قد نكون تأخرنا في الوصول إلى حيفا لكننا حتما نملك كل الوقت للمقام و المكوث في أحضانها.
وفي إطار الحديث عن حيفا يبدو أن الكثير من الحيفاويين مهما أتقنوا من لغات وجابوا من بلدان يظلون أوفياء لأرض الآباء و الأجداد و القضية.
سأواصل معكم الرحلة و بعد تذكيري بعودة درويش إلى حيفا أجدني أمام بن آخر لحيفا وهو الكاتب و المؤرخ إلياس صنبر الذي درس في جامعات باريس ولبنان و الولايات المتحدة الأمريكية و السفير المراقب الدائم في بعثة المراقبة الدائمة لفلسطين لدى اليونسكو والذي يقول عن طفولته ومنفاه:
إلياس صنبر: الخروج في شهر نيسان 48، كان عمري 15 شهر خلاني.. وضعني.. بحالة غريبة جداً، لما طلعنا من حيفا وصلنا على بيروت صار معي التهاب بجفوني واتسكرت عيني، يعني ما أبقى شفت، أمي تأكدت ساعتها إني انعميت، إنه صابه شيء هذا الولد، خلاص صار أعمى، فلفت في.. ببيروت من مستشفى لمستشفى، ومن طبيب لطبيبي، ما حدا يعرف يقول ها العين يعني حالتها جيدة ما في شيء بالعين ولكن الجفون ما عم بتفتح، سكرت الجفون.. أمي راحت للـ..، كان في مستشفى ألماني في بيروت اللي المنطقة اللي هلا فيها الفنادق الكبيرة بالـ.. مثل بتصور موقع هولي داي إن (Holly day Inn) موقع الهولي داي إن اليوم كان بالأساس مستشفى ألماني القديم، هناك أمي شافت طبيب كان هناك، فحصني قال لها: ما تخافي هذا الولد صار عنده ردة فعل على حزنك وما عم بيشوف، بالنسبة لإلي هذي الأسرة كان فيها شي رمزي تقيل كان تفسيرها إنه.. عن عجز مطلق كطفل شو بدي أعمل بالنسبة للي عم بيحصل وبنفس الوقت نوع من الردة الفعل اللي حتى ما شوف اللي عم بيحصل.
(الطفولة)
كان فيه برنامج اسمه "السلام والتحية" في الخمسينات اللي كان الإذاعة الإسرائيلية من جهة الإذاعات العربية من جهة تانية بمواعيد محددة بوقت محدود جداً للمشاركين يعطي الفرصة للاجئين في البلدان العربية المجاورة وللأقلية الصغيرة جداً من الفلسطينيين اللي بقيوا في فلسطين هم كان 150 ألف إنسان في سنة الـ 51، بيتناقلوا أخبارهم عبر الإذاعات يعني إيه والكل بيعرفها كان دايماً.. وبدك يجي دورك ولازم تحكي.. تبعتي رسالة بسرعة لأنه كل محدود، الوقت محدود وعدد الناس اللي بدها تغطي، فبأتذكر جيداً كنا نسمع وقت البرنامج مع إن إحنا عيلتنا ما بقي تقريباً على الأقل على علمنا ما كان باقي حداً يعني ما كان عندنا حداً عم يبعت لنا أخبار، فكان اسمع ها الأصوت عبر الحدود، يعني أنا فلان بن فلان من قرية كذا، أبعت سلامي لابن عمي فلان اللي في مخيم فلان في البلد العربي الفلاني، اللي ماشي الحال، جانا ولد، أخبار وبعد أسبوع تسمع.. الرد، هاي الأصوات كانت شيء غريب جداً، كان عندنا انطباع الصوت.. قادر يتجاوز الغياب يتجاوز القطعية، وكان عندي تقريباً صورة بذهني أنا وصغير كأنه فيه أصوات بشكل ثابت دايماً زي طيور عم بتحوم فوق الحدود.. وبتخاطب بعضها.
(المنفى)
شعورك أنك ما إنك بمكانك هذا هو المنفى بكل بساطة يعني ذي شي حصل وزاحك عن مكان، يعني حطك على جنبه، فمفهوم المنفى في حد ذاته صعب، بالنسبة إلنا ليش صعب؟ حتى الكلمة –نسبياً-غير ملائمة، لأنه أنا كعربي وكشخص عنده شعور عميق بعروبته قبل فلسطينيته، يعني أنا عربي من فلسطين ما أني فلسطيني عربي، أنا عربي من فلسطين، ما عندي شعور بالمنفى بالعالم العربي، أن ما المنفى هو امتداد هذا العالم، ولكن عندي انطباع داخلي عالمي الواسع الله هو العالم العربي أنا مش محلي فقط، ففلسطين بالنسبة إلي هو ها ها النقطة البسيطة جداً بالآخر، أني ما إني بمكاني فقط، وممكن لو كنت في مكاني وأعيش بأي مدينة عربية مثل.. يعني ما عندي إقليمية بمعنى الضيق إن فلسطين وبس أبداً، وهذا ناتج من جهة المسار اللي أنا مريت فيه بحياتي وناتج أيضاً عن.. ما بديش أقول المبادئ ولكن القيم اللي.. اللي نقل لي إياها والدي، يعني شعور عروبي قوي جداً كان في البيت، ودايماً الكلام إن إحنا شو أصلك؟ أصلي عربي، وبعدين بأعطي التفاصيل من فلسطين أو من دمشق أو من بيروت، ولكن أصلي هو العرب.
وعن اللجوء و قضية عودة اللاجئين والنكبة: