عرض مشاركة واحدة
قديم 10 / 01 / 2009, 07 : 02 AM   رقم المشاركة : [2]
احمد رجب شلتوت
كاتب نور أدبي

 الصورة الرمزية احمد رجب شلتوت
 




احمد رجب شلتوت is on a distinguished road

رواية معنى الوطن 2

( ج )

أخبرني محمد بأن جميع زملاء غريب توقعوا أن تكون الشرطة قبضت عليه ،
فالشرطة أيضاً تقصد الأسواق ، وكثيراً ما تقبض على الباعة الجائلين . تركت محمد قاصداً
هانى . كان صديقى قبل أن يصبح وكيلاً للنائب العام . أخر مرة زارنى فيها مر عليها
عامان - بعد زواجى بشهر - يومها ظننته جاء مهنئاً لكنه جاء لغرض أخر . عرض على
صفقة ( هذه كلمته ) تلاها بالتأكيد على أن الشاب العصامى - مثلى - الذى لم يرث ، ولم
يهاجر ، ولم ينحرف لابد له أن يستدين ليتم زواجه . أخبرنى بمعرفته بأنى استدنت
من أكثر من صديق لأستطيع إكمال زواجى .
لامنى لأنى لم ألجأ له ، وفى النهاية أعاد إلى أذنى كلمة " صفقة " قبل أن يعرض مشروعه
( وهذه أيضاً كلمته ) ذكرنى بأنى معاق وبأن الدولة ترعى أمثالى وتعفيهم من جمارك
السيارات المجهزة ، قبل أن يفصل مشروعه ثم قال :
- ستشترى سيارة مجهزة وأدفع أنا ثمنها ، ولا تنس أننى أستطيع إنهاء كافة
الإجراءات بسرعة ، وبمجرد أن تتسلم السيارة تتنازل لى عنها مقابل ألف
جنيه مكسب . ألم أقل لك إنها صفقة ، لكن لا تغضب منى ستوقع أولاً على
إيصال أمانة بثمن السيارة .
رفضت الصفقة فألح . ضاعف المبلغ . لم أتراجع . غادرنى غاضباً ومن يومها لم يزرنى .
***
أبدى هانى تعاطفه . وعد بأن يفعل شيئاً من أجل غريب . طالبنى بأن لا أتعب نفسى ،
وهو سيعمل اللازم .

***

حكيت لمحمد فلم يصدقه ، قال إنه كان يستطيع إنهاء المشكلة قبل أن أغادره ولن يكلفه
ذلك غير مكالمة تليفونية .
اتفقنا على أن نصبر حتى الفجر ، وإن لم يعد غريب نخرج نحن للبحث عنه ، يبحث
محمد فى أسواق الوجه القبلى . بينما أقصد أنا أسواق الوجه البحرى .
وافق الأب على الاقتراح وطالبنا أنا ومحمد أن نتصل كل ساعة لنعلمه بنتائج البحث لكن
الأم لم توافق . صرخت :
- ألن تفعلوا شيئاً حتى الصباح ؟

( ح )

لم ينم أحد .
كانت زوجتى تبكى وتتمتم بالدعاء . بينما تشاغلت بإعادة رص الكتب فى المكتبة .
أخرجت " الدرب الأخر " ذكرنى به أستاذ الاقتصاد الذى أغلقنا التليفزيون بسببه .
وجدت ورقة مثنية ( هل ذكرتنى بأخى غريب حينما قرأتها لأول مرة ؟ ) فردت الورقة
، وقرأتها لزوجتى :
" مع امتلاء المدينة بالناس ، والاستيلاء تدريجياً على المساحات الفضاء فيها
لأغراض الإسكان غير الرسمى ، بدأت أنشطة اقتصادية بأخذ مساراً مماثلاً
فى تطورها . وكانت التجارة هى أحد هذه الأنشطة " .
حكيت لزوجتى عن الكتاب ، فسألتنى عن مؤلفه وهل هو مصرى فقلت إن اسمه هرناندو
دى سوتو ، وهو من بيرو ولم يسمع بأبى النمرس وشبابها ، وواصلت القراءة :
" وكان هذا إيذاناً بميلاد التجارة غير الرسمية ، التى تجرى أساساً فى الشوارع
حيث تعرف بالبيع المتجول . ( ... )
" ومن ناحية أخرى بدأت الأسواق غير الرسمية عندما سعى الباعة العاملون فى
الشوارع إلى وضع حد لحالة عدم الأمان التى يعملون فيها " .
حاولت زوجتى أن تحول دون استمرارى فى القراءة،ذكرتنى بأنى لم أتناول دواء الضغط .
ابتلعت قرصاً ليخفض ضغط دمى المرتفع ، وواصلت القراءة .
" إن الوضع غير الرسمى ليس هو أفضل العوالم الممكنة ، إنه يتضمن تكاليف هائلة ، وإن الناس يحاولون تعويض هذه التكاليف بكل أنواع الطرق المبتكرة وإن كانت قاصرة . وإن خرق القانون ليس أمراً مستحباً فى نهاية المطاف ، وإن كل ما نراه من فوضى وإهدار للموارد وعمليات للتصدى ، و أعمال يومية تتسم بالجرأة ماهى إلا محاولات يائسة ومغامرة من أصحاب الوضع غير الرسمى لوضع نظام بديل لذلك الذى ينكر عليهم حمايته ".

طالبتنى زوجتى بأن أغلق الكتاب لأستريح قليلاً ، لكننى واصلت القراءة :
" وترجع أزمة مؤسساتنا القانونية جزئياً إلى إنها فقدت تدريجياً مصداقيتها ".
( .... )
" فقد كفت هذه المؤسسات عن أن توفر الوسائل اللازمة لحكم المجتمع
والحياة فيه "

( خ )

عقب صلاة الفجر أيقظت " عنتر " أطل من النافذة وهو شبه نائم . قلت :
- أريدك فى سفر .
رد وهو يتثاءب :
- بعد نصف ساعة تجدنى أمام بيتك .
وفى انتظاره راح الأب يذكرنى بأسماء الأماكن التى تشهد أسواقاً يوم الأربعاء . وعند
ذكر كل بلد يتوقف قليلاً ، يحكى عن صديق ، أغلبهم اُستشهدوا فى الحروب العديدة .
تطوع أبى فى الجيش عام 1955 وخرج منه عام 1977 . خاض كل الحروب وامتلأت
ذاكرته بأسماء الشهداء .
منعه عنتر من الاسترسال . توقف أمام البيت ، ولم يرفع يده
عن " الكلاكس " إلا بعد أن خرجت له .

( د )

توقفنا أولاً عند قسم الجيزة . كان الملازم يشرب شاياً بالحليب . قبل أن أكمل
كلامى قال :
- بعد 24 ساعة تقدموا بلاغ باختفائه .
قلت :
أنا لا أبلغ عن اختفائه ، فقط أريد التأكد إن كان محتجزاً هنا أم لا ؟
سألنى ثانية عن الاسم . أجبت :
- غريب أحمد منصور .
- لم يرد علىَ أحد بهذا الاسم .
رجوته :
- إن كان لديك بيان بأسماء المحتجزين أرجو أن تراجعه .
- قلت لك ليس هنا .
قالها بلهجة تجمع بين الغضب والتحذير ، فغادرته عائداً إلى التاكسى . عند
مديرية أمن الجيزة توقف عنتر . نهره الجندى وهو يشير بأن نبتعد .
- اطلع يا أجرة .
أشار عنتر بأن ينزلنى ثم يبتعد ، لكن الجندى لم يمنحنى الفرصة :
- قلت لك اطلع يا أجرة أحسن لك .

***
عدت المائة متر التى إبتعدها التاكسى مغتاظاً وأنا أضرب وجه الأسفلت بعكازى .
رمقت الجندى بغضب . تبدلت لهجته الآمرة :
- أسف يا أستاذ . إن رأى الباشا التاكسى أمام باب المديرية لن يرحمنى
سألت الجندى عن الحجز فسألنى عن الحكاية . لما سمعها قال :
- شباب هذه الأيام غاوى يطفش .
- هو لم يطفش .
تجاوز عن لهجتى الغضبى ، وأسدى لى معروفاً :
- لن يجيبك الضابط عن شئ . اذهب إلى عم خلف . هو رجل طيب
وحينما يراك بالعكاز سيخدمك .
وصف لى الطريق إلى خلف ، ولما سمع خلف حكايتى قادنى إلى غرفة الحجز
وهتف منادياً :
غريب أحمد منصور .. غريب أحمد منصور .
لكن غريب لم يرد ، فنصحنى خلف بالبحث فى المستشفيات .

( ذ )

وقفت طويلاً فى انتظار عنتر . تصفحت الجرائد بسرعة ثم طويتها . أعدت فرد
إحداها على الرصيف وجلست .
لما جاء عنتر اعتذر . فقد ذهب إلى محل عمله القريب ليوقع فى دفتر الحضور .
ضحك وهو يقول :
- المدير ابن الكلب استغل الظروف . كل يوم أفطره فول وطعمية لكنه
اليوم طلب قشطه وجبنه رومى . أحضرتهم مع باكو شاى فقال إنه
سيوقع لى فى دفتر الانصراف .
توقيع احمد رجب شلتوت
 http/shaltout62.maktoobblog.com
shaltout_62@yahoo.com
احمد رجب شلتوت غير متصل   رد مع اقتباس