14 / 06 / 2025, 46 : 01 AM
|
رقم المشاركة : [1]
|
مشرفة / ماستر أدب عربي. أستادة لغة عربية / مهتمة بالنص الأدبي
|
مقاربة قرائية لِفِي عينَيّ تنحسر العَبَرات
نص للأديب " الحسين زينرحو"
في عيني تنحسر العبرات
وعلى خدي
تتحجر دمائي
على حر وخز الهيام
سواد الليل ينادمني
يسقيني وجعا
فأثمل حد الغياب
أحاول لملمة مشاعري
فأكبو
وفي دواخلي
تتأجج نار العشق
ثم تنطفئ لذة الحلم
وعلى الأرض صريعا
أعلن موتي وانتهائي .
مقاربة قرائية للنص:
الحسين زينرحو أستاذ عاشق للحرف العربي، أخذ القلم بتلابيب فكره لينتج مجموعة من الإبداعات؛ شعرا وخاطرة وشذرات أدبية تثير في المتلقي وهجا أدبيا ، شاعر شغفته الطبيعة فتغنى بها وهو يعود لموطن الأجداد "سكورة" في نصه "سكورة" ، وسكنه حب الطبيعة وعشق الجمال ليولد فكره، ويخط قلمه إبداعات ونصوصا راقية كان من أبرزها، أحد نصوصها الأخيرة الذي لم يحمل عنوانا ولكن سطره الأول كان كافيا ليطرح الفضول لدى المتلقي بحثا عن جواب " لماذا تنحسر العبرات في عيني المؤلف؟ ولماذا لم يكف انحسارها؟ فالفعل المضارع يعلن حركة غير متوقفة بدءا من أول سطر إلى آخر سطر، حيث تكرر عشر مرات في الأسطر الأربعة عشر.
ويأتي السطر الثاني ليعطف على الأول ب"واو"، فتعطف شبه جملة على أخرى، ويزرع الأمل؛ لعل شبه الجملة تأتي بشبه حزن، لكن الخبر هنا كان أصلب، فالمؤلف جعل الدماء تتحجر على خده، واختيار لفظة " تتحجر" لم تكن عبثا، حيث كان بإمكان صاحبنا استخدام ألفاظ أخرى من قبيل: " تتخثر"، ولكن التخثر بالمرض، و" تتكبد" ولكنها لفظة قد تحيل على أشياء أخرى، بينما "تتجمد" يمكن سريعا تحولها لذوبان، في حين تدل اللفظة " تتحجر" على الصلابة والقسوة، كما تحيل على استحالة جريان الدماء وعودتها لطبيعتها مع حر وخز الهيام، هذا الوخز المؤلم الذي سببه جنون العشق / الهيام.
وفي السطر الخامس تتجلى البلاغة بصور متعددة فترى في " سواد الليل ينادمني" جملة اسمية توحي بالسكون والثبات، وفي ظل هذا السكون يتحرك الفعل المضارع " ينادمني" الذي يليه مباشرة في السطر السادس فعل آخر " يسقيني". وقد جعل صاحبنا سواد الليل ينادمه، ثم يسقيه، وفي هذا استعارة مكنية حيث لم يصرح بالمشبه، ولكن أعطي لسواد الليل صفة من صفات الإنسان هي: " المنادمة والسقي"، وكانت " يسقيني وجعا" كناية عن الحزن، وكان الوجع نكرة دليلا على كثرته، فعدم تعريف الوجع جعله غير محدد، بل يتسع باتساع الإحساس به، خاصة أن الوجع أشد من الألم فقد يلحق من الغير ومن صاحبه كذلك، وشدة هذا الوجع جعلته يثمل حد الغياب، فلم يعد يشعر بوجوده كمن أسكرته الخمرة فما عاد يذكر أشياء كثيرة، أو ربما هذا الوجع كان أشد تأثيرا، ذلك أن الخمر يغيب العقل، لكن الوجع غيبه كاملا، وقد اختار صاحبنا في بداية السطر الثامن لفظة " أحاول" بدل "أريد" أو "آمل" أو "أبتغي" ذلك أن الألفاظ الثلاثة الأخيرة تدل على الرغبة في الشيء فقط، بينما "أحاول" تتجاوز الرغبة في الشيء إلى الرغبة في الوصول إليه وإرادة ذلك، كما بدت "لملمة" شاملة جامعة، وكان استعمالها أفضل من "جَمْع"، ذلك أن "لملمة" فيها شيء من التأكيد بالتضعيف ( لم/لم _ة_) حيث تكرر حرفان كأن هذا التكرار لم يأت إلا لتأكيد محاولة صاحب النص لجمع مشاعره، هذه اللفظة التي لم تكن عبثا أيضا، ذلك أن المشاعر تنبع من الداخل، بينما تأتي الأحاسيس من عامل خارجي، وما يؤكد هذا هو "وفي دواخلي" التي جاءت بعد " فأكبو"، لأن شاعرنا يتعثر ويفشل كلما حاول لملمة مشاعره، حتى تتأجج نار العشق في دواخله، وقد شبه العشق الذي هو من درجات الحب بشيء له نار، فحذف المشبه به وأبقى على شيء من لوازمه على سبيل الاستعارة المكنية، كما شبه الحلم بما يذاق فحذف المشبه به وأبقى على "لذة" على سبيل الاستعارة المكنية.
وكما افتتح نصه بشبه جملة ختمه بشبه جملة أيضا " وعلى الأرض صريعا أعلن موتي وانتهائي" ، لتظهر آخر تحركات الفعل المضارع بسكون تام (موت وانتهاء)، يعلنهما أي أن خبر الموت والانتهاء ليس مجرد خبر، ولكنه خبر معلن لدى الجميع.
هكذا عبر الأديب زينرحو عن حر الوجع الذي غرسته نار العشق بدواخله، فـأثمرت كلماته حبا متوهجا تعاطف القلم معه، وشكلته الحروف بتعابير تناسب الأحاسيس الشاعرية التي ولدتها مشاعر الحب لدى الحسين زينرحو " سيزيف الشذرات الأدبية"
شكرا للأستاذ الشاعر الذي يثق في مقارباتي، ويبعث لي كل مرة نصا جديدا من نصوصه، طالبا مني قراءة
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|
|
|
|