أنا والأيام
[frame="5 98"]
حصرا لمنبر نور الأدب، بمناسبة مرور عام على تأسيسه
تدور الأيام لا تتوقف، عجلات مسننة، تأكل فتات الأيام، لا تنتظر ربيعاً آخر، لا تكتفي بصدى الأغاني العابرة، وتمضي عارية وقحة، كالحة، تعصف بشموعي المشتعلة عند أطراف المنزل، وحدائقي تفتّحت أزهارها.
سكبتك الليلة في أوردتي، غير آسف على عالمٍ انتحر على أبواب بابل. ماذا يعني كلّ هذا يا سيدّتي؟ دعِ الأسئلة فقد سئمتُ رجعها، وأنا قادرٌ على المناورة ليلَ نهار، حتى أدرك المنتهى، ولن أجامل.
تدورُ الأيام لا تتوقّف. قد تخطئ الأحذية وجوه الرؤساء في بغداد، ولأنّهم قرئوا التاريخ معكوساً، مضوا مسرعين إلى آخر الدنيا. لكن المقاصل ما زالت معلّقة في العواصم العربية، تنتظر فريستها الجديدة. فلتسقط الديمقراطية، ولتحيى، تسقط تحيى، تسقط تحيى، وفي اُلأثناء، يفقد المواطن العربي القدرة على ممارسة الحياة، إلا لِماماً، ويفقد الشعراء القدرة على التواصل مع الكلمة. إذن، فلنذبح القوافي عند معابر التاريخ.
تدور الأيام، لا تتوقف حتى لتناول جرعة ماء، فلنزرع الورد في رحم الصحراء، ولنمضِ نحو الشواطئ الذهبية، حيث الشمس تلوّح وجوهنا الكالحة. ويا ألف تحية للقلوب الواعدة الحائرة، نداء يأتي من أعماق الروح في ليالي الشتاء القاتلة، حين تعصف الريح قاذفة بسقف بيتي إلى أعماق المحيط، وعلى مقربة من طرف العين دمية تصارع الموج، ترفض الانكسار والغرق. دمية طفلة صغيرة، تاهت في أحلام وردية لم تتحقق.
تدور الأيام، لا تنقطع عن العصف بجذع النخل الشامخ قرب تلال القرى الغارقة في همومها الصغيرة. أضحى الليل كتلة من همّ شرقيّ، وأنا ما زلت أبحث عن مستقبل لا يأتي حتى بعد أن شاخت أحلامي، ووصلت مراكبي إلى نهاية الطريق، بعد أن تقاذفتها طموحات ساذجة، وتاه طيفي في المرآة، وعشيقتي تكره تلكّئي، وأنا صدقيني لست في عجلة من أمري، فالجمال ينتظر التفاتة من طرف العين. آه .. نسيت كحل العين، وأصول العزف على العود، والميجانا، والقهوة تعربد على النار الهادئة، بالكاد تندلق من فوّهة الإبريق، لكنها تعود خجلة إلى المرجل، ويملأ عبقها الأسود صباحي، وآه يا وطني القابع عند مفارق الطرق. أرفع اليوم كأسك، لا أخشى لومة لائم، ولنشرب السمّ تقليداً في المقاطعة في رام الله.
تهت في طريق رسم كصراط مستقيم، إلى أين أمضي، وقد سئمت حرق السكر في خلاياي المتعبة؟ موتٌ أبيض ينتظرني قبل أن أكمل دندنة الموّال، من سيصلح البيت يا أمي، ومن سيعيد المفتاح إلى أصحابه؟ فلنفترض بأني قضيت تحت عمود كهرباء مظلم، بعد يومٍ أو شهرٍ أو سنة، ولنفترض بأن السلطات دفنتني على عجل دون أن تجد أثراً لوصية، عندها سأبعث من مثواي الأخير، وسأدقّ أبواب منزلنا القديم الموصد، وسأدخل ضيفاً ثقيل الظلّ لأزيل أثر الأيام عن عالمك يا أمّي، وسأكتب بدمائي المتجمّدة، اللعنة على غربتي المزدوجة، اللعنة على الوعي حين يصبح عدوّ صاحبه، وسأرتدي أسمالي القديمة، وأحفر تربة الحاكورة، حتى أعيد الحياة إلى جذور الفقوس، رغما عن أنف برامج الأنروا والأمم المتحدة. وسأدعو بان كي مون ليتذوّق طعم الزعتر من بين يديك يا أمّي، عندها سيدرك العالم، لماذا يصبح الفلسطيني مجنوناً بعيداً عن الوطن.
[/frame]
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|