الموضوع
:
مذكرات طفولية
عرض مشاركة واحدة
06 / 08 / 2022, 43 : 10 AM
رقم المشاركة : [
14
]
خولة السعيد
مشرفة / ماستر أدب عربي. أستادة لغة عربية / مهتمة بالنص الأدبي
بيانات موقعي
اصدار المنتدى
: المغرب
رد: مذكرات طفولية
اقتباس
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة خولة السعيد
لم أكن أعرف غير مكتبة ابا خلافة، ومكتبتين صغيرتين أيضا سريعا سدتا أبوابهما ، كنت اشتريت من واحدة منهما وأنا بالخامس ابتدائي " منجد الطلاب" وأدوات أخرى، لا أذكر إن كان لهذه المكتبة اسما معينا أم أنها مكتبة بلا عنوان. كان صاحبها قوي النظرات مرعبها، شديد اللهجة مخيفها، تشعر به أو كنت أشعر به وأنا طفلة حينها كأنه يطرد زبناءه بطريقة كلامه ونظراته المخيفة، و ربما هذا ما كان يبدو لصبية مثلي تهوى الابتسامات.. أو على الأقل لباقة الكلمات.
أما مكتبة المعرض الدائم للكتاب فهي مكتبة خاصة ببيع الكتب واللوازم الدراسية ولكنها كانت خاصة بي أيضا وأنا لا علم حينها بوجود مكتبات عمومية.
لا أعرف كيف سكنتني مكتبة المعرض الدائم للكتاب أو سكنتها أو ربما دللني با خلافة حتى صرت أطمع في قراءة كتب من مكتبات أخرى.
مكتبة عمي موسى كما كنا نسميها أخواتي وأنا في أحايين كثيرة؛ غالبا لأن موسى هو أحد أصحاب المعرض الدائم للكتاب وقد كان ولا يزال بمثابة صديق لأبي.. ولهذا السبب أيضا كانت البداية التي لا أذكرها، ما أجد الآن أمامي من الذكريات هو أنه كلما طُلب منا موضوع إنشائي ما وأحيانا مجرد بحث صغير عبارة عن تمرين مثلا ، أفكر في كتابة شيء مميز، مختلف بعباراته وتعابيره، أجد نفسي أمام عمي موسى وأحيانا " اسي سعيد" أخوه الذي كنت أخشى أن أعلمه بحاجتي ،حيث كان يتملكني شعور أنه غير راض عن وجودي بالمكتبة؛ نظراته تجعل عيني لا تفارقان سطور الكتاب إلا إذا اتجهتا مباشرة صوب العناوين المتراصة بالرفوف ، ومع ذلك الإحساس الذي كان ينتابني إلا أني كنت أعود مرة أخرى، فأقول لمن أجده أمامي غيره طبعا :
" إني أريد كتابا يتحدث عن كذا وكذا " فيطلب عمي موسى من أحد العاملين معه مرافقتي لاختيار كتاب من بين عناوين انتقاها هو، وأحيانا يشير إلى عنوان واحد فقط، فآخذ منه ما أراه يهمني، وكنت أطيل المكوث بالمكتبة، أحيانا أقرأ عناوين الكتب، وأحيانا يثيرني كتاب فأفتحه لقراءة فهرسه، أو صفحة من صفحاته، وأنا كما قلت قبلا ، لم أقرأ كتابا ضخما كاملا من قبل ،ولكني آخذه لتفحصه وقراءة بعض أسطره أو صفحاته إن تعلق بي الكتاب ( ابتسامة).
كنت وأنا ألامس الكتب أسترق النظرات لأرى إن كان أحدهم يراقبني، فلا أرى أحيانا غير العم سعيد وقد سكنت الكتب بعينيه كأنه يخشى عليها مني ، لطالما كنت أتأخر هناك إلى الوقت الذي تكاد تغلق المكتبة فيه أبوابها،فيقول لي عمي موسى:
" خذي الكتاب معك ، لكن أرجعيه نهار الغد إن شاء الله" وتداعبني بسمة انتصار فأعانق الكتاب والسعادة تغمرني، وفي أوقات كثيرة أصل إلى بيتنا قفزا، هذا طبعا إن لم يكن أبي قد لحق بي إلى المكتبة ، أو ترسل أمي أحدا ليتفقدني ...
عندما حسبت أن الجميع حتى عمي سعيد قد صار يألف وجودي بينهم، صرت أكتفي بالتحية، وإخبارهم أني سأذهب إلى الكتب مباشرة، وهذا يعني أني لن أشتري وإنما فقط سأقرأ، وطبعا من رآني دخلت أحمل قلما وأوراقا أو دفترا يفهم أني جئت للسكن مجددا بالمكتبة ، ويا لحماقتي حين يستفزني كتاب بعنوانه، ويكون الكتاب عاليا جدا، فأطلب من أحدهم أن يمدني به فقط رغبة في تصفح وريقاته والاطلاع على فهرسه ، والكارثة هي حين لا يقبلني الكتاب ولا أقبله بعد أول تصافح بيننا، أرجعه لهم مباشرة كي يأتوا بالسلم مرة أخرى فيعتلوه ليعيدوا الكتاب إلى ركنه...
أيام الابتدائي لم أشتر غير القصص وكتاب " من كنوز السنة" وكتاب أناشيد مرفقا بكاسيط بعنوان أركان الإيمان إضافة إلى كتاب علمي (موسوعة جسم الإنسان) ، كتاب من جزئين لتراجم الشعراء والأدباء والمفكرين،و عناوين أخرى قليلة
كنت أتوق دائما لشراء القصص ، لكني لم أكن أجد غير قصص الأطفال ، ما إن التحقت بالإعدادية حتى وجدتني مللت قصص الأطفال وأريد قصصا للكبار ، من كان بسني من أبناء العائلة الذين كنت أتبادل معهم أحيانا القصص، أو إن كنت ببيتهم آخذ لي ركنا عندهم لقراءة قصة أو مجلة ، ليس لأي منهم قصص لغير الأطفال .. بالمعرض الدائم للكتاب لا أجد غير قصص الأطفال ، حتى أدركت أني حرمت هذه المتعة، طيلة سنوات الإعدادي الثلاث لم أقرأ قصة إلا إذا كانت بالكتاب المدرسي...
لا أذكر من ذاك الذي كان قد قال لي ( أنت كبرت على قراءة القصص، اقرئي شيئا آخر، القصص للأطفال فقط) ، وكنت أشعر بانقباض حينها ، ولما لا أجد شيئا أفعله، أو إذا أردت البحث عن موضوع ما ألجأ إلى مكتبة المعرض الدائم للكتاب ، فلا أراني إلا قد عوضت نسبيا فقدان القصص بتأمل كتب من نوع آخر.. صرت فيما بعد أتفهم نظرات اسي سعيد لي خوفا على كتبه .. إن المكتبة بيته الأول، يقضي فيها حياة لا يعيشها بين أسرته، يرعى الكتب كأنها هي أبناؤه... بعد فترة صار اسي سعيد يألفني ... بل وييسر لي اقتطاف بعض الكتب وشرائها.. إلى أن وجدت أخيرا بعض الروايات أو المجموعات القصصية بالمكتبة بعد أن كنت اعتدت شراءها من أماكن أخرى ، ولعل أول رواية أخذتها من المعرض الدائم للكتاب هي نزيف القناديل لمحمد غلمي، وأول مجموعة قصصية كانت هي مؤنس العليل لمحمد أنقار...
شكرا أهل المعرض الدائم للكتاب
أما ما يمكن تسميته بالمرحلة الثالثة فلعل المكتبات لم يكن لها فيه دور وقد تأتي مرحلة من المراحل أذكرها سببت ابتعادا عن كل قراءة ...
24 أبريل 2022
بعد أن التحقت بالثانوي عانقت الرواية أول مرة، قد يستغرب عدد كبير من الشغوفين بالقراءة، كيف يمكن لمن يدعي حب القراءة ألا يعرف أن هناك شيء اسمه الرواية في مرحلة عمرية أقل؟!!
لكني فعلا أول مرة أمسك رواية وأعانقها _ بعد أن أقلعت عن قصص الأطفال أو النص السردي عموما لمدة تجاوزت ثلاث سنوات_، أما النص الشعري فكنت لا أقرأ غير نصوص المقرر الدراسي التي غالبا ماكانت تعجبني جلها، وأحفظ بعضها لحين، ثم أنساه، ونادرا ما أجد نصوصا ترغمني على أن أبحث عن موسيقاها لأني لا أستلذها..
نعم يا سادة؛ قد سردت من قبل مرحلتين وها المرحلة الثالثة التي كان من الضرورة أن أذكرها، فإن كنت عرفت القصة صغيرة بفضل أمي، فإني أشكر لتخصصي الأدبي بالثانوية تعرفي على القصة الطويلة /قصة الكبار/ الرواية.. بالثانوية، إذ كانت مقررة عندنا كتلاميذ..
ولكن هذا التعرف ليس كافيا لأقول إنه المرحلة الثالثة..
أيام دراستي كان أول روائي تعرفت عليه هو نجيب محفوظ مع روايته بداية ونهاية، أخذني أسلوبه وسلبتني بساطة سرده، ودقة وصفه. عشت الرواية بتفاصيلها فوجدتني أشتري رواية أخرى له " زقاق المدق " ؛ بالمناسبة؛ لم أكن أحب كتابة حرف واحد على القصص التي تخصني أو كتبي ، ولا أحب أن أطوي جزءا من الورقه ليتبين لي فيما بعد أين وصلت بالقراءة فأتابع ، لأن هذا يجعلني أحس أني أضر الكتاب وأوذيه؛ أعذب تلك الورقة بطيها .. لا أحب أن أضيف على الكتاب بقلمي حرفا واحدا ، ولا أسجل عليه اسمي أو أضع به علامة؛ لكن هذا قد تغير بعض الشيء في ما بعد، فقد حدث مرة وقد بدا ربما علي أثناء الحصص الدراسية في مادة اللغة العربية أني أميل لحصة المؤلفات، وهي حصة واحدة بالأسبوع، أي ساعة واحدة من خمس ساعات.. كان أستاذي قد أعطاني مرة مؤلف "مسرحية 'شهرزاد"' الخاص به وطلب مني نسخ أو نقل آخر ما جاء بالمؤلف.
وكان مؤلف شهرزاد مقررا لدينا بالفصل الدراسي الثاني.
إن آخر ما جاء بالمؤلف هو عبارة عن مجموع عناوين مؤلفات توفيق الحكيم ومجموع عناوين مؤلفات نجيب محفوظ .. شيء ما دفعني لنقل الجدول الذي ضم هذه المؤلفات بقلمي بدل نسخه؛ لا أعرف لماذا فضلت الكتابة على النسخ حينها!! أو هل كنت أعرف؟!!!!
بفضل تلك الكتابة قد رسخ في ذهني حينها جملة من العناوين حتى إني ظللت لفترة طويلة سابقة ما إن أسمع عنوانا خاصا بتوفيق الحكيم أو نجيب محفوظ حتى أستطيع تمييزه سريعا..
حين أعطيت أستاذي تلك الأوراق التي نقلت بها ما طلب مني تفاجأت بقوله : إنه لم يطلب مني فعل ذلك لأعطيه إياها بل هو طلب ذلك لأجلي ولأجل أن أتعرف أنا بطريقة مبسطة على هذه المؤلفات. طبعا هو لم يقل هذه الجملة الطويلة التي ذكرتها ؛ أذكر أنه اكتفى بعبارة سريعة تلخص جملتي الطويلة.. تعرفون طبعا ذلك الإحساس الجميل حين تزهو نفس التلميذ وقد اختاره أستاذه لمهمة، ربما كان هذا ما دفعني لأن أكتب بقلمي والسكر الجدول بعناية، وأختار الألوان التي سأكتب بها، بدل أن يكون النسخ بلون واحد _ الأسود القاتم_ . كان هذا الفعل من أستاذي أجمل طريقة حينها تجعلني أسعى لمتابعة قراءاتي الصغيرة القليلة، التي كنت قد تخليت عنها حيث إنها أكثر ما جذبني للقراءة آنذاك..
للسرد وقع بالنفس مميز .. طابع خاص يبصم أثره بالقلب مبتسما، فكأن أستاذة أدرك حبي للأدب/ للسرد، وجهلي به أيضا رغم الحب، فرحة عارمة سلبتني حينها وأنا أعلم أن القصة الكبيرة/ الرواية موجودة على أرض الواقع؛ موجودة بوفرة ،لكنني غبية كسول، ومتهاونة خمول أيضا..
ما تعلمته من أستاذي هذه المره كان دون أن يقول أية كلمة أو يضطر للوقوف أمامنا ساعة أو ساعتين ليشرح حاملا طبشوره متوجها إلى السبورة حينا وإلى وجوهنا أحيانا..
ما تعلمته كان في مؤلف شهرزاد الخاص بأستاذي..
تعلمت اأني ما دمت أحب القراءة فعلي أن أقرأ..
تعلمت أن أكتب اسمي في أول الكتاب الخاص بي مع تاريخ حصولي عليه ففي هذا ذكرى يجب الاحتفاظ بها..
بالمناسبة؛ وتعلمت أيضا أن أتأمل..
أذكر أن مسرحيه شهرزاد لم تعجبني كثيرا عندما قرأتها أول مرة لكن اشتغالنا عليها بالفصل الدراسي جعلني أحس أني أكاد أحفظها وأحببتها ..
ومما تعلمت من الأستاذ العزيز كذلك بهذا الخصوص ما يمكن أن يدفعنا أكثر للقراءة وهو أن ندون كل كتاب قرأناه مع تاريخ بداية قراءته والانتهاء منه ، والإشارة إلى دار النشر وطبعته ، " هذا كان هو من قاله بلسانه" وهذا ما كنت أفعل في وقت من الأوقات، لكني لم أعد وفية لهذا العمل إلا نادرا جدا خاصة أني أهملت القراءة من جديد لفترة طويلة... عبارات كثيرة ودروس أكثر التقطتها من هذا السيد العظيم من هذا الأستاذ الكريم، من هذا الأستاذ العزيز ، حتى إني أحببت فيما بعد بعض الكتب أو المؤلفات حينما قرأت فيها شيئا سبق أن ذكره أستاذنا ... إنه الأستاذ الذي يمكن أن تسميه قدوة، لهذا أجدني دائما كلما أحببت الحديث عنه أقول" أستاذي العزيز" فعبارة أستاذ وحدها لا تكفي، وإن كان حديثي سريعا وأغفلتها ألوم نفسي فيما بعد.
فعلا أفدت منه الشيء الكثير، وما قلته الآن ليس إلا نقطة من بحر ما أخذت منه ، لذلك أشعر أنه كان من الواجب علي أن أقول له شكرا وإن كان هذا الشكر لا يكفي، حتى وإن سبق وقلت هذه اللفظة من قبل "شكرا " فإني لم أوفه حقه بالشكر. عندما جرتني إحدى زميلاتي بعد حصولها على الباك وكانت تسبقني بموسم دراسي، وكانت درست عنده بعدي، فأتت لزيارته بالمؤسسة بعد نجاحها حتى تقدم له هدية عربون شكر ومحبة لم أفعل أنا وإن كان درسني قبلها، لا أعرف لماذا كنت لا أحبذ هذه المبادرة مع أني احس برغبه فيها، لن يكون حينها تقرب من الأستاذ لأجل نقطة إضافية مثلا فهو لم يعد يدرسني ، لكن !!!! السبب إذن لا أعرفه.. حسنا فلأكتف أنا بالدعاء له دائما دائما دائما علي لا أقصر..
حفظك ربي أستاذي العزيز عادل بوجنان ... بقية الدعاء بيني وبين ربي ( ابتسامة)
أما أنتم فلتضيفوا إلى الأوصاف السابقة( غبية ؛ كسول ؛متهاونة ؛خمول )وصفا جديدا : وبخيلة ...
هاهاهاهاهاهاهاهاها
التعديل الأخير تم بواسطة رشيد الميموني ; 11 / 09 / 2022 الساعة
34 : 12 PM
.
خولة السعيد
مشاهدة ملفه الشخصي
البحث عن كل مشاركات خولة السعيد