بنيتي و أنت تترعرعين...
[align=justify]
[align=justify]
[align=justify]
لا أستطيع أن أصف لك سعادتي بك، فأنت المشيمة الفريدة التي تربطني بهذه الحياة، و أنت درة حب انطفأ منذ زمن بعيد. أينعت عيناك فتذكرت والدتك، سارت الأيام بسرعة، و لم يتبق من تلك المرأة سوى أطلال إنسان احتواها قبر متهالك، إذا ما ساورتك للحظة تلك الفكرة الرجيمة بعيادة رفات والدتك، فإنني لن أوافق، و كلما داعبتك لواعج حنين عابرة، فإنها لن تستعيد الماضي. لكنني لا أمتلك استطاعة حرمانك من مخاطبة روح أمك، مزيج من الحنين و الندم يستهلكني لدى انتعاش ذكريات لقاء غابر في إحدى مكتبات المدينة الساحلية، غير أن المصير القاتم لوالدتك يضفي مزيدا من الوحشة على مراسيم تصافيها مع الزمان البائس الذي نقتات منه. كانت هنا، توضب ملابسي و ترتب أوراقي، و في غمرة السعادة بمجيئك من الجنة، غادرت إلى وجهة ما، كل ما أعرفه، أنني لا أستطيع استعادتها. فلا تطلبي من والدك ما لا يستطيع تحقيقه لك، فأنت تدرين ولعه بك، و من حب البنت البارة لأبيها أن لا تطالبه بأمنية تثق بعجزه عن تحقيقها.
لقد بذلت حياتي من أجل استمتاعك بكل ما تريدين، قرأت لك قصص ألفونس ضوضي، و كما جرت به العادة عند اختتام سمرنا الليلي الخفيف، أنشد لك المقطع الذي وصف فيه العم ألفونس الألق البراق للعنزة الأخيرة للسيد سوغان. أ تتذكرين قراءاتنا الأولى في التلاوة العربية العتيقة، أتذكر بدقة تلك الفقرة التي نالت إعجابك: " في ربوة مشرفة على واد، نسقت يد الإنسان أحجارها، و انبرت خيوط النور الصباحي لتداعب وريقات الأقحوان، كما تداعب يد الأم وجنتي وليدها". يجول في خاطري عقيدته الإفتخار عشقك الطفولي لهذا المقطع، كيف أنساه و هو يمثل مقدمة أول قطعة انشائية ساعدتك على كتابتها. لا أفهم سبب إدماج الأم في سياق النص، ما يبدو لي واضحا نبل المشاعر النائمة بين حنايا وجدانك البريء. اصطحبتك إلى الشاطىء في أحدى الايام اللافحة لشهر غشت، لتتأملي معي صورة عظمى نحتتها الطبيعة، صورة الشمس و هي تقبل البحر عند المغيب، تظل طيلة ساعات تدفئه و عندما تميل إلى رقدتها الابدية، تطبع قبلة ميساء على صفحته الحريرية الهادئة.
أتذكر أيضا أن أسعد أوقات حياتي عندما أدلف عند الغسق إلى غرفة المكتب فأجدك قد عبثت بكل محتوياته، أوراق ممزقة هنا و هناك، كتب متناثرة، فوضى عارمة اجتاحت المكان. فأحملك، أناغيك، أحيي زمان الرجل المتصابي و أنا أرتشف ابتساماتك الحلوة. و عندما أستغرق في تصحيح أوراق طلابي، كنت تقلدين أباك، فتتسلقين المكتب لاقتطاف كتاب تقومين بتصحيحه، و أول كتاب صححته أيتها الطفلة البهية، رواية : "زقاق المدق"، ما أزال محتفظا بالكتاب، و أثمن ما تضمنه ليس آلام البؤساء أو جمالية الاستعارات المستلبة من الإنسان و الطبيعة، أثمن ما فيه تلك الخطوط و الطلاسم المتشابكة التي سطرتها.
كل ما قدمته لأجلك، تلك الأوقات المفعمة بالإرتباط العاطفي الوامض، تنتشلني من غروري، تمسح من ذاكرتي آثار الضباب، تزيل الإنطباعات الكئيبة من ذهني، كي أقول لك، و فقط كي اقول لك، " كوني أفضل مني".
[/align]
[/align]
[/align]
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|