عرض مشاركة واحدة
قديم 21 / 09 / 2022, 28 : 10 PM   رقم المشاركة : [1]
خولة السعيد
مشرفة / ماستر أدب عربي. أستادة لغة عربية / مهتمة بالنص الأدبي


 الصورة الرمزية خولة السعيد
 





خولة السعيد will become famous soon enough

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: المغرب

وأنت بعيدة.. لمن سأغني؟!

قدمت بهدوء، وأخذت مكانها بجانبه، كان غارقا، كأنه جماد لا يميل إلى مكان، غارقا بعينيه في أعماق المحيط الأطلسي، وهو يعتلي صخرة تراقصها الأمواج الساكنة ، ودون أية حركة صار مبتسما، وقد وصلته رائحتها، أحس وجودها ، أحس قربها وهي تدنو منه، لكن ؛ بعقله رفض لهذا الشعور..
كيف يعقل أن تغيب عنه ياسمين أسبوعا كاملا؟ لا تتصل ولا ترد على رسائله. منذ غادرت البيت وهو لا يستطيع أن ينال خبرا عنها، تراها تأتي إلى هنا الآن؟ هذا المكان يحمل جل ذكرياتهما معا، وذكريات الصغير معاذ أيضا، هل تستطيع أن تغيب عن هذا المكان الذي اعتادا زيارته معا كل صباح خميس إلا إن منعتهما ظروف يعرفانها هما معا، فيقدمان للصخرة والبحر اعتذارات الغياب، أم تراها جاءت في وقت آخر، واعتذرت ، أو ودعت؟
هنا اعتادا أن يرميا همومهما فيلتقطها البحر ويحولها لسعادات.
عقله لا يستوعب كل ما يجول والرائحة التي تداعب أنفه أدمعت عينه اليمنى شوقا وحنينا، ولو كان مال قليلا برأسه، أو بعينيه لكان انتبه إليها وهي تتأمل المحيط في قسمات وجهه... همس بعد برهة، قطع صمته ، كأن ما بداخله ثار، فلم يعد قادرا على ذلك الحوار الداخلي في ضجيج خانق صامت:
_ أ حقا كما ترحل شمس هذا المساء ... ترى ترحلين؟
أحس بالمويجات بدأت تعلو ويقبل رذاذها خديه أو عينيه، ثم أضاف:
- يموت انشراحي .... تنوح جراحي.... سأرشف دمعي ... سأعصر قلبي...
وما إن توقف عند " قلبي" حتى غنى صوتها في مسمعه:
- فهل يرحل الطيب من ورده؟ وهل يهرب الغصن من ظله؟
التفت، فرآها، بدا غير مصدق عينيه وإن كان قلبه يرتجف، وحين أطلقت ضحكتها العالية قفز إلى فمها كعادته ليسده بيمينه، حينها تأكد أنه يعيش واقعا لا خيالا وأنها معه، إنها ضحكتها التي يحب سماعها، وهو يقول لها:
_ اخفضي صوتك سيسمع العالم ضحكتك، ولا أريد أن يحب هذه الضحكة أحد غيري ...
أراد أن يعاتبها على غيابها، تردد، فقد أدرك أن ما قام به هذه المرة تجاهها لا يغتفر، وأنه فعلا أساء إليها ، لكنها أطالت الغياب، ثم فكر أن يحدثها كأن شيئا لم يكن، كأنه فقط سبقها اليوم إلى هذا المكان لظرف ما:
- أين معاذ؟
- ( بغضب) معاذ؟! تسألني عن معاذ ؟ وأنا؟ أ لم أعد أهمك؟ بعد كل ما فعلت، آتي إلى هنا الآن لتسألني عن معاذ؟ هو في أمان ؛ شكرا لك سيدي على هذا السؤال، إلى اللقاء.
احتار، كيف سيكون رده، وماذا عليه أن يفعل:
- أنا فقط؛ حاولت ألا نتحدث في ذلك الماضي الذي جرحنا معا..
- بل جرحني أنا، كاد يقتلني أنا، لتمنحني الطعنة الأخيرة الآن، ثم يا سيدي أنا ما أتيت إلى هنا لأجلك، عذرا، ربما علي أن أغير المكان ..
أدرك حسن أن ثورتها لم تهدأ بعد، وربما لم تبدأ بعد، عرف أنه أخطأ حين لم يقدم لها الاعتذار أولا ، رغم كل رسائل الاعتذار التي لم ترد عليها، كان عليه أن يعتذر هنا مباشرة أمام دفء عينيها، همت هي بالوقوف، وهيجانها أقوى من موج البحر، حتى الدمع فاض سريعا .. وقفا معا، حاولت الابتعاد عن المكان، لكن كيف يسمح لها أن تغادره مرة أخرى، وهو سبب ما تعيشه الآن من أزمة؟! لم يقو على تحمل فراقها مجددا، ضمها إليه معتذرا، حاول أن يبين لها فكرته في تجنب الحديث عن الآلام، وأن معاذ هو بريق الأمل الذي يمكن أن يلفهما للأبد، زاد غضبها، فمعاذ ابنهما الذي اختارا تربيته بعد تبنيه إثر وفاة والديه بحادث سيارة ، نجا هو رضيعا، وقد وضعته أمه بين قدميها خوفا عليه من هول الفاجعة القادمة، فودعت حياتها وهي تحمي حياة ابنها ، هو ابنهما الذي طالما حلما وخططا لمستقبله، تراها تخلت عنه بعد ما وقع بينهما ؟ لا يمكن أن تفعل ياسمين هذا ، فهي أمه التي تكاد تجن إن رأت دمعته، أو ألمه، لم يستطع أن يبوح لها بتساؤلاته، بعد ردة فعلها تلك، وفكر أن يسألها عن سبب غيابها الطويل، فردت عليه:
- كنت أستمع للحياني وهو يغني " راحلة"
- وأنت قريبة أحن إليك
- لا أظن
- وأظمأ للعطر .. للشمس في شفتيك
- محال
- وحين تغيبين يغرق قلبي في دمعاتي
- قلبك ما زال ينبض في مكانه
- ويرحل صبحي .. تضيع حياتي
- لم أكن أعرف أنك قبل قليل كنت تعيش لحظة ليلية ، وحين أتيت صارت الساعة التاسعة والنصف صباحا
- ألا تصدقين أنك صباحي وإشراقتي وشمسي ونهاري؟
- امممم؛ يبدو ذلك واضحا وضوح الشمس في يوم مشرق جميل
- جميل بحضورك
- وبحضور معاذ أيضا، معاذ خلفك، لكن عينيك يا مسكين لم تعد ترى بهما جيدا، يبدو أن الشيخوخة قد بدأت تثمر فيك
- بل من فرط دمعاتي وأنا أفتقدك
- اممممم
همس في أذنها:
- وأنا ، أ ليس الصبح جميلا بحضوري؟
- ربما ... اسأل معاذ
أمسك يمينها بقوة كمن يخشى أن يسقط من يده شيء ثمين واتجها معا صوب معاذ الذي ظل ينتظرهما معا وهو يراقب شغبهما وقد اعتلى صخرة أخرى تبعد عنهما أميالا.







نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
خولة السعيد غير متصل   رد مع اقتباس