عرض مشاركة واحدة
قديم 10 / 01 / 2009, 05 : 02 AM   رقم المشاركة : [1]
احمد رجب شلتوت
كاتب نور أدبي

 الصورة الرمزية احمد رجب شلتوت
 




احمد رجب شلتوت is on a distinguished road

رواية معنى الوطن 1 _ 6

( أ )

كان الجو غائماً فى البيت ، فالأم - تؤيدها الجدة بقوة - توبخ الجميع لتقصيرهم فى
حق البنات .
والبنات لم يعدن بنات ، أصبحن أمهات . والأم تصر على أن لهن حقاً علينا
ولابد أن نؤديه .
الجدة - مثل الأم - ضجرة متبرمة ، لكنها تحافظ على هدوئها ، حتى وهى توجه
لنا اللوم :
- أنتم ثلاثة رجال ، وهن أيضاً ثلاثة . فهل كثير على الرجل منكم أن يتحمل
مواسم أخت واحدة .
حاولت مجادلتها :
- لقد أصبحن أمهات ، وهذا ليس أول أو ثانى رمضان يأتى بعد زواجهن .
ترد فى حسم :
- هذه عادة ولن نقطعها
- لكن المواسم لاتنتهى ، فى كل شهر هجرى موسم .
يحاول محمد أن يحصى المواسم :
- 27 رجب ، 15 شعبان ، ورمضان فى أوله الياميش والمكسرات وفى منتصفه
الكنافة والمشبك وبعده العيد ولابد من العيدية .
لا تتركه الأم يكمل :
هذه حجة من رفع يده عن مسئوليات عائلته ، لقد انشغلت بنفسك
و زوجتك عنا .

يحاول محمد أن يعيد كلامهما لى :
- زوجته ستلد خلال أيام ، فمن أين له بتكلفة الولادة إن أنفق قروشه على
الياميش .
تغيظه الأم :
أنت وابنى الكبير جمال بتوع نسوانكم ، والشهامة ليست بالعمر ،
بطنى لم تحمل إلا غريب .
تؤمن الجدة على كلامها ثم تختم بالدعاء :
- ربنا يرده سالماً .

***
لكن غريب لم يعود .
فاتت الساعات على موعده ولم يحضر .
خرج اليوم - ككل يوم - عقب آذان الفجر ، على الكتف يحمل الكرتونة ويغادر
مصحوباً بدعوات الأم والجدة .
قال وهو يغادر :
- السوق اليوم بعيد والكرتونة ثقيلة .
" بالأمس اشترى الكرتونة فارغة من غندورة بائع الفاكهة . دفع فيها جنيهين .
فتحها فشممنا رائحة التفاح الذى باعه غندورة .
ساعدته فى إعداد بضاعته . فتح كرتونة الأكواب الزجاجية . وضعها إلى جوار
جردل الماء . يغسل الأكواب ويجففها ، ثم يناولها لى . أضع كل دستة أكواب فى
كيس ، أغلق الكيس جيداً وأنواله لزوجتى ، فمهمتها رص الأكياس فى الكرتونة
التى كانت للتفاح .
لما انتهى أحصى الأكواب المكسورة . زفر بأسى :
- دستة وكوبايتين . كثير والله

سألنى عن عدد الأكياس التى رصتها زوجتى .
راح يتمتم وهو يحسب التكلفة النهائية لكل نصف دستة قبل أن يحدد
سعر البيع .
ولما انتهى أغلق الكرتونة ربطها بالحبل وقام لينام .

هذا ما يفعله كل ليلة . وفى الفجر التالى يخرج حاملاً بضاعته ليعود مع
العصر منهكاً .
قد يبكر قليلاً أو يتأخر قليلاً لكن لم يحدث قبل اليوم أن تأخر حتى
غروب الشمس .

( ب )

خالف الأب عادته اليومية .
صلى المغرب ولم ينتظر بالمسجد حتى صلاة العشاء .
أسرع بالعودة ، سمعته يسأل عن غريب ، وسمعت الجدة تجيب :
- ربنا يرده بالسلامة .
دلف إلى الحجرة . كانت الأم تبكى . حاول طمأنتها . لم يفلح ، فهو أيضاً قلق .
تشاغل بالتليفزيون. سألنى إن كنت أعلم مكان سوق اليوم . أجبت بالنفى .أشعل سيجارة .
شد نفساً عميقاً . ثم رماها . أطلق الدخان وسعل . داس السيجارة بحذائه وهو يغادر
الحجرة . هتف بأعلى صوته منادياً محمد . عاد للحجرة وهو يفرك أصابعه . جاء محمد
فأمره :
- شف لى أصحاب غريب .
- سألتهم جميعاً . لم يره أحد اليوم .
أما يعلم أحدهم أى سوق قصد اليوم ؟
- لم يخبر أحداً بذلك ، والمشكلة أن أسواق يوم الأربعاء كثيرة ومتناثرة قبلى
و بحرى .
راح محمد يعدد أسماء الأماكن التى تشهد أسواقاً يوم الأربعاء ، استبعد أبى
الزقازيق والمنصورة فغريب لم يذهب إليهما من قبل . أقصى مسافة قطعها كانت إلى أشمـون .
قالت أمى أن قلبها يحدثها بأن أهل خطيبة غريب السابقة قد آذوه . ذكرتها بأنهم هم
الذين فسخوا الخطبة وأنهوا العلاقة تبكى قائلة :
- طوال عمره وبخته قليل . منذ مولده .
ينفث أبى غضبه فى التليفزيون . كان المتحدث يتهم غريبا بالتسول . تحدث عن مثل
مهنته واصفاً إياها بالهامشية ، وإنها أقرب إلى التسول منها إلى العمل وراح يعدد
أضرارها على الاقتصاد القومى لكن أبى لم يدعه يكمل العدد ، هتف فى محمد .
- اقفل على ابن الـ…… هذا ، والبيوت المفتوحة من هذه الأعمال تخرب . هذه
الأعمال تخرب الاقتصاد القومى ولا تخربه سرقة أموال البنوك وتهريبها
للخارج .
أغلق محمد التليفزيون . حاولت تهدئة الأب فلم يهدأ . واصل كلامه :
- تعليم و اتعلم . دخل الجيش وخرج وشغل مفيش . يعمل إيه ..يسرق
ولا يموت . ؟
تضاحك محمد :
اهدأ يا حاج . هو لا يقصد غريب .

لم يرد الأب . أشعل سيجارة . نفث دخانها باتجاه السقف . تابع فأراً يندس فى شق
بالحائط .
هبطت عيناه إلى التليفزيون المغلق . بسرعة صعد بهما إلى صورة جمال عبدالناصر
المعلقة على الجدار توقف عندها قليلاً ثم تجاوزها إلى صورته الشخصية . كان شاباً يرتدى
الزى العسكرى . قال :
- اتصورتها فى سبتمبر 73 ، آخر إجازة قبل الحرب .
انطفأت سيجارته . أشعل غيرها . لم يطل صمت الأم عاودت اتهامها لأهل خطيبته السابقة.

( ت )

تعرف غريب على خطيبته السابقة فى أحد الأسواق . أصبحا يلتقيان كل يوم
أربعاء . بعد شهور فاتح الأب برغبته فى الزواج منها . تذكر الأب صديقاً فى نفس القرية
. لم يره منذ خرجا من الجيش مع نهاية 1977 . قرر أن يذهب إليه ويسأله عن أهل
الفتاة ، ولم يعلن رأيه قبل ذلك .
اصطحبنى الأب إلى قليوب ، و منها ركبنا سيارة ميكروباص إلى القرية . سأل
السائق عن الصديق ، فأنزلنا بالقرب من منزله . رأيت الصديق طويلاً جاحظ العينين ،
كان شاحباً ويزداد شحوبه كلما ضحك . ضحك كثيراً هو وأبى وهما يتذكران الزملاء
ونوادرهم لكن الضحكات غادرتهما وهما يترحمان على شهداء اللواء 25 مدرع .
ترددت كثيراً كلمات السويس وجبل عتاقة والحصار . ولم ينه حديث الحرب إلا
نقرات على الباب . قال الرجل :
- أدخل يا جمال .
دخل شاب فى مثل سنى . قال أبيه ضاحكاً :
- له نفس اسمك .
صافحنا الشاب ثم خرج ليعود حاملاً الطبلية وضعها فى منتصف الحجرة ، وفرد فوقها
صحيفة قديمة . خرج مرات كثيرة وفى كل مرة يعود حاملاً طبقين . كل طبق بيد . ولما
امتلأت الطبلية أحضر دورق المياه وأغلق الباب .
أثناء الأكل تذكر أبى الغرض الحقيقى من الزيارة .
سأل صديقه عمن اختارهم غريب ، تجشأ الصديق وهو يمتدحهم ، وبعدما شربنا الشاى
أصر الرجل على أن يصطحبنا إليهم . حاول أبى التريث لكن الرجل زجره وذكره بان خير
البر عاجله .
( ث )

طالت الخطبة 16 شهراً ، لم يطق أهل الفتاة صبراً ، لاموها لرفضها ابن عمها العائد من
السعودية قالوا :
- أثرت الصايع .
البنت طالبت غريبا بأن يفعل شيئاً ، أهلها أمهلوه شهرين وبعدهما ردوا له الشبكة .
بكى غريب ، و لامتنى أمى :
- منك لله أنت السبب . أنت الذى شجعته على الرجوع من السعودية .
" كان غريب دائم الشكوى فى رسائله من إذلال الكفيل له ، بدا راغباً فى العودة لكنه
يخشى اللوم أراد أن يقول له واحد منا عُد ليعود ، قلتها له فعاد ، لم أستطع أن أجد له
عملاً . فلم يجد مثل أغلب شباب أبو النمرس . إلا كرتونة يحملها كل فجر ويدور بها
على الأسواق " .

نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
توقيع احمد رجب شلتوت
 http/shaltout62.maktoobblog.com
shaltout_62@yahoo.com
احمد رجب شلتوت غير متصل   رد مع اقتباس