هذه العائلات الإقطاعية في فلسطين، وما واكب ذلك من مظاهر الرفاهيـة والزعامة التقليدية والوجاهة التي حظيت بها هذه العائلات، والثروة التي جمعوها كملتزمي ضرائب. كما تعبّر عمارة القصور عن وظيفتها كمبانٍ للحكم والإدارة؛ ووضع العائلة السياسي كحكام في قرى الكراسي والمناطق الخاضعة لسيطرتهم؛ فالقصور اتخذت شكلَ القلاع الحصينة، وتم بناء الأسوار وأبراج المراقبة والحراسة حولها، ويحيط بها جنود للمراقبة لزيادة الحماية والدفاع ضد هجمات شيوخ النواحي الآخرين.
وكان هذا الشيخ (مالك القصر أو القلعة)، والذي عرف كحاكم إداري وعسكري أكثر منه ديني، في تلك القرى مكلفاً "ملتزما" بجمع الضرائب من ناحيتِه باسم السلطة العثمانية المركزية، الأمر الذي أعطاه عزوة وثروة عكست نفسها عبر بناء قصر/ قلعة في قريته، تعكس أُبهةَ الحكم وتشكل له حصناً عند تهديد سلطته من قبل الشيوخ المنافسين الطامعين بمناطق نفوذه، أو تهديد السلطة المركزية إذا ما تناقضت المصالح، كما تشكل له الحماية من الغزاة الأغراب، كما حدث خلال غزو إبراهيم باشا ابن محمد علي لفلسطين سنة 1831، حيث جرت مواجهات عديدة بين شيوخ قرى الكراسي وبين جيوش إبراهيم باشا أدّت إلى تدمير عدد منها.
يقول عبد الرحيم حمران مدير دائرة تطوير المواقع في وزارة السياحة والآثار الفلسطينية "أن العائلات لعبت دوراً سياسياً وإداريا هاماً في نهايات الحكم العثماني بعد أن ظهر ما يعرف بنظام العائلات الملتزمة للدولة العثمانية، حيث أُوكلت لها مهمة إدارة المناطق الخاضعة إليها فيما يتعلق بالضرائب وغيرها، وكانت هذه العائلات تتنافس مع عائلات أخرى على السيطرة والنفوذ، ونتيجة للثراء والنفوذ قامت هذه العائلات ببناء قصور وقلاع لها في الأرياف الفلسطينية".
إن غالبية القصور/القلاع التي شُيدت على سبيل المثال في قرى الكراسي (السيطرة والحُكم) مثلاً في : دير إستيا، شُوفة، ذنّابة، صانور، كور، عرّابة، سبسطية، بيت وزن، نعلين، راس كركر، وإرطاس كانت تربطها صلةٌ ما بحياة المدينة وذلك من خلال الربط المعماري بين القرية والمدينة، حيث أن شيوخ النواحي شكّلوا تحالفات مع المدن وقلّدوا حياة المدينة في قصورهم، وبنيت معظم هذه القصور/القلاع على رؤوس التلال، وتكوّنت في الغالب من دورين أو ثلاثة كما في قرى عرّابة، شوفة، ذنابة، كفر اللبد، صانور، بيت وزن، نعلين، رأس كركر وسبسطية، ويُلاحظ أنها قد صُممت أغلبها بمواصفات دفاعية عسكرية، إذ لطالما كانت هذه القلاع تؤدي وظائفَ متشابهة، غَلَب عليها الطابعُ الدفاعي، لما كانت تعيشه البلاد في ذلك الوقت من صراعات بين شيوخ النواحي امتدت لأكثر من ثلاثين عاماً في القرن التاسع عشر. وتتبع معظم القصور والقلاع في قرى الكراسي، التقسيماتِ الوظيفيةَ العامة مع بعض الفوارق البسيطة في بعض الأحيان في الشكل المعماري سواء في التكوين أو التخطيط.
*** *** *** *** *** *** *** *** ***
(1) المصدر : موقع آفاق البيئة والتنمية الإلكتروني – مجلة إلكترونية تصدر عن مركز العمل التنموي (معاً) - تحت عنوان مقال : عمارة القصور والقلاع في فلسطين .. معالمٌ معمارية مُتميزة (في 01 أيار 2020).
(2) قرى الكراسي : وهي تلك القرى التي أقيمت فيها القصور والقلاع في فلسطين، وكان الهدف من هذه القصور والقلاع والتي بُنيت في القرنين الثامن والتاسع عشر هو بسط النفوذ على كامل القرية (او القرى المحيطة بهذا القصر من قبل ساكنه) ولإظهار مظهر الرفاهية والزعامة التقليدية والوجاهة من قبل مالكه؛ وكذلك فقد عُرف (مالك هذا القصر) في قرى الكراسي بأنه حاكم إداري وعسكري مُكلف بجمع الضرائب من أبناء قريته أو القرى التي يسيطر عليها باسم السلطة العُثمانية المركزية.
|