هل من الضروري أن تشرق الشمس كل صباح
-1-
- هذه الشمس قوية للغاية يا أبو عصام، يعني ضروري أن تشرق الشمس كل صباح؟
- شو رأيك يا محمود، لا يوزع بالمجان في غزة سوى أشعة الشمس. هل تريد أن تحرمنا من هذه النعمة أيضاً؟
- لا أبداً، ولكن عيوني متورمة من كثرة التحديق بالسماء يا أبو عصام.
- هل تنتظر هدية من رب العالمين أم قذيفة أو صاروخ من صنع إسرائيلي؟
- لا هذا ولا ذاك. مجرد عادة متأصلة لدي. أخبروني وأنا صغير بأن الأرواح ترتفع إلى السماء على عجل، ومنذ ذلك التاريخ وأنا أراقب سماء غزة يا صديقي.
- أخبرني بالله عليك، هل صادفت إحدى الأرواح المرتقية على عجل كما تدعي؟
- هل تهزأ بي يا أبا عصام؟ معقول يا رجل أن أصادف أرواح، أنا لست ملاكا ولست شيطاناً كذلك.
- حيرتني يا محمود، معقول تكون أصبت بالجنون آخر هذا الزمان، يكفي غزة ومشاكلها المزمنة، لا مكان للتأمل في غزة، دعك من الرومانسية يا رجل! شو أخبار بطالتك عن العمل؟ هل هناك أمل في خرق نظام نومك المتواصل، ومراودتك القهوة ولعب النرد وصف الورق ومباراة الشطرنج وأحاديث السياسة وما إلى ذلك.
- يعني ماذا تريدني أن أعمل أنبوب غاز أو بطارية شحن كهربائية، حتى الكهرباء مقطوعة عن القطاع يا أبو عصام.
- والله كلامك يسم البدن يا محمود، أنا على أية حال أفضل الذهاب لأن لدي ما أقوم به، تصبح على خير.
- وأنت بخير
لم يتوقف محمود عن التحديق في سماء غزة، وكأنه ينتظر هدية من السحاب، وكأن هناك من يحدثه ويسامره قبل أن يغلق عينيه. وكان كثيرا ما يتساءل، هل يعقل أن أستيقظ ثانية بعد أن أغلق عيني هذه الليلة؟ الكثير من الأصدقاء غادروا الحياة قبل أن يستيقظوا في غزة. والأسباب كثيرة، هل تريدون معرفة بعضها، حسناً، انهيار المبنى بقذيفة موجهة كانت تستهدف شخصاً هرب من مأواه لحظات قبل الحادث، إطلاق النار ثأراً على شرف قد يكون مهدوراً، واستقرار رصاصة فلسطينية لا تقبل رأياً آخر مهما كانت تدعي الديمقراطية والشفافية. هذه سياسة بحتة، كان يحدث محمود نفسه، هل يعقل أن أتحدث في أمور السياسة حتى وأنا أرقد وحيداً، هذا ضرب من الجنون. أنا غزيّ، إذن أنا أفكر، إذا قد أكون مجنوناً، أو قتيلاً! كيف لي أن أعرف الحقيقة. وضع يده على فمه فلاحظ بأن جرعات الهواء تدخل وتخرج بحرية من فيه. هل هذا دليل كافٍ على أني أمارس طقس الحياة، ربما في هذه اللحظة، وربما في اللحظة التالية يرسل جاري (أبو عصام)، معقول! أبو عصام يرسل إحداثيات مكان إقامتي للعدو والصديق؟ ولكن من أكون أنا في نهاية المطاف، أنا مجرد حشرة، لا شيء، ولكني رغم ذلك مستهدف. إذا كان لا بدّ من موتي الليلة إذا، هل من الضروري أن تشرق الشمس كل صباح فوق غزة؟ في تلك اللحظة، أدرك محمود النوم، كان حقيقة ما يزال على قيد الحياة. سرعان ما راودته الأحلام، قال بأنه يخشى أن يكون جزءاً من رواية، لأن الكاتب يحب أن يسرد قصص الموت، ولن يمهله كثيراً قبل أن يجهز عليه. لا تفعلها أيها الكاتب، دعني أغادر روايتك، ما زال لدي رغبة بممارسة الحياة، حاول أن تصفي حساباتك مع أبو عصام، لأنه شبع وارتوى من الحياة. أبو عصام تزوج طويلاً وعانق النساء حتى شبع من الرضاعة والقذف وصناعة الأطفال. اذهب إليه ودعني وشأني، أو أطفئ الأضواء ولا تدع أشعة الشمس تطرق نافذتي الليلة. امنع عني هذه الكوابيس، ارحمني من قلمك، لأنه كالمبضع، وأنا ما زلت على ثقة، ما زال في العمر بقية، أنا قادر على دحر الخيانة، هذه الليلة على الأقل.
يتبع