رد: لقاء حواري مع الأخ الكريم نور الدين الخطيب ...
[align=justify]
*ترى ما هو عنوان أول قصيدة كتبتها؟ وما قيمتها ومكانتهافي نفس كاتبها نور الدين الخطيب؟؟. ..
** تعيدني من خلال هذا السؤال إلى وقت مبكر جدا .. ربما كانت القصيدة الأولى شيئا منسيا بالنسبة لي كما لبقية الشعراء لأنها تكون مجرد خربشات يتوهم الواحد منا أنها شعر ثم يتبين أنها شيء يشبه الشعر أو في الطريق إليه ..
إذا كان لك أن تقف عند تاريخ ميلادي سترى أننا فتحنا عيوننا على تلاحق الأحداث في فلسطين مما يعني انشغال الذات بما هو وطني بالتأكيد .. ربما أذكر لك شيئا يقترب من تاريخ البدايات أقول فيه :
علام أتيتَ يا عيد فتبكينا
لم يبقَ شيءٌ من الدنيا بأيدينا
علام أتيت يا عيد لا عزٌولا وطن
كنا الأولين فأمسينا الآخرينا
* ترى ما يعنيه الشعر بالنسبة إليك؟ وما الذي يدل عليه في رأيك؟ ثم كيف كانت البداية الشعرية لديك؟؟..
* البداية كما قلت لك كانت خربشات لكنها مشغولة بالوطن ، مشغولة بأحاسيس وهواجس تقول إن ما يحدث فوق أرض فلسطين جد خطير .. أما من جهة الشعر فقد كان وما زال خطواتي الحقيقية في طريق الأدب والحياة ..الشاعر لا يشغله شيء كالشعر.. لا يمكن أن يقارب شيئا بقيمة الشعر .. حياة الشاعر يفترض أن تكون شعرا ، أحاسيسه تصفو وتصعد وتشف لتصير عالما من الشعر .. كل شيء في حياتي شعر ، والشعر هو المحرك لحياتي والموجه لها .. والشعر يدل على هبة اختصتك بها الحياة فصرت مسكونا بالكثير من الجمال والتميز والتطلع إلى ما هو اجل وأفضل .. ربما عليّ أن أختصر الشعر بكلمة بسيطة هي الحب ..
* هل ثمة فاصل بين الكتابة النثرية وشقيقتها الشعرية؟؟..
* هناك رأي يقول أن تكون شاعرا فبإمكانك أن تكون ناثرا متميزا ، ولا يصح العكس ، أي من الصعب أن تنتقل من ملكة النثر إلى الشعر لتكون متميزا كشاعر .. الفاصل موجود ..لكن حين أقف وراء المنبر لألقي كلمة ما ، أجد أن الشعر قوي السطوع في كلماتي .. الشاعر يحضر هنا ليقول الكثير وإن نثرا ، فالبلاغة من صور وغيرها تحتشد لتطل برأسها من بين الكلمات .. هذا شيء شخصي ..هناك شعراء يجيدون النثر ويبدعون فيه متأثرين إلى أبعد حد بشعرهم ، بينما تجد آخرين لا يجيدون ذلك ..هي ملكة في البداية والنهاية ..
* من هم الشعراء الذين قرأت لهم أكثر من مرة؟
* لن تجد شاعرا عربيا – وهذا اعتقاد شخصي محض – يمكن أن يتجاوز قراءة المتنبي مرارا وتكرارا .. عند هذا الشاعر الكثير مما يعطيك المتعة والشموخ والحكمة والتدفق والانسياب .. إذن كان المتنبي هو الدفتر المفتوح أكثر من سواه بالنسبة لي قراءة..وإلى جانبه بقي تراثنا الشعري بمجموعه مرجعا ثرا .. وفي شعرنا المعاصر لا بد من قراءة كثيرين يبقى في طليعتهم احمد شوقي .. لكن كما أسلفت يبقى المتنبي هو الذي أعود إليه مرارا وتكرارا ..
* ما طبيعة القصائد الشعرية التي تجد في نفسك ميلا إلى رصدها بالقراءة واقتفاء أثرها بالتلقي؟؟..
* القصائد التي تتحدث عن وطني السليب فلسطين حنينا واشتياقا وثورة وتصميما على العودة .. مثل هذا الشعر له منزلته التي لا تضاهيها منزلة لأنه يعبر عن حياتي وحالتي النفسية والمعيشية .. قد أجد عند شعراء المهجر شيئا مما يتلاقى مع خط الحنين إلى الوطن ..لكن تبقى للشعر الفلسطيني خصوصيته التي تداخلني بشكل مباشر ودون فاصل .. ما اكتبه أعيشه ..وطبيعي أن أقرأ ما يتصل بهذا ..
* ترى هل القصيدة الشعرية في حاجة إلى تذوق الأعمال الأدبية النثرية؟؟..
* دون شك .. بل قل إن القصيدة الشعرية بحاجة إلى تذوق كل ما هو جميل ومتميز في الحياة .. النثر في مصب الشعر عندما يكون صادرا عن فنان مبدع وحقيقي ، لذلك فالقصيدة تستقي منه وتشرب من معينه ، كما الناثر ونثره بحاجة إلى القصيدة الجيدة ليشرب من معينها .. وأنت وقفت عند مفردة هامة " التذوق " أي اشتراك الحواس كلها بقراءة معالم الجمال .. أنا معك تماما بهذا بل بضرورته ..
* كيف ترى مناحي الشعر العربي المعاصر وانسياباته؟ وهل غلبت حسناته على سيئاته؟؟..
* في كل عصر ، ويمكن أن نجد الشواهد على مدار العصور كلها ، يبرز عدد قليل من الشعراء ليقولوا القصيدة المتميزة الباقية القادرة على الرسوخ ، إلى جانب عدد كبير من الشعراء تذهب قصائدهم لأنها لم تكن بالمستوى المطلوب ..لماذا ؟؟..لأن المواهب تختلف كاختلاف بصمات الناس ..عصرنا الراهن لا يبتعد عن ذلك ولا يختلف .. هناك شعر متميز ..مناك شعر جيد ..هناك شعر مقبول .. وهكذا .. وعليك أن تنتبه إلى تزايد عدد الشعراء .. بشكل عام الشعر بخير وسيبقى ..لكن أنت تسأل عن الحسنات والسيئات .. تعال نتفق أن الحياة لا طعم لها دون شعر وأن لكل شاعر بصمته ..كثير سيذهب وقليل سيبقى .. هكذا حال كل شيء وليس الشعر فقط .. لكن أؤكد لك أن الشعر بخير في عصرنا رغم الكثير مما لا علاقة له بالشعر أحيانا ..
* ما الذي يعنيه النقد الشعري بالنسبة للقصيدة العربية قديما وحديثا؟؟.. وهل بالإمكان التحدث عن الشعر النقدي؟؟..
* لا أدري إذا كان المقصود بالسؤال يتحدد في دور الشعر كناقد لما هو محيط به ؟؟.. هذا ما يوحي به السؤال .. وللإجابة تفرعات تقول بأن شعرنا العربي لم يخلُ في يوم من الأيام من النقد وإن كان بتسميات متعددة قد يكون منها الهجاء الذي يأخذ دور الكاريكاتير في وقتنا الحالي ..فكما نجد رسام الكاريكاتير يضخم ما هو سلبي لينقده ، كذلك يأخذ الشاعر ما هو سلبي في مجتمعه أو أمته أو ويبين عيوبه مطالبا بالتغيير .. دور هذا الشعر هام بالتأكيد وضروري ، لكن تحول الشعر إلى شتائم يخرج به تماما عن دوره والمراد منه كشعر ناقد يبني ولا يحطم .. نعرف أنّ النفسية المهزومة في الحرب أو المجتمع تكون بحاجة إلى توجيه وبناء وشحن ، وهو ما يقدمه الشعر الناقد الراقي ..بينما يقوم الشعر الذي يشتم بالعكس أي بتحطيم هذه النفسية وتنفيس الغضب الذي نكون بحاجة إلى تراكمه كي يصنع شيئا .. أنا مع الشعر النقدي البناء ، وبالتأكيد لست مع الشتائم الذي تخرج به عن هذا الدور ..
* هل ثمة علاقة جوهرية عميقة بين شكل القصيدة العربية ومحتواها..؟؟..
· هذا أكيد ..الشكل يعطيك مدى الحركة التي تتحركها وهو ما يؤثر على المحتوى بشكل عام ..كيف ؟؟.. أنت تكتب حول موضوع محدد يتطلب منك أفكارا محددة وحكاية ما .. حين تكتب مثلا على الشكل العمودي يفرض عليك البيت الواحد وقافيته نمطا يؤثر على المحتوى وحركته التي تختلف بالتأكيد عن الكتابة على شكل شعر التفعيلة أو الشعر الحر .. حتى الاختلاف بين بحر وآخر يؤثر على المحتوى ، فما يعطيك إياه البحر الكامل يختلف عما يعطيك إياه البحر الطويل وهكذا ..طبعا الناقد بحاجة على عين ثاقبة ليعرف كيف تأثر المحتوى وإلى أي حد ..
· ما هو في اعتقادك حظ الإلقاء والإنشاد مما يخطه الشعراء المعاصرون؟
· منذ البداية ارتبط الشعر بالإنشاد والغناء والحداء .. الوزن أعطاه هذه الخاصية التي جعلته قريبا من الموسيقى .. وكثيرا ما تصلك القصيدة بشكل مغاير حين تسمعها بصوت الشاعر .. لكن هذا مرتبط بموهبة وقدرة على الإنشاد ، مثلا احمد شوقي كان لا يلقي شعره لأنه كان يخشى مواجهة الجمهور ، هل هو عيب؟؟..طبعا لا .. فالطباع البشرية تختلف ..كذلك هناك المهارات والصوت وما إلى ذلك .. الآن تصلك القصيدة مكتوبة وبعدة طرق لم تكن متاحة من قبل .. لكن باعتقادي الشخصي يبقى لصوت الشاعر أثره في إعطاء القصيدة شحنة خاصة تميزها عن المكتوبة ..
· ترى هل للسيرة الذاتية، الخاصة بالشاعر والشاعرة قديما وحديثا، أصوات وأصداء في ما ينظمانه من شعر؟
· شعرنا العربي شعر غنائي ذاتي نابع من النفس أولا ، لذلك تنعكس فيه ومن خلاله صورة الذات وحكاية السيرة .. ولا أبالغ إذا قلت إن شعرنا العربي ابن السيرة الذاتية التي تكاد تضع بصمة خاصة على كل مفردة فيه ..الشعر الأجنبي قد اختلف منذ البدايات عن هذا كونه كان في جزء منه ملحميا ، وفي جزء آخر متوجها إلى الموضوع ..بينما كان شعرنا العربي وما زال في جزء كبير منه نابعا من الذات وراجعا غليها وإن تعددت الأغراض والمواضيع .. هذا لا ينفي خروج بعض الشعر عن ذلك ، وإن إلى حد بسيط ..
* ما هي عناوين الكتب أو الدواوين الشعرية التي شدت اهتمام نور الدين الخطيب؟
* صعب أن أحدد لك عناوين محددة .. عملي في الصحافة فتح أمامي الأشياء على وسعها فكنت أشرب من كل نبع ..لكن كما أسلفت ، إن كان لا بد من التحديد ، فما هو وطني فلسطيني يشدني أكثر من سواه لأنه يتعلق بحياتي ومصيري ومصير شعبي إلى جانب الاطلاع الأكيد على التراث .. ربما تكون المعلقات ، بتكوينها المشروط بالجودة ، من الأقرب إلى نفسي .. ومن الحديث هناك الكثير خاصة مما يكتبه أدباء مصر كطه حسين والعقاد والمازني وسواهم ..
* هل سبق لك أن صادفت سيرا ذاتية شعرية عربية عتيقة أو حديثة؟
* السيرة الذاتية مرتبطة بما هو نثري .. لكن شعرنا القديم كله عبارة عن جزئيات من سير ذاتية .. وهناك كذلك من الشعر الحديث ..اتفقنا من قبل على أن الشعر العربي شعر ذاتي ، وهذا يعني أن الكثير من القصائد تفتح دفتر السيرة الذاتية لتمتح منه .. خذ أي قصيدة عربية دويلة ، المعلقات مثلا ، تجد أنها سيرة ذاتية ضافية الشرح عن أحوال الذات وسيرة الحياة ..خذ قصيدة مالك بن الريب في رثاء نفسه هي أيضا سيرة ذاتية .. خذ من الشعر المعاصر ما كتبه بدر شاكر السياب خاصة وهو على فراش المرض تجد انه سيرة ذاتية ..لكن إذا أردنا السيرة الذاتية بمعناها المدرسي أو الأدبي فهي مبثوثة في الكتابات النثرية أكثر ..
شكرا لك
[/align]
|