رواية معنى الوطن 3
( ر )
عرجنا على منزل الأستاذ رشدى صاحب مكتب المحاسبة الذى أعمل به . ظننت
أن بوسعه أن يفعل شيئاً ، فحكيت له ، وهو بدوره حرص على تقصى كل
التفاصيل ، ولما انتهيت منحنى إجازة وأقرضنى مائة جنيه وقال :
- ربنا يجازى أولاد الحرام .
( ز )
قادنى " عنتر " إلى قسم امبابة ثم مستشفى امبابة العام . بعده مركزى شرطة
الوراق والمناشى .
فى كل مكان نرى الضابط الذى كان يشرب الشاى بالحليب فى قسم الجيزة . كان
يغير مشروبه . يشرب القهوة أو الشاى بدون حليب لكنه هو . قد تنطفئ
السيجارة بين أصابعه أو تشتعل لكنه هو ،وفى كل مرة يقول إن الاسم لم يمر
عليه (سيتضح كذبه فيما بعد ) وفى كل مرة يرفض إلقاء نظرة على أسماء
المحتجزين (لا يوجد كشف بأسمائهم ) .
قبل أن نجتاز الجيزة إلى القليوبية تذكرت أنى لم أتصل بالبيت . توقف عنتر
عندما رأى التليفون . علمت أن هانى لم يتصل ، وأن محمد تحدث مرتين من
الحوامدية ومن البدرشين .
اتصلت بهانى فلم أجده ، عدت إلى التاكسى فلاحظت أن العداد عاد إلى رقم
البداية . لمح عنتر نظرتى فقال :
- عندما يصل إلى 60 جنيه لابد أن أعيده إلى البداية حتى لا يحترق .
( س )
كان الزحام فى مركز شرطة القناطر شديداً جداً وكأننا فى سوق .
أوقفنى مخبر سرى . سألنى عن مقصدى ، ثم أشار بيديه لأعلى .
- اسأل عم حنفى . ستجده في حجرة النوبتجية .
على السلم زاحمنى مخبر آخر . رأيته يقود أربعة صبية . لحاهم لم تنبت بعد
وثيابهم بيضاء . سبقونى إلى حجرة النوبتجية . سمعت المخبر يقول .
- تحرى يا باشا .
قال بلهجة آمرة :
- قل لحنفى يجهز أربعة محاضر تحرى .
ثم التفت للصبية .
- تعال يا ….. أنت وهو ..
اقتربوا . سحب نفساً عميقاً من سيجارته ثم نفث الدخان فى وجه أقربهم إليه .
صفع أطولهم :
- ما اسمك ؟
- محمد إبراهيم .
- سنك ؟
- 15 سنة .
- ماذا تعمل ؟
- طالب .
- أين ؟
- تدريب مهنى .
- أين تسكن ؟
- بهتيم .
نفس الأسئلة وجهها للباقين . ولما انتهى عاد لسيجارته . نفث دخانها فى وجه
أحدهم . صفع آخر . سأل الثالث .
- قل أنت . لماذا جئتم القناطر ؟
- نحن خارجون فى سبيل الله .
شخر الضابط .
- فى سبيل إيه ؟ جايين فى غزوة للقناطر يعنى ؟
ضحك الضابط ساخراً بينما الصبية واجمين . ولما شعر الضابط بأنهم حصلوا على
وقت أطول من اللازم هتف لحنفى :
- المحاضر تخلص بسرعة .
- فى ثوان تخلص .
طال وقوفى فتوجهت لحنفى ، لم يلتفت لى . ولما أصررت على سؤاله شخط .
- نعم يا سيدى .
سألته عن غريب فقال :
- بعد ما أخلص المحاضر أشوف لك دفتر الأحوال .
دخل ضابط المباحث نظر إلى الصبية . سأل عن حكايتهم :
- بيقولوا خارجين فى سبيل الله .
- يبقوا من الأحباب .
- أحباب مين ؟
- الاسم المتداول لجماعة التبليغ والدعوة . وهى جماعة لا خوف منها
- ليه ؟
- ما بيتكلموش فى السياسة . وناسها طيبين لحد الهبل . زى العيال
دول .
- معنى كده إنهم معروفين ؟
- طبعاً ، وعلى فكرة ممكن تقطع المحاضر وتسيبهم يمشوا .
- بسرعة كده .
- إلا إذا كنت ناوى تتسلى بهم .
- يومين بس .
فرغ حنفى من المحاضر أسرعت بسؤاله . لم يفتح دفتر الأحوال . أجاب .
- سوق القناطر يوم الثلاثاء وليس الأربعاء . لكن بالأمس وقعت حادثة
والمصابين فى المستشفى .
( ش )
فى المستشفى دلونى على كاتبة الاستقبال . رأيتها تشرب الشاى ، إلى جوارها
امرأة تكبرها بنحو عشر سنوات . سمعت المرأة تنصح كاتبة الاستقبال :
- خلى بالك منه .
- ما تخافيش .
- أنا خايفة عليك .
- اطمئنى .
أمسكت المرأة بكوب الشاى ، فأسرعت بسؤال كاتبة الاستقبال قبل أن تواصل
المرأة نصائحها . غادرت كاتبة الاستقبال مكتبها . فتحت دولاب وراحت تخرج
منه دفاتر عدة . وضعت أحدها على المكتب وأعادت بقية الدفاتر إلى مكانها فى
الدولاب . أغلقت الدولاب وجلست إلى مكتبها . رشفت رشفتين بصوت
مسموع . عاودت زميلتها تحذيرها :
- لقد جاء ، خلى بالك .
أرسلت عينيها باتجاه الباب ، فاصطدمتا بالداخل . بادرها :
- النيابة تريد ملف تسمم التلامذة .
- بتوع الشهر اللى فات .
- لا اللى قبله .
- مش عايزه هزار .
- أنا بتكلم جد .
- و إيه فكرهم بعد شهرين ؟
- سيبى اللى معاك ودورى على الملف لأن مندوب النيابة منتظر عند
المدير .
غادرت المكتب . أعادت فتح الدولاب . اختفت بين الملفات . ذكرها زميلها .
الشهر اللى قبل اللى فات يعنى ملف الـ 14 .
- عارفة الشهر اللى فات تسمم تسعة واللى قبله 14 .
- وعلى آخر السنة تكون المدرسة كلها تسممت .
رجوت زميلتها أن تبحث لى عن أسماء مصابى الأمس . فتحت لى الدفتر وطالبتنى
أن أبحث بنفسى . قرأت الأسماء كلها ولم يكن بينها اسم " غريب " .
|